في العاصمة العراقية بغداد ومدينة نينوى (شمال) تحديداً، تألقت الكنائس ومنازل المسيحيين بالأضواء والزينة وأشجار الميلاد، في مشهد عكس تمسكهم بتقاليدهم ورغبتهم في إحياء روح الفرح والسلام في عيد الميلاد، لا سيما أنهم تعرضوا في سنوات سابقة لعنف واضطهاد وتهجير من جماعات إرهابية ومليشيات مسلحة.
ويؤكد المسيحيون اليوم أنهم يشعرون بأمان كبير مع استتباب الأمن بشكل كبير، الذي أعاد عائلات عدة إلى منازلها ومناطقها بعدما هُجّرت منها عام 2014، خاصة في الموصل (شمال).
يقول الأب رافد يوحنا لـ”العربي الجديد”: “الاستعدادات جارية للاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية التي تحمل رسائل أمل وسلام للعالم، خصوصاً في ظل الصراعات والتوترات التي تشهدها المنطقة”.
ويلفت إلى أن “الكنائس التي تجمع الناس على المحبة والتسامح تلعب دوراً محورياً في نشر السلام من خلال الصلوات والاحتفالات الروحية والتواصل مع مختلف الطوائف. وسنركز على الصلاة من أجل السلام في العراق والمنطقة، ومن المهم أن تكون الكنائس منارات للأمل في أوقات المحن”.
يتابع: “نحن ملتزمون بالصلاة والعمل لغدٍ أفضل لكل الشعوب بغض النظر عن أديانها أو انتماءاتها. أعياد الميلاد في العراق ليست مجرد مناسبة دينية عند طائفة معينة أو مناسبة سعيدة للجميع، بل فرصة لتعزيز التعايش بين مختلف الطوائف والأديان”.
ورغم الصعوبات، تبقى رسالة العيد الأهم نشر الأمل والمحبة والسلام في بلد يزخر بالتنوع الثقافي والديني، وفق ما تقول سيتا جورج لـ”العربي الجديد”، وتضيف: “يحتفل جيراننا المسلمون معنا ونشاركهم أعيادهم. العيد بالنسبة إلينا رسالة أمل وتجدد. نعيش في ظروف صعبة، لكن الاحتفال بعيد الميلاد يمنحنا قوة للمضي قدماً. نشكر كل من يشاركنا الفرحة من المسيحيين ومن الطوائف الأخرى”.
ويحمل عيد الميلاد في العراق هذا العام طابعاً مميزاً، إذ يشهد زيادة في التعاون بين الطوائف المختلفة لإحياء المناسبة، كما تنظم احتفالات واسعة في مدن تدمّرت سابقاً مثل الموصل، وذلك بعد إعادة إعمار بعض الكنائس، وفق ما تذكر ماريا حنا (63 عاماً) لـ”العربي الجديد”.
وكانت ماريا عادت إلى مدينة القوش شمالي الموصل قبل عامين، بعدما نزحت أسرتها إلى أربيل عام 2014 إثر سيطرة تنظيم “داعش” على مدينتهم. وتقول: “بعد سنوات من المعاناة، عادت احتفالات الميلاد إلى مدينتنا. نشعر اليوم بأهمية التكاتف مع جيراننا من كل الأديان لإحياء الفرح والسعادة في قلوب الجميع”.
وشهدت شوارع المدن في العراق، خصوصاً التي تضم خليطاً من الأديان والمذاهب، إقبالاً ملحوظاً على الزينة، وانتشرت أشجار الميلاد والأضواء والنجوم والكرات الملونة ومختلف أشكال الزينة. ونشطت الحركة في محال بيع الهدايا التي عرضت ألعاباً وكل لوازم الزينة والشوكولاتة المغلفة بألوان العيد. لكن الظروف الاقتصادية الصعبة ألقت بظلالها، وباتت عائلات عدة أكثر تركيزاً على الاحتفالات الروحية والبسيطة، مع تقليل النفقات على الزينة والهدايا مقارنة بالسنوات السابقة.
ويقول سالم داود، وهو من الطائفة المسيحية في بغداد، لـ”العربي الجديد”: “قررت هذا العام الإعتماد على مواد زينة قديمة وبسيطة استعداداً للاحتفال بعيد الميلاد بسبب ظروفنا الاقتصادية المتواضعة. نحاول رغم التحديات الحفاظ على روح العيد في منزلنا. تحمل الزينة القديمة ذكريات جميلة، ونعتبرها جزءاً من أجواء الاحتفال التي تُضفي الدفء والفرح على عائلتنا”.
ويؤكد أن العيد بالنسبة له ولأسرته “ليس مجرد مظاهر مادية، بل مناسبة للتواصل والمحبة وتقدير النعم البسيطة، والأهم الحفاظ على الأمل في أيام أفضل”.
وعموماً، لا يقتصر مشهد أجواء عيد الميلاد على الطائفة المسيحية، فالطوائف الأخرى جددت، كما في كل عام، تأكيدها التآلف الذي تعكسه الأجواء الاحتفالية في الأسواق والشوارع مع اقتراب أعياد الميلاد. وتزينت واجهات محال عدة بالأضواء والزينة الملونة، بينما ازدحمت الشوارع بروح البهجة والتسوق.
ورغم تحديات الحياة اليومية، يحرص العراقيون على التعبير عن فرحتهم بهذا الموسم الذي يجمع بين الطقوس الدينية وأجواء العائلة والمجتمع. يقول سالم عياش، وهو صاحب محل للهدايا: “رغم الظروف الاقتصادية لدى شريحة واسعة من العراقيين، يُقبل الناس على شراء الهدايا لتبادلها مع أحبائهم. وهناك إصرار على جعل هذه المناسبة مميزة”.
اهتمام الأردنيين أقل بالاحتفال بالأعياد، 18 ديسمبر 2020 (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
ويُبدي عياش سعادته بالإقبال الكبير من الزبائن على شراء الهدايا ومواد الزينة الخاصة بأعياد الميلاد ورأس السنة. ويلفت إلى أن “الهدايا مختلفة بالنوع والسعر، ما يسمح للجميع بشرائها. أبيع هدايا مختلفة بأسعار متفاوتة، وهي عبارة عن أشجار ميلادية وزينة مختلفة الأشكال. وقد ارتفع الطلب بشكل ملحوظ على أشجار الميلاد والأضواء الملونة والهدايا الرمزية التي تُعد جزءاً أساسياً من الاحتفالات”.
يتابع: “الأجواء مميزة هذا العام. نشهد حماساً كبيراً من العائلات والشباب لتزيين منازلهم واستقبال العام الجديد بروح الفرح والتفاؤل”. ويشير إلى توسّع مشاهد الاستعداد للاحتفال برأس السنة الميلادية إلى مشاركة مختلف أطياف الشعب العراقي في هذه المناسبة، ويقول عياش: “المسلمون هم الأكثر شراءً للهدايا في هذه المناسبة، وهم يحتفلون بكل المناسبات السعيدة، ما يزيد عدد محال الهدايا في المدن”.
المصدر: العربي الجديد