تحت عنوان “الواقع الذي سيسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم”، نشر “معهد أبحاث الأمن القومي” نتائج واستنتاجات من اختبار ميداني شامل يؤكد الافتراضات بشأن الفجوة القائمة بين صفوف الجيش والحكومة والسكان (المستوطنين) الذين تم إجلاؤهم من الشمال، فيما يتعلق بالوضع في الساحة الشمالية. وحسب الاختبار والاستطلاع الميداني، تم فحص الفجوة بين المستويات الحكومية والعسكرية والسكان الذين تم إجلاؤهم من الشمال من خلال التركيز على أزمة الثقة غير المسبوقة التي نشأت بين السكان (المستوطنين) في السابع من تشرين الأول، والتي تعمقت خلال أشهر الحرب لأن العودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم لم تُضف إلى أهدافها المعلنة إلا في أيلول 2024، وكذلك في ضوء المعاملة المدنية السيئة (للمستوطنين) النازحين. وشمل الفحص بحثا ميدانيا شمل مجموعة مركزة من السكان (المستوطنين) الشماليين، واستطلاعا مستهدفا بين الذين تم إجلاؤهم وغير الذين تم إجلاؤهم، ومقابلات معمقة، ومراقبة الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي. وتؤكد النتائج الافتراضات بشأن الفجوة القائمة في الجوانب العسكرية والاجتماعية والاقتصادية.
الجانب العسكري
تشير دراسة أجراها مركز المعرفة الإقليمي للجليل الشرقي إلى أن المؤشر الأكثر أهمية بين السكان (المستوطنين) الذين تركوا منازلهم أثناء الحرب فيما يتعلق بمسألة العودة إلى البيت هو الشعور بالأمن والحماية. وفي مجموعات التركيز التي أجريت كجزء من هذه الدراسة، كان الادعاء المركزي الذي تم سماعه مرارا وتكرارا بين سكان مختلف المناطق هو أنهم لم يعودوا مهتمين بالشعور بالأمن، بل بالأمن. وفيما يتصل باتفاق وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” ولبنان، هناك فجوة جوهرية بين الواقع العملي على الأرض ومعرفة السكان (المستوطنين)، خصوصا أن غموض تفاصيل الاتفاق، وكذلك الفجوة بين معرفة السكان بالواقع الأمني والواقع على الأرض، من بين العوامل التي أدت إلى أنه وفقا لنتائج استطلاع أجراه “معهد أبحاث الأمن القومي” بين 27 تشرين الثاني و1 كانون الأول 2024، فإن الأغلبية الساحقة من المستطلعين (حوالى 70 في المائة) عارضوا الاتفاق.
ويشكل الوجود العسكري عاملا رئيسا في استعادة الثقة، إذ أجاب 90 في المائة من المشاركين في استطلاع المعهد أن الوجود العسكري في منطقة الحدود من شأنه أن يحسن إلى حد ما أو إلى حد كبير فرص عودتهم. وبالإضافة إلى الحضور، تم التطرق إلى سياسة العمل التي يتبعها الجيش الإسرائيلي في فرض اتفاق وقف إطلاق النار. وحسب نتائج استطلاع المعهد، فإن معظم المستطلعين وافقوا على العبارة التي مفادها أنه “من المستحيل حماية سكان الشمال من دون وجود واسع ودائم للجيش الإسرائيلي في منطقة أمنية في جنوب لبنان”. والآن، بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، أصبح الوضع على الأرض هشّا. والوضع الذي يرغب به سكان الشمال غير موجود ومن المشكوك فيه ما إذا كان يمكن تحقيقه. ويمكن تلخيص ذلك بالقول إن الأمن شرط ضروري لعودة السكان (المستوطنين)، وأن تحقيقه بالشكل الذي سيثق به سكان الشمال ما زال بعيدا.
الجانب الاجتماعي
تشير شهادات السكان (المستوطنين) إلى وجود عدم تطابق بين الخطاب الإعلامي والحلول التي تقدمها الدولة حاليا والمشاكل الاجتماعية التي تؤرقهم، ومن ضمنها الموضوع التعليمي، حيث تشير بيانات استطلاع مركز المعرفة الإقليمي في الجليل الشرقي إلى أن جميع السكان الذين تم إخلاؤهم أو غادروا من تلقاء أنفسهم، يعتقدون أن الاستثمار في فريق تعليمي عالي الجودة، والجوانب العاطفية، والمهارات الاجتماعية، وقدرة الأطفال على الصمود – كل هذا سيشجع السكان على البقاء والعودة إلى المنطقة. لكن الواقع على الأرض هذه الأيام مختلف، وبالتالي فإن هذه القضية تتطلب اهتماما خاصا.
الجانب الاقتصادي
كان للحرب بشكل عام، والإخلاء بشكل خاص، تأثير كبير على الوضع الاقتصادي والتشغيلي لسكان الشمال. وكانت النتيجة المباشرة للحرب إلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات والبنية التحتية. إلى جانب ذلك، تسببت التوترات الأمنية الأولية والقتال العنيف الذي تلاها في إلحاق الضرر بصناعة السياحة، التي تعد مصدر دخل مهم لكثير من سكان المنطقة. ويجب أن نضيف إلى ذلك فقدان مصادر الدخل نتيجة الإخلاء، وخسارة رأس المال البشري في بعض أماكن العمل. أما فيما يتعلق بمسألة ما الذي سيؤثر على العودة إلى البيت، فإنَّ قضية المنح (المالية) تأتي في المرتبة الثانية بعد قضية الاستثمار في البنية التحتية، وخلق فرص عمل جديدة، والإعلان عن خطة حكومية لازدهار الشمال.
التوصيات السياسية
بموجب نتائج الاختبار الميداني والاستطلاع، قدَّم المعدُّون توصيات على المستويين العسكري والمدني. على المستوى العسكري يجب (برأيهم) أن يصمم الدفاع المكاني وفقا لعقيدة القتال في الجيش الإسرائيلي وليس الاعتماد فقط على عقبات مادية، والتي سوف يتم اختراقها حتما (كما حدث في الجنوب – قطاع غزة) والتي لا يكفي وجودها لخلق الأمن الحقيقي أو الشعور بالأمن بين السكان. بالإضافة إلى ذلك، فقد تبيّن من الاستطلاع الذي أجري بين سكان الشمال ومجموعة التركيز، فيما يتعلق بقضية المختطفين (الأسرى)، أن التهديد بالغزو البري يشكل اعتبارا مركزيا في قرار السكان بشأن العودة إلى البلدات (المستوطنات). وفي ضوء ذلك، يجب إعطاء الفرق المكانية القدرة الكافية للدفاع عن خط الحدود والبلدات، حتى في مواجهة هجوم مفاجئ ودون الاعتماد على نشر قوات أو موارد من هيئة الأركان العامة. ويجب أن تكون قوتهم النارية واستخباراتهم وقواتهم البرية قادرة على الحفاظ على دفاع قوي، وهو ما سيردع الأعداء في حد ذاته عن الهجوم.
فضلا عن ذلك، من الواضح من تصريحات المستوطنين أن العودة إلى سياسة الاحتواء من جانب “إسرائيل” من شأنها أن تضر مرة أخرى بثقة سكان الشمال في الجيش الإسرائيلي والدولة. ولذلك، يتعين على “إسرائيل” أن تحافظ على سياسة عمل دائمة وواضحة وغير قابلة للتنازل ضد أي انتهاك أو “انزلاق”، وأي مشكلة لا يتم حلها على الأراضي اللبنانية من قبل الجيش اللبناني أو قوة دولية سوف يتعامل معها الجيش الإسرائيلي من دون أي قيود في معنى أو شدة العمل، مع الموازنة بين استخدام اليد القاسية كرادع للانتهاكات والحفاظ على الهدوء الأمني كخطوة لاستعادة الثقة. كما أنه من أجل تهيئة الظروف الكافية لعودة السكان، من دون الحفاظ على وجود دائم في الأراضي اللبنانية، يجب على الجيش الإسرائيلي الحفاظ على وجود عسكري متزايد في منطقة الحدود وفي البلدات (المستوطنات)، على الأقل في السنة الأولى بعد توقيع الاتفاق، إلى جانب تعزيز فرق الاستعداد في البلدات (المستوطنات).
أمَّا في الجانب المدني، ينبغي أن تكون الأزمة فرصة للتصحيح الكبير ولن يكتفي السكان بعودة الوضع إلى ما كان عليه سابقا، بل يتوقعون أن تكون العودة إلى الديار نقطة انطلاق لتعزيز المنطقة الشمالية بأكملها وجعلها منطقة رائدة في “إسرائيل”. ومن المقترح دراسة ما إذا كان من الضروري إنشاء مديرية مخصصة للشمال أو ما إذا كان من الأفضل التركيز على منح الموارد والصلاحيات التشغيلية للسلطات القائمة. وينبغي التركيز على الاستثمار في إعادة المصانع والشركات التي هاجرت إلى الجنوب، وخلق مناخ يسمح بنمو متجدد للأعمال. وبالإضافة إلى استثمار الموارد وتقديم الحوافز للصناعة، يجب أيضا تقديم حلول لاستعادة السياحة والشركات الصغيرة. ويجب بناء نموذج مناسب لمنح العودة، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن العديد من الأسر التي لديها أطفال ستختار إكمال العام الدراسي الحالي بدلا من إجلائها رغبة في عدم اقتلاع أطفالها مرة أخرى. وكما أكد السكان، فإن عودة الأسر الشابة تشكل ركيزة مهمة في إعادة تأهيل المنطقة بأكملها، وأن معاقبة الأسر التي تختار عدم العودة في منتصف العام الدراسي قد يقوض تحقيق هذا الهدف.
لقد تم تصميم البحث الميداني لفحص ما إذا كانت هناك فجوة كبيرة بين تصورات المسؤولين الحكوميين والعسكريين بشأن الواقع المطلوب لتمكين عودة السكان (المستوطنين) الشماليين الذين تم إجلاؤهم إلى منازلهم، وتصورات السكان أنفسهم. وحسب الاستنتاجات فإن هناك بالفعل فجوة كبيرة، وهو ما ينعكس في المجالات العسكرية والأمنية والمدنية والاقتصادية.
المصدر: الميادين
العودة إلى الشمال: فجوة كبيرة بين المستوطنين والمسؤولين الإسرائيليين | الميادين