يكرس تعليق نشاط حزب البعث في سوريا مع سقوط بشار الأسد، بعد 20 عاما على حظر البعث في العراق، انهيار هذين الحزبين وفشل تجربتهما بعد أن صار كل منهما على مر السنين مرادفا لنظام استبدادي دموي لا يرحم. ويرى الخبير والمؤلف نيكولاوس فان دام أن «البعث في سوريا بعد سقوط بشار الأسد آيل إلى انهيار تام».
ويضيف فان دام صاحب كتاب «الصراع على السلطة في سوريا»، «لا أظن أنهما (حزب البعث السوري والعراقي) سيعودان إلى السلطة يوما». وكان البعث السوري اعلن تجميد نشاطه ثلاثة اشهر وتسليم سلاحه لوزارة الداخلية ، لكن ابرز عناصره فروا الى الخارج. أسس حزب البعث العربي الاشتراكي على يد مجموعة قومية ترأسها السوري المسيحي ميشيال عفلق في مقهى بدمشق في السابع من نيسان/أبريل 1947 وكان يطمح في البداية إلى المزج بين الاشتراكية والقومية العربية.
مع اعترافه بمكانة كبيرة للدين الإسلامي، كان حزب البعث يدعو إلى قيام دول علمانية تجمع كل أطياف الأمة العربية المنقسمة طائفيا. وقال مصدر امني عراقي لمراسل -الزمان- ان حزب البعث قديم الوجود في العراق لكن لا وجود له داخل العراق اليوم من حيث النشاط، ولعل العراق لم يشهد في تاريخه حزبا منقطع النشاط والفاعلية بعد سقوط تجربته كما هو حال البعث ، اذ ان الأحزاب العراقية كانت تنشط وتنفذ عمليات في زمن حكم البعث ولم تستسلم مائة بالمائة كما هو حال البعث الميت والمنتهي بعد قرارحله.
لكن مصادر بعثية في تركيا قالت للزمان ان حزب البعث لا يمكن ان ينتهي بقرار حكومي وانه سيعود يوما لكن من خلال عودة القوى الوطنية كافة حين تنتهي الهيمنة الإيرانية. وأضافت المصادر ان أولويات البعث لم تعد العودة للسلطة ، ولكن انقاذ العراق وتسليمه لحكم وطني يختاره الشعب وليس وليد عملية أمريكية إيرانية غير شرعية انجبت حكما سِفاحا
وتعرض البعث العراقي الى انشقاقات قبل سقوط صدام حسين وبعده، واسهم البعث السوري في عدد من تلك الانشقاقات. حاول البعث العراقي النهوض بعد سقوط صدام وقيادة نائبه عزة الدوري الا ان المحاولات اعتراها الفشل والاختراقات من مخابرات عربية ودولية.
يرى المؤرخ سامي مبيض المقيم في دمشق أن حزب البعث في العراق وسوريا لم يعمل بشعاره «وحدة حرية اشتراكية». ويضيف «لم تكن هناك وحدة أبدا، ولا حرية، فيما تحولّت الاشتراكية التي كانا يناديان بها إلى تأميم كارثي». في الواقع، أصبح هذان الحزبان مجرد أداة في يدَي زعيمين استبداديين: صدام حسين في بغداد وحافظ الأسد ثم ابنه بشار في دمشق.
وعاش «البعثان» تجربتين متناقضين ، اذ كان البعث العراقي عدوا لإيران وكان البعث السوري حليفا له.
ويقول فان دام «فقدت القومية العربية، لا سيما القومية العربية العلمانية، الكثير من جاذبيتها على مر العقود، وبالتالي فقد حزب البعث دوره كحزب قومي عربي».
ويضيف «أصبحت قومية الدولة بشكل تدريجي أكثر أهمية من القومية العربية». في 1963، سيطر على الحكم مجلس عسكري مؤلف من ضباط ينتمون إلى الأقليات العلوية والدرزية والمسيحية. دافعت السلطات الجديدة عن أيديولوجية ماركسية ونفذت عمليات تأميم واسعة النطاق.
وتم إقصاء مؤسسي الحزب المسيحي ميشال عفلق والسني صلاح الدين البيطار وانتهى بهما الأمر بأن لجآ إلى العراق. لكن في العام 1970، سيطرت على الحزب الحركة القومية بقيادة حافظ الأسد، قائد القوات الجوية والدفاع الجوي آنذاك.
حكم الأسد البلاد بقبضة حديد وأسكت كل الأصوات المعارضة حتى وفاته وتسلم ابنه بشار الحكم في عملية توريث تمت امام عيون إسرائيل والولايات المتحدة في العام 2000. في العراق، استولى حزب البعث على السلطة في العام 1968 بعد انقلاب عسكري بقيادة أحمد حسن البكر الذي فقد السلطة تدريجيا لصالح صدام حسين في السبعينيات.
وبقي صدام حسين في السلطة حتى العام 2003، عندما أطاحه تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة.
وتخلص صدام من جميع الشخصيات ذات الرأي والقوة في حزبه قبل ان ينفرد بكم تنظيمي استخدمه لأهدافه استخدام القطيع. ويقول مبيض «لم يجلب الحزبان لبلديهما غير الفشل. هُزم البعث السوري أمام إسرائيل عامَي 1967 و1973، فيما خاض البعث العراقي حربا مع إيران (1980-1988) قبل أن ينسحب من الأراضي التي دخلها. ثم وفي قرار كارثي غزا الكويت (1990) ووقف عاجزا أمام الغزو الذي قاده تحالف غربي على رأسه الولايات المتحدة، في العام 2003. عن أي نصر يتكلمون؟». ودلالة على الكراهية التي يكنها كل من فرعَي الحزب للآخر، دعمت سوريا إيران في حربها مع العراق. وإن كان صدام حسين سنيا وحافظ الأسد علويا، فقد استخدما أساليب الإكراه ذاتها ضد معارضيهما.
ويوضح فان دام «هناك أمر واحد مؤكد هو أن أجهزتهما كانت خاضعة بالكامل لرؤسائهما».
ويقول المؤرخ «قد يعاد في أحد الأيام إحياء الفكر القومي العربي، لكن من المؤكد أنه لن يكون للبعث يد في ذلك «.
ولم يستطع حزب البعث العراقي ان يعقد مؤتمرا قطريا كاملا وينتخب قيادة جديدة بعد سقوط نظام صدام، بسبب هيمنة كتلة عزة الدوري وقيام محاور تجاذب أخرى غذتها عواصم عربية منها دمشق، فيما لايزال البعث العراقي يعد صدام حسين رمزا غير قابل للمساس بالرغم من ان القرارات الكارثية كانت من عند صدام حسين وحده، وقد عبر هو نفسه عن ذلك في اثناء محاكمته معلنا تحمل المسؤولية عن أي قرار ، لكن البعثيين العراقيين من بعده لم يرتقوا الى جرأته في الاعتراف بالمسؤولية. اما البعث السوري الذي كان وضعه التنظيمي ضعيفا بالقياس للبعث العراقي فإنه كان مستلب الإرادة من قبل فروع المخابرات، ولن تكون له فرصة في الوجود السياسي بعد اليوم.
المصدر: الزمان