يعكس غياب محطة في إسرائيل عن الجولة الإقليمية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دينامية جديدة في العلاقة بين الحليفين التاريخيين، في ظل تباين بينهما بشأن ملفات عدة.
وعلى مدى الأيام الماضية، أدلى ترامب بتصريحات تتعارض مع السياسات العامة لإسرائيل حيال إيران واليمن وسوريا، ما دفع الصحافة الإسرائيلية الى الحديث عن توتر بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على رغم تشديد الجانبين في العلن على أن العلاقة ممتازة.
وحققت الولايات المتحدة مكسبا الاثنين مع إفراج حماس عن الجندي الاسرائيلي الحامل الجنسية الأمريكية عيدان ألكسندر من قطاع غزة، إثر مباحثات مع الحركة الفلسطينية بوساطة قطرية.
وأتى ذلك في وقت يواجه نتنياهو انتقادات داخلية على خلفية عدم تمكنه من إعادة 57 من الأسرى لا يزالون محتجزين في قطاع غزة منذ هجوم غير مسبوق شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأشعل فتيل الحرب.
في سياق موازٍ، تحدث ترامب في الخليج عن قرب التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي، وهو ما يتناقض أيضا مع موقف إسرائيل، العدو الإقليمي اللدود للجمهورية الإسلامية.
تحدث ترامب في الخليج عن قرب التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي، وهو ما يتناقض مع موقف إسرائيل، العدو الإقليمي اللدود للجمهورية الإسلامية
ويقول خبير السياسة الخارجية في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب إيلداد شافيت “يبدو أن إسرائيل مستبعدة من هذه المفاوضات”.
ويشير الى أن ترامب يظهر موقفا “تصالحيا” أكثر، وأن أي اتفاق محتمل مع طهران قد لا يرضي الحكومة الإسرائيلية التي تطالب بتفكيك كامل للمنشآت النووية الإيرانية.
– “تخدم مصالحي” –
ويبدو أن الرئيس الأمريكي يقدم على خطوات لا يراعي فيها موقف حليفه الإسرائيلي، إن مع الحوثيين في اليمن، أو السلطات الجديدة في سوريا.
فقد توصلت الولايات المتحدة الى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين بين الطرفين، لكن المتمردين اليمنيين يواصلون إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل.
أما سوريا، فقد أعلن ترامب بشكل غير متوقع رفع العقوبات المفروضة عليها، والتقى في الرياض رئيسها الانتقالي أحمد الشرع، وأبدى إعجابه به، في حين أن إسرائيل لا توفر الانتقادات الحادة للسلطات الجديدة التي تولت الحكم في دمشق عقب إطاحة بشار الأسد.
ويقول المحلل في معهد تشاتام هاوس يوسي ميكلبيرغ إن ترامب “لا يولي أهمية كبيرة للعلاقة التاريخية والتقارب بين إسرائيل والولايات المتحدة”.
ويضيف أنه “مع ترامب، لم يكن هناك على الإطلاق شهر عسل (مع إسرائيل)، كل شيء هو عبارة عن مصالح: +اليوم تخدم مصالحي، إذا أنا أقرب أصدقائك. غدا، أتخلى عنك+”.
مع ترامب، لم يكن هناك على الإطلاق شهر عسل (مع إسرائيل)، كل شيء هو عبارة عن مصالح
ويوضح أن عدم مجيء ترامب الى إسرائيل مرده الى أنه “لن يجني شيئا من ذلك. لو كان هناك ما يجنيه لأتى، مثلا اتفاق لإطلاق سراح جميع الرهائن”.
ويشدد على أن الملياردير الجمهوري الآتي من عالم العقارات “يذهب إلى حيث يمكن أن يحصل على شيء ما”.
– دعم كامل –
الا أن هذه التباينات لا تعني التشكيك في التحالف القائم بين البلدين.
وتواصل واشنطن إظهار دعمها لإسرائيل على رغم الدعوات المتزايدة، خصوصا من الدول الأوروبية، لخفض التصعيد في غزة والسماح بدخول المساعدات الانسانية.
وتقول الخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية ميراف زونسزين إن “ترامب يواصل منح نتنياهو كامل الصلاحية ودعما كاملا، بما في ذلك في مجال التسلح”.
لكن الأمور بلغت “لحظة حاسمة وقد تمضي في اتجاهات مختلفة”، بحسب زونسزين.
ويرى شافيت الذي سبق أن عمل كمستشار وزراي، أن ترامب لم يقم فقط “بتأمين الإفراج عن رهينة أمريكي، بل يسعى للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار (…) ولست واثقا من أن الحكومة الإسرائيلية على وفاق معه في ما يتعلق بمرحلة ما بعد الحرب”.
وباتت إسرائيل عرضة لانتقادات صريحة من الأمم المتحدة، وتواجه إجراءات في المحكمة الجنائية الدولية.
ويقول شافيت إن “على نتنياهو أن يكون حذرا للغاية مع ترامب، لأن إسرائيل بحاجة إلى دعمه العسكري والسياسي”.
في ظل ذلك، رأى رئيس الوزراء الأحد أن على إسرائيل أن “تتوقف” في نهاية المطاف عن تلقي مساعدات عسكرية أمريكية، من دون تقديم تفاصيل.
وتتحدث وسائل إعلام إسرائيلية عن انزعاج متبادل بين الزعيمين، مشيرة الى تسريبات عن نفاذ صبر الإدارة الأمريكية من تواصل الحرب في غزة، بينما تشعر الحكومة الإسرائيلية بالغضب لتهميشها في مسائل أساسية.
ويرى ميكلبيرغ أن الأحداث الأخيرة تكشف شرخا عميقا بين الموقف الأيديولوجي والتموضع التكتيكي لإسرائيل، في مقابل براغماتية الرئيس الأمريكي.
(أ ف ب)
المصدر: الوثيقة