على عكس تصريحات حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان “الإصلاحية” التي تبدو مُهادنة مع حكومة أحمد الشرع الجولاني السورية، وتُغلق الباب على محور المقاومة بإعلان نهاية الجيش السوري، واتهامه بالعجز والتقصير، تحمل جُعبة المرشد الإيراني السيد على خامنئي فيما يبدو تقييمات مُختلفة لما حدث في سورية، وحتى وعود لما قد يحصل في سورية في الأيام والأسابيع، والأشهر المُقبلة بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
الثوّار تسبّبوا بالفوضى!
ينظر السيد الخامنئي لحكّام دمشق الجُدُد الذي وصفهم بالثوار، بأنهم تسبّبوا بالفوضى، والآن يعتقدون أنهم حقّقوا النصر، بل وصل الأمر بمرشد إيران الأعلى للقول إنّ الثوار بدأوا بالتفاخر بشكلٍ مُبالغٍ فيه، ولعلّ المرشد هُنا يرد على تصريحات أحمد الشرع الجولاني بشكلٍ غير مُباشر التي قال فيها إنه استطاع مُباهيًا القضاء على النفوذ الإيراني في سورية.
تُطرح تساؤلات حول الخطوة القادمة التي قد تُقدم عليها إيران لاستعادة سورية، ونفوذها فيها، حيث تتساقط صور زعماء محور المقاومة من الشوارع السورية، وتعلو الأغاني الطائفية التي تقول إحداها إن سورية سيحكمها سنّي، خاصّةً أن المرشد كان قد اعتبر بأن دُولاً مثل سورية والعراق هي العمق الاستراتيجي لإيران في العام 2022، ولكن هذا الحال تبدّل مع سُقوط نظام الأسد.
“قوّة شريفة وقويّة”.. هل تُطيح إيران بالجولاني؟
يتوقّف المراقبون عند الجُملة التي قال فيها الخامنئي بأنه ستظهر ما وصفها بالقوّة الشريفة والقوية لهزيمة هؤلاء”، الأمر الذي يُثير تساؤلات حول نوايا طهران المُبيّتة لدعم ما وصفها الخامنئي بمجموعة شريفة، وهل ستكون هذه المجموعة من بقايا الجيش السوري، وماذا يعني المرشد حينما يقول إنها ستكون قوية، فهل سيجري تسليحها من قبل طهران، وهل ستكون باستطاعتها الإطاحة بالجولاني وحكومته، المدعوم تُركيًّا، وقطريًّا، وأمريكيًّا؟
الحمقى فقط!
وسخر المرشد الإيراني من “الثوار” قائلًا: “لم تكن هناك قوة إسرائيلية ضدكم في سورية، التقدّم بضعة كيلومترات ليس انتصارًا، لم يكن هناك عائق أمامكم وهذا ليس انتصارًا، وبطبيعة الحال، فإن شباب سوريا الشجعان سيخرجونكم من هنا بالتأكيد”.
وحذّر الخامنئي من نوايا إسقاط نظامه بإثارة الفوضى، قائلًا: “”أحد العناصر الأميركية قال إننا سنُساعد أي شخص يثير الفوضى في إيران، لكن الحمقى فقط هم من يعتقدون أنهم سيتلقون المساعدة”.. متابعًا: “إن غدًا سيكون أفضل من اليوم في المنطقة بفضل الله”.
الجولاني وربطة عنق في مكان الأسد
ويُواصل أحمد الشرع تبديل هويته المُتطرّفة، حيث وفي إطلالة غير مسبوقة ظهر (الجولاني) رئيس هيئة تحرير الشام مُرتديًا بذلة رسمية وربطة عنق، وهي المرّة الأولى التي يضع فيها ربطة عنق على طريقة الزعماء السياسيين، مُتخلّيًا عن “اللوك الجهادي” تمامًا، وذلك خلال استقبال وفد درزي رفيع المستوى برئاسة وليد جنبلاط، الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي.
وسارع الجولاني لوضع نفسه مكان الأسد مُرتديًا ربطة عنق ومن قصر الشعب في إدارة نفوذ سورية في لبنان، ولكنه أبدى حيادًا في تصريحاته حولها، فسورية التي دعمت حزب الله يومًا، لن تكون بعد اليوم بحسب حاكمها الإسلامي الجديد، حيث قال الجولاني إنّ لبنان عمق استراتيجي وخاصرة لسوريا”، مؤكداً احترام دمشق “لسيادته ووحدة أراضيه وأمنه”، وأن “سورية لن تنصر طرفاً على آخر فيه”، آملاً في أن ينتهي الانقسام الطائفي في لبنان وأن تحل الكفاءات مكان المحاصصة، فهل يلتزم الجولاني الحياد في لبنان فعلًا أم ينتقل إلى ضفّة خُصوم حزب الله؟
ينظر جنبلاط بدوره إلى ما حصل في سورية بأنه انتصار الشعب السوري في معركته من أجل التخلّص من القهر والاستبداد، مُتمنّيًا في الوقت نفسه أن يُحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين، وأن تُقام محاكم عادلة للذين أجرموا بحق الشعب السوري وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ، لكن جنبلاط ذكّر الجولاني بأن الطريق طويل ونُعاني وإيّاكم من التوسّع الإسرائيلي.
متى يُخبر الأسد شعبه بحقيقة ليلة هُروبه؟
وتتواصل الروايات حول ليلة الهروب الأخير للرئيس السوري السابق بشار الأسد، حيث وفي ظل بيان يتيم صدر عنه نفى عن نفسه فيه تهمة الهروب واختفى البيان بعد ساعات، وبانتظار خُروجه العلني من منفاه في موسكو ليُخبر شعبه بحقيقة ما جرى، يبقى الأسد مُتّهمًا بالفرار أمام الشعب السوري، وتركهم لمُواجهة مصيرهم.
صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية نشرت تقريرًا حول اللحظات الأخيرة للأسد قبل فراره من دمشق، وقالت فيه إنّ بعض شُركاء الأسد القُدامى، وأثناء مُرورهم بمنزله في حي المزة الراقي بدمشق حوالي السّاعة الحادية عشرة مساءً في السابع من كانون الأول/ ديسمبر وجدوا مواقع الحراسة مهجورة والمباني شبه فارغة بينما كانت الأنوار لا تزال مضاءة، وأكواب القهوة نصف ممتلئة، والزي العسكري مُبعثر في الشارع.
وأفادت الصحيفة بأن الأسد غادر دمشق دون أن ينبس ببنت شفة لأولئك الذين بايعوه لعقود، تاركاً الموالين في حالة من الصدمة والغضب بسبب تخلّيه عنهم، وبعض الموالين رأوا في ذلك دليلاً نهائياً على أنانية الأسد.
الجولاني وعناق حار مع التركي
ولم يذهب حتى الآن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سورية للاحتفال بسُقوط نظام الأسد (14 يومًا على سُقوطه)، والصلاة بالجامع الأموي ما يضع علامات استفهام حول أسباب تأجيلها لأسباب أمنية وسياسية، ولكن أرسل وزير خارجيّته هاكان فيدان للقاء أحمد الشرع في قصر الشعب، ليجري الحديث بعد زيارة فيدان على لسان القائم بأعمال السفارة التركية في سوريا برهان كور أوغلو مُباشرة عن ترتيبات لزيارة الرئيس أردوغان إلى دمشق لتحقيق حلمه بالصلاة في الجامع الأموي بدون الأسد.
وأظهر مقطع فيديو لحظة لقاء فيدان والشرع، وبدا الرجلان في لحظة نشوة وعناق حار بعد سقوط نظام الأسد، في مشهد يشي بمدى الدعم التركي للشرع، حيث ظهر الشرع مُبتسمًا ومُرتاحًا في حضرة حليفه التركي.
وقال فيدان إنّ تركيا ستفعل “كل ما يلزم” لضمان أمنها إذا لم تتمكّن الإدارة السورية الجديدة من مُعالجة مخاوف أنقرة بشأن الجماعات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة والتي تعتبرها “جماعات إرهابية”، وعبارة كل ما يلزم تشمل بطبيعة الحال الحل العسكري، فالأتراك يخشون على أمنهم القومي، ذريعة تواجدهم على الأراضي السورية.
رسائل جولانية سلبية لإيران
ولا يُرسل أحمد الشرع حاكم دمشق الجديد رسائل إيجابية لإيران، بل على العكس تبدو تصريحاته سلبية تجاهها، حيث يعتبر أن تحرير سوريا أنقذ المنطقة من حرب عالمية ثالثة وأن وجود مليشيات إيرانية بسوريا كان عامل قلق لكل دول المنطقة، معتبراً أن النظام السابق عمل مع المليشيات على تشتيت شمل السوريين.
وكشف موقع “والا” العبري نقلًا عن مصادر أمنية، عن أن القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، منع الطيران الإيراني من استخدام الأجواء السورية، وأضاف الموقع أن هذا القرار سيُصعّب على إيران التحرّك في الشرق الأوسط كما في السابق.
ما بين مرسي والجولاني
وفي ذات السياق، قال السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني إن الولايات المتحدة اشترطت على ممثلين لزعيم “هيئة تحرير الشام” السورية (أبو محمد الجولاني) عدم إعطاء دور لطهران التي كانت تدعم نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وأضاف عبر حسابه في “إكس” أن الأمريكيين “أصروا على مثل هذه النصيحة لجماعة بين عامي 2011 و2013، وقدموا الشرط نفسه للرئيس محمد مرسي، وعندما وجدوا مرسي وحيدا، كان الوقت قد حان للخيانة الأمريكية. وحدث ما حدث وحصل ما حصل”.
نشوة النصر بإسقاط الأسد
بكُل حال، لا يزال يحتفل الشعب السوري بميادينه بسُقوط الأسد، وهذا خياره واختياره، لكن في المُقابل يُذكّر سوريون بأن نشوة النصر بإسقاط الأسد لحظية، وأن الحاكم الفعلي لسورية اليوم، لا يُمكن له أن ينزع عباءة الإسلام السياسي، بالنظر إلى التعيينات من طيف هيئة تحرير الشام بالحكومة الانتقالية، التي من المُفترض أنها تتحضّر لكتابة الدستور الجديد، الذي يُفضي لانتخابات رئاسية، حيث المُرشّح الأوفر حظًّا حتى الآن الجولاني، والذي ينظر للدولة وحكمها من منظور إسلامي من الصّعب يقول العلمانيون بسورية تغييره، فهل ينجح الجولاني بقيادة دولة مدنية جامعة لكل السوريين، وهل يترك له خُصومه هذه الفرصة من الأساس، يتساءل مراقبون.
المصدر/ رأي اليوم