You are currently viewing من فلسطين الى أوكرانيا: «جوائز» ترامب لمجرمي الحرب!

من فلسطين الى أوكرانيا: «جوائز» ترامب لمجرمي الحرب!

فاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجائزة دبلوماسية كبرى غير متوقعة بتلقّيه مكالمة التسعين دقيقة، أول أمس الأربعاء، من نظيره الأمريكي دونالد ترامب، للتفاوض معه حول شروط وقف الحرب في أوكرانيا، وهو ما يمكن اعتباره تغييرا دراماتيكيا لصالح موسكو، بعد التقلّبات الكبرى منذ شنّها هذه الحرب قبل ثلاث سنوات، والتي أدت، في أكثر من مرة، لحصول تهديدات هائلة لنظام بوتين.
الأغلب أن زعيم الكرملين أحس، خلال المكالمة، بانقلاب مفاجئ في المعادلة، التي كانت فيها واشنطن، القوة الأعظم عالميا، مع أوروبا وحلفاء آخرين مؤثرين للغرب، تدعم أوكرانيا وزعيمها فولوديمير زيلينسكي، بالمال والسلاح والمستشارين العسكريين والمتطوعين وبالدبلوماسية (وحتى بأشكال «القوة الناعمة» مثل طرد روسيا من الفعاليات الرياضية والغنائية).
تعرّضت خطط روسيا الحربية في أوكرانيا إلى عدد من الضربات الكارثية منذ بدايتها، فتفاجأت بخسارة معركة السيطرة على كييف، التي كانت تأمل عبرها بإسقاط النظام الأوكراني بالضربة القاضية، وتعرّضت بعدها لخسائر كبرى في أرواح الجنود، وتبعت ذلك عقوبات اقتصادية قاسية، وتمرّد خطير داخل روسيا من ميليشيا «فاغنر» أدت إلى حلّها ومقتل قائدها، كما نجحت القوات الأوكرانية في دخول واحتلال منطقة كورسك الخ.
قلب الرئيس الأمريكي إذن هذه المعادلة بأكملها ببدء التفاوض رسميا مع نظيره الروسي على مصير أوكرانيا، سياسيا واقتصاديا وجغرافيا، في تجاهل مزر للأوكرانيين، ولتاريخ نضالهم للاستقلال، والذي كانت احتجاجات عام 2013 (الشبيهة بانتفاضات «الربيع العربي») ذروته، حيث أدى القمع الوحشي للمتظاهرين، في النهاية إلى سقوط النظام وهروب الرئيس الأسبق فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا عام 2014.
سار الأوكرانيون، بالنتيجة، نحو اعتماد النظام الديمقراطي، وقرروا الابتعاد عن التبعية السياسية والاقتصادية لموسكو، وأخرجوا بلادهم من منظومة الدكتاتورية والفساد السياسي السابقة، لكن القرب الجغرافي لروسيا، وتأثيرها السياسي والاقتصادي والديمغرافي (بسبب وجود جالية روسية كبيرة) جعلت تلك القرارات مجازفة هائلة قد تعرّض بلادهم للاحتلال، وسرعان ما تجسّدت احتمالات هذه المجازفة فعلا بإعلان موسكو «العملية العسكرية الخاصة» في 24 شباط/فبراير 2022.
كانت المخاطرة بإعادة احتلال روسيا لأوكرانيا، وإلغاء كيانها السياسي تماما (كما صرّح بوتين في خطاب شهير له، اعتبر أن أوكرانيا لم تكن دولة يوما بالمعنى الحقيقي وأنها «تأسست بالكامل من قبل روسيا») لكنها كانت، من جهة أخرى، رهانا كبيرا أيضا على الغرب، يضعها حرفيا تحت مسؤولية أمريكا وأوروبا، كحليف سياسي واقتصادي وعسكري، وقد انخرط الغرب فعلا في حماية ذلك الخيار الأوكراني… إلى أن جاء ترامب!
جاءت مفاجأة ترامب الأخيرة بعد انقلابه الخطير الآخر، الذي سوّق فيه لنفسه ضمن الجمهور العربي والإسلامي في أمريكا والعالم، باعتباره الشخص القادر على «إنهاء الحروب» وبعد إعلان «وقف إطلاق النار» الذي شاركت إدارته، بالتأكيد، في صنعه في غزة… ومن ثم لتصريحاته حول تهجير أهالي القطاع، وشرائه الخ، وهو ما يعني، عمليا، تطهيرا عرقيا لسكان غزة، ومفتتحا لطرد سكان الضفة، واجتراحا لـ»حل نهائي» يستأصل الفلسطينيين من أرضهم، وينهي «المسألة الفلسطينية» برمّتها.
رغم الفوارق الهائلة، بين الوضعين الفلسطيني والأوكراني، بما في ذلك الموقف الغربيّ المؤيد لإسرائيل، فإن كلا «الصفقتين» تُخبران، أولا، عن شخصية ترامب، من حيث تقديره العالي للطغاة المتهمين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (وهو ما يجمع نتنياهو وبوتين المطلوبين من محكمة الجنايات الدولية) وتشرحان، ثانيا، العلاقة الأصيلة بين تيارات اليمين المتطرّف الغربي، (التي أبدت بأشكال عديدة ارتباطها وإعجابها ببوتين) وإسرائيل، من ناحية، وكراهيتها للعرب والمسلمين، من ناحية أخرى، وتوضحان، ثالثا، احتقار ترامب وأضرابه لما يسمى «القيم الغربية» (والأممية) الليبرالية، والحقوقية، والقانونية، وتبيّنان، رابعا، أسلوب ترامب (ونتنياهو) في اختراق «الخطوط الحمر» السياسية، حين يتعلّق الأمر بالإبادة والتطهير العرقي والمهاجرين والأقليات… وصولا إلى قضايا المناخ والصحة العامة والفقراء.

المصدر: القدس العربي

 

من فلسطين الى أوكرانيا: «جوائز» ترامب لمجرمي الحرب!

شارك المقالة