You are currently viewing ليّ ذراع وترميم هيبة.. الكيان ينتهك اتفاق الأسرى لرفضه التسليم بنتائج الحرب

ليّ ذراع وترميم هيبة.. الكيان ينتهك اتفاق الأسرى لرفضه التسليم بنتائج الحرب

لا تزال حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو تعلّق الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين (602 أسير)، مثلما أنها ترفض دخول الجولة الثانية من المفاوضات، منتهكة بذلك اتفاق الإطار مع حركة “حماس”، وسط تهديد ووعيد بـمعاودة الحرب، بما في ذلك حشد قوات عسكرية في حدود القطاع.

وفي التزامن يصل مبعوث الرئيس الأمريكي ويتكوف غداً الأربعاء للمنطقة لاستكمال المساعي نحو “استعادة كل الرهائن”، كما جاء على لسانه في تصريحات متتالية.

وينبع هذان الانتهاكان الجديدان من رفض الائتلاف الإسرائيلي الحاكم للتسليم بـنتائج الحرب التي لم تحقق هدفيها المركزيين، تدمير حركة “حماس” واستعادة الرهائن والأسرى، رغم أنها الأكثر طولاً وشراسة في تاريخ الحروب الإسرائيلية.

هذا الائتلاف الأكثر قومجية وتطرفاً من بين حكومات الاحتلال، والراغب بالمزيد من الانتقام وحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، يشعر بالحرج والارتباك في ظل هذا الفشل، ومما يزيد طينته بلة أن رئيسه، نتنياهو، مسكون هو الآخر بـجنون العظمة ويرى بـنفسه “سيد الأمن” و”تشرتشل الإسرائيلي”.

كذلك، فإن مشهدية التبادل تدلل على أن “حماس” باقية، وتحتفظ بقدراتها السلطوية والعسكرية، وتشرف على عملية استعراضية تنتج تنافراً معرفياً في وعي الإسرائيليين، وتحول “النصر المطلق” إلى ما يشبه رسم الكاريكاتير. بيد أن هذه المشهدية (علاوة على المسألة الحساسة المتعلقة بالجثة البديلة للسيدة الإسرائيلية شيري بيباس التي أثارت غضباً واسعاً في الشارع الإسرائيلي) تربك إسرائيل، دولةً وسكاناً لا حكومة فحسب، وهذا ما يفسر التشديد على عدم تكرار “الطقوس المهينة”، فهذا الطلب ينم عن رغبة بتعزيز صورتها، وترميم هيبتها في إطار المعركة على الوعي، وعي الإسرائيليين والفلسطينيين ووعي العالم كلّه الذي يراقب ويخلص لاستنتاجات.

يتجلى ذلك في رسم كاريكاتير تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية اليوم، وتبدو فيه لعبة ليّ أذرع بين يد “حماس” الخضراء واليد الإسرائيلية الزرقاء، ومن أسفل اليدين تبدو أربعة توابيت، في إشارة للجثامين الإسرائيلية التي ينص الاتفاق على إعادتها بعد غد الخميس.

من جهته، يشترط نتنياهو الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الستمئة بـضمانات تكفل عدم القيام بـ”طقوس مهينة”، وتبكير موعد تسلّم الجثامين الأربعة. لا يوجد أي معنى عملي، أو فارق حقيقي، بين تسلّم الجثامين اليوم الثلاثاء أو غداً الأربعاء وبين تسلّمها الخميس طبقاً للاتفاق، خاصة والحديث يدور عن موتى، إنما هي رغبة من قبله لترميم صورة الهيبة المصابة.

منديل أحمر
ومن المرجح أن حركة “حماس” تأخذ تبعات هذه المشهدية الحساسة ومفاعيلها بـالحسبان، لا سيّما أن نتنياهو يوظّفها كمنديل أحمر لـتهويش الإسرائيليين عليها، وتكثيف مساعي شيطنتها، ونزع إنسانية كل الفلسطينيين بشكل غير مباشر، ودفعهم لـتأييده بـالتنكر للاتفاق، وتعليق الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، والعودة لخيار الحرب، وتصعيد الضغوط بـالاستعانة بالدعم الأمريكي لـتفكيك قدراتها السلطوية والعسكرية.

حالياً ما زالت حكومة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بذرائع غير مقنعة، وتطرح شروطاً منها استلام الجثامين الأربعة أولاً، والتثبت من هويتها بفحص الحمض النووي تحاشياً لتكرار حادثة شيري بيباس، وفي المقابل ترفض “حماس” انتهاك الاتفاق، ويطالب بعض الناطقين بلسانها بـإفراج متزامن، إن كان لا بدّ من تبكير الإفراج عن الجثامين.

لكن الأزمة المفتعلة ربما تجد طريقها للحل قبيل الخميس القريب، خاصة أن ضغوط الشارع الإسرائيلي المؤيد للصفقة باتت أشد، لا سيما بعدما استمرأ مذاق استعادة الرهائن، في الأسابيع الأخيرة. ويشكك بأن نتنياهو يبحث عن ذرائع واصطياد الفرص للتخلص من الاتفاق والصفقة حتى بثمن التنازل عن عشرات الرهائن والجثامين، كما اعترفت في الأمس الوزيرة أوريت ستروك (الصهيونية الدينية).

نتنياهو يسعى للتخلص من الإرباك والتهرب من “البشارة” السوداء، المتجسدة بنهاية الحرب دون تحقيق أهدافها، مثلما يسعى للحفاظ على ائتلافه من السقوط في ظل معارضة لدى بعض مركباتها للجولة الثانية من المفاوضات بسبب استحقاقاتها السياسية، وفي جوهرها إنهاء الحرب والانسحاب.

يدرك عددٌ كبير من الإسرائيليين في قرارة أنفسهم أن الوضع الراهن مربك، وأن نتنياهو يسعى للتخلص منه بالانسحاب للأمام وتجريب المجرب، ومحاولة تحقيق أطماعه في حرب جديدة لم تتحقق طيلة 14 شهراً. ولذا فهم يعربون يومياً عن رغبتهم باستكمال استعادة المخطوفين والأسرى أولاً، ولاحقاً التفرغ لـمحاصرة “حماس” ضمن مسيرة طويلة وفق ما يراه عدد كبير من المراقبين والجنرالات في الاحتياط أو معاودة استهدافها عن بعد على النموذج اللبناني.

علاوة على الضغط الداخلي هناك ضغوط خارجية، فلا بدّ أن قطر ومصر تضغطان من أجل احترام الاتفاق، ولهما، ولبقية الدول العربية دور في منع خيار استئناف الحرب أيضاً بالتصميم على خطة شاملة بديلة للقطاع تتضمن توافقاً فلسطينياً مسؤولاً.

مثلما أن واشنطن لن تجد من السهولة الدفاع عن مواصلة انتهاك الاتفاق بـتعليق الإفراج عن هذه الدفعة من الأسرى الفلسطينيين، وكذلك لديها أولوية مغايرة، فهي تتطلع لإنهاء ملف غزة تمهيداً للدخول في صفقة كبرى، إقليمية سياسية، تشمل توسيع التطبيع مع السعودية والاستثمارات بالمليارات.

بصرف النظر عما إذا ستحل “أزمة الأسرى” قبل وصول ويتكوف غداً أم لا، فإن ما ينتظره هو أزمة أكبر وأخطر تتمثل بـانتهاك صريح للاتفاق من قبل إسرائيل التي تتطلع لاستبداله بـاتفاق جديد يقضي بـتمديد الجولة الأولى من المفاوضات، ومواصلة وقف الحرب مقابل استمرار “حماس” بالإفراج عن رهائن.

بين الجولتين الأولى والثانية
كما كان متوقعاً، تعمل إسرائيل على تعديل عميق للاتفاق بتمديد الجولة الثانية بـ42 يوماً، تتخللها عدة نبضات، مقابل مواصلة وقف النار دون التزام بوقف الحرب، بيد أن هناك جهات في إسرائيل أيضاً تشكك بـاحتمالية ذلك، لعدم وجود مقابل أو مكافأة لـ”حماس” فيها، خاصة أنه ليس مفهوماً بعد ما هو حجم النبضة الواحدة التي تطمع بها إسرائيل، وليس بالضرورة أن يكون ثلاثة كل أسبوع، كما حصل حتى الآن، وفق ما يوضحه موقع “واينت”.

وطبقاً لـ”واينت”، ونقلاً عن مصدر إسرائيلي رفيع، هناك ثلاثة خيارات أمام “حماس”:

الأول؛ استنساخ خروج بيروت عام 1982، وقف الحرب مقابل إلقاء السلاح والتنازل عن السلطة ومغادرة قادة حماس للقطاع.

والثاني؛ ممارسة القوة المفرطة لتحقيق أهداف الحرب بقتال أشرس، مع دعم أمريكي لـفتح “باب الجحيم”.

والثالث؛ تمديد المرحلة الأولى، بحال رفضت “حماس” الشروط الإسرائيلية للمرحلة الثانية على مبدأ وقف النار، طالما واصلت “حماس” الإفراج عن رهائن، وسط مداولات على مفاتيح جديدة للتبادل.

وهذا ما يشغل الصحافة الإسرائيلية كافتها اليوم، فتختار “يديعوت أحرونوت” عنواناً رئيساً يقول: “استعدادات في الطرفين لانهيار وقف النار”، فيما تنقل صحيفة “معاريف” عن “مصدر كبير” قوله إن هناك مساعي دبلوماسية لتحرير المخطوفين، وإن الخطة العربية غير مقبولة، وإسرائيل تهدد بحرب.

أما “يسرائيل هيوم”، فجاء عنوانها الرئيس اليوم: “محاولة إسرائيلية لتبكير تسلم الجثامين”.

وتبدو “هآرتس” الوحيدة التي تخرج عن السرب الإعلامي العبري من هذه الناحية، بالتأكيد على أن إسرائيل تنتهك الاتفاق مع “حماس”، وبضغطها عليها لتبكير استلام الجثامين الأربعة.

وتحذر “هآرتس” من المغامرة الكامنة في معاودة الحرب على غزة، ومن أثمانها بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين أيضاً، وليس بالنسبة لإسرائيل فحسب.

وفي افتتاحيتها، تدعو قائد الجيش الجديد للحذر في التعامل مع الحكومة المتطرفة: “مقابل حكومة متطرفة شهيتها مفتوحة على المزيد من الخراب في القطاع، وتطمع بـجيش يتقدم كـالخيول الجامحة، عليك بالاستفادة من تجربة سابقك في الوظيفة، بألا تندفع كالخيول فقط، بل أن تعرف كيف تتوقف، ومنع تطبيق خطة عسكرية من شأنها أن تتضح كـجريمة حرب تشمل إجلاء مكثفاً للغزيين وتجويعهم عمداً ودماراً تاماً للبنى التحتية”.

المصدر: القدس العربي

ليّ ذراع وترميم هيبة.. إسرائيل تنتهك اتفاق الأسرى لرفضها التسليم بنتائج الحرب

شارك المقالة