في إنجاز استثنائي، توّج فيلم روح القدس للمخرج الكويتي حمد النوري بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل في مهرجان “كان” السينمائي بفرنسا لعام 2024.
الفيلم الذي استحوذ على إعجاب لجنة التحكيم والمشاهدين، نجح في تسليط الضوء على روح مدينة القدس وصمود أهلها في وجه الاحتلال، مقدمًا رؤية إنسانية عميقة تُبرز الهوية الفلسطينية وتاريخ المدينة المقدسة.
في هذا السياق، أعرب المخرج الكويتي حمد النوري عن سعادته بفوز فيلمه روح القدس بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل في مهرجان كان “، مؤكدًا أن “العمل يمثل تتويجًا لسنوات من الجهد المستمر لخدمة قضية القدس”.
وقال النوري في حوار مع “قدس برس” إن “القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى على نحو خاص ليست مجرد قضايا تاريخية أو سياسية، بل قضايا وجدانية وإنسانية تمثل روح الأمة الإسلامية والعربية”.
وأضاف “منذ بداياتي في صناعة الأفلام الوثائقية، كنت مؤمنًا بأن دوري لا يقتصر على التصوير، بل على تقديم رسالة تحمل هموم الناس وأصواتهم إلى العالم”.
وأضاف النوري: “ما دفعني للعمل على هذا الفيلم هو شعوري بوجود فجوة كبيرة في تسليط الضوء على هوية القدس ومعاناة سكانها. لقد رأيت أن هناك زوايا وقصصًا مغيبة تحتاج إلى من يرويها بصدق. ولذلك كان هدفي أن أقدم عملًا يوثق الروح الحقيقية للقدس، تلك الروح التي صمدت رغم الاحتلال والممارسات التعسفية التي تهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية”.
أوضح النوري أن فيلم “روح القدس” اعتمد منهجية غير تقليدية في التوثيق. وقال: “العمل بدأ بفكرة مقاومة التضليل الإعلامي الذي تشهده القدس. حرصنا على تقديم رواية تعتمد على التوثيق المباشر والواقعية، مع الاستفادة من تقنيات متقدمة مثل البث المباشر ووسائل الإعلام الحديثة. كان علينا أن نرصد الأحداث بدقة، ونحلل طبيعة المعلومات المتداولة، مع دراسة كيفية إيصال الصورة الحقيقية للمتلقي العالمي”.
وأشار النوري إلى أن الفيلم يتناول محطات مختلفة من القدس بأسلوب قصصي مبتكر. “بدأنا بسرد تاريخي مختصر عن نشأة مدينة القدس، ثم انتقلنا إلى استعراض الحاضر عبر أماكن وشخصيات تعبر عن روح المدينة. من الجامع القبلي وقبة الصخرة إلى سوق القطانين وكنيسة القيامة، حاولنا أن ننقل مشاعر المكان وتأثير الاحتلال على الحياة اليومية للسكان”.
التحديات والصعوبات
وعن التحديات، قال النوري: “التصوير في مدينة محتلة مثل القدس مغامرة محفوفة بالمخاطر. التحدي الأكبر كان في الحفاظ على أمن الفريق وتأمين المعدات والمواد المصورة. كان علينا التنقل خفية، دون لفت الانتباه، حتى لا نتعرض لمضايقات أو خطر مصادرة العمل. كما أن التعامل مع الناس في ظل هذه الأجواء يتطلب حساسية بالغة، وخلق بيئة من الثقة والراحة لجعلهم يتحدثون بعفوية عن تجاربهم”.
وأضاف: “التحديات لم تتوقف عند حدود التصوير فقط، بل شملت أيضًا عمليات الإنتاج التي تطلبت أعلى معايير الجودة من تصوير، وصوت، وإضاءة، لتقديم فيلم بمعايير عالمية، دون المساس بالروح الطبيعية والبساطة التي تجسد واقع المكان”.
رسائل الفيلم ومضمونه
أكد النوري أن فيلم روح القدس يحمل رسالة عميقة تُبرز الصمود الفلسطيني والإرث الثقافي للمدينة. “حرصنا على أن يكون الفيلم نافذة تُطلّ على هوية القدس بمكوناتها كافة: الأماكن، الناس، التاريخ، والمعاناة. أردنا أن نُظهر أن الهوية الفلسطينية لم تتزحزح رغم سنوات الاحتلال، بل ازدادت قوة وتجذرًا”.
وأشار إلى أن الفيلم تناول قصص شخصيات مقدسية من مختلف الأعمار والمهن، “استعرضنا حياة السكان المحليين في أماكن حساسة كحي الشيخ جراح، ومستشفى المقاصد، وسوق القطانين. كما نقلنا مشاعر زوار المسجد الأقصى وارتباطهم الروحي بالمكان. الشخصيات كانت تعبيرًا حيًا عن المقاومة، سواء كانوا كبار السن الذين شهدوا النكبة أو الشباب الذين يحملون الراية اليوم”.
وحول فوز الفيلم، قال النوري: “مهرجان كان يُعد منبرًا عالميًا مرموقًا، ونادرًا ما نشهد أعمالًا عربية، خاصة خليجية، تُطرح فيه وتلقى صدى إيجابيًا. أن يفوز فيلم كويتي يتناول موضوع القدس في مثل هذا المهرجان هو إنجاز استثنائي يعكس أهمية الجودة والاحترافية في إيصال الرسائل الإنسانية”.
وأضاف: “أهدي هذا الفوز إلى دولة الكويت قيادةً وشعبًا، وإلى فلسطين وشعبها الصامد، وإلى كل من دعم هذا العمل. إن ما حققناه في هذا الفيلم ليس سوى بداية، وأتطلع إلى حصد المزيد من الجوائز العالمية لنشر رسالة القدس للعالم”.
ووجه النوري رسالة إلى صناع الأفلام في العالم العربي: “السينما ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل هي أداة تأثير قادرة على تغيير المفاهيم وإحداث الفارق. علينا أن نعمل بجدية واحترافية لنكون على مستوى التحديات، ونقدم أعمالًا تسهم في بناء الوعي ونشر الرسائل التي تعزز القضايا العادلة. القدس ليست مجرد مكان، بل رمز للصمود والكرامة، وأتمنى أن يكون هذا الفيلم نقطة انطلاق لأعمال توثق نضالها المستمر”.
ولفت المخرج الكويتي إلى “قرب الانتهاء من تصوير عمل فني جديد، حيث بلغت نسبة الإنجاز فيه حوالي 98%”. وأوضح أن “هذا المشروع يُعد الأضخم إنتاجيًا في مسيرته، حيث صُوِّر في عدة دول حول العالم، منها فلسطين، باريس وليون في فرنسا، بروكسل في بلجيكا، برلين في ألمانيا، فيلادلفيا في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الأردن، السعودية، والكويت”.
وأشار النوري إلى أن العمل “يتناول موضوعًا بالغ الأهمية يُسلط الضوء عليه لأول مرة بشكل محترف وشامل”. وأكد أن “هناك جهودًا صهيونية متواصلة لمنع تسليط الضوء على هذا الموضوع، مما يجعل هذا المشروع تحديًا كبيرًا وطرحًا جديدًا وفريدًا من نوعه”.
وأضاف أن الفيلم يركز على منطقة “أرض محررة” داخل فلسطين، التي تحظى باعتراف وحماية دولية، مشيرًا إلى أنه “سيكشف عن أبعاد جديدة وحقائق غير مسبوقة من خلال هذا العمل”.
واختتم بالقول: “هذا الرهان الصعب هو مشروعنا القادم بإذن الله، وسيكون بوابة جديدة لنقل الصورة الحقيقية بشكل محترف ومؤثر إلى العالم”.
المصدر: قدس برس