المدينة التي لطالما كانت محورًا للتوترات السياسية بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، تعود اليوم لتتصدر المشهد العراقي من جديد، هذه المرة بسبب التعداد السكاني الذي أعاد فتح ملف الهوية والانتماء داخل المحافظة.
المدينة التي تعد قلبًا استراتيجيًا بسبب احتياطياتها النفطية، أصبحت رمزًا لصراع قومي يتداخل فيه السياسي مع الاقتصادي، والماضي مع الحاضر.
تحدثت مصادر مطلعة من داخل كركوك عن تحركات لافتة خلال الأسابيع الماضية، إذ شهدت المدينة توافدًا ملحوظًا للعائلات الكردية التي قيل إنها قادمة من محافظات أخرى للإقامة مؤقتًا والمشاركة في التعداد السكاني.
وأفادت تحليلات بأن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز الوجود الكردي في كركوك، ما يثير المخاوف لدى العرب والتركمان الذين يرون في ذلك محاولة لتغيير التركيبة السكانية لصالح أجندات سياسية.
تدوينة على منصة “فيسبوك” من أحد النشطاء التركمان وصفت الوضع بأنه “إعادة رسم خرائط كركوك على الورق، وليس في الواقع”، بينما تساءلت أخرى من مواطنة عربية عن مصير “أبناء كركوك الأصليين الذين غُيّبوا بسبب حسابات سياسية”.
على منصة “إكس”، غرد ناشط كردي: “كركوك جزء من كردستان تاريخيًا وجغرافيًا، ومن حقنا أن نكون الأغلبية هنا”. هذه التغريدات تعكس مدى الانقسام الشعبي حول مستقبل المحافظة.
اللغط حول إجراءات التعداد ليس جديدًا. الحديث عن أرقام التعداد السكاني لعام 1957 يعود إلى الواجهة مع كل أزمة، إذ يعتبر العرب والتركمان أن ذلك التعداد يمثل مرجعًا تاريخيًا لتوزيع السكان في كركوك، بينما يرى الأكراد أن تلك الأرقام تجاوزتها الظروف التاريخية والموجات السكانية.
وقالت تغريدة أخرى من باحث سياسي: “الصراع حول كركوك ليس فقط على الحاضر، بل على الماضي أيضًا. كل طرف يريد أن يثبت أنه الأصل، وهذا الصراع لا يبدو أنه سينتهي قريبًا”. بينما أشار مصدر سياسي من بغداد إلى أن “الحكومة المركزية تواجه ضغوطًا متزايدة من جميع الأطراف، ما يجعل اتخاذ قرار حاسم في ملف كركوك أمرًا شبه مستحيل في الوقت الحالي”.
وأفاد باحث اجتماعي من السليمانية بأن “ما يحدث في كركوك هو نتيجة طبيعية لفشل التوافق السياسي في العراق منذ 2003. القوميات تعيش في توترات متراكمة، والتعداد السكاني أصبح أداة لتفجير تلك الأزمات”.
وفق معلومات محلية، يعيش سكان كركوك حالة من الترقب والخوف من أن تتحول هذه الأزمة إلى مواجهات على الأرض، خاصة مع استمرار الاتهامات بين الأحزاب الكردية والعربية والتركمانية. وقالت مواطنة كردية من منطقة داقوق: “لا نريد سوى العيش بسلام في مدينتنا. لماذا يجب أن تكون السياسة هي التي تحدد من ينتمي لكركوك ومن لا ينتمي؟”.
واعتبر مواطن عربي من الحويجة أن “الموضوع أكبر من مجرد تعداد. هناك خطة لإعادة كركوك إلى كردستان دون النظر إلى إرادة سكانها”. هذه التصريحات تعكس حجم الهوة بين مكونات المحافظة، التي كانت تعد نموذجًا للتنوع، لكنها أصبحت اليوم ساحة لصراع سياسي مفتوح.
التحليلات المستقبلية تشير إلى أن كركوك ستظل نقطة توتر دائمة ما لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل يراعي حقوق جميع الأطراف. الحلول المؤقتة، وفق المحللين، لن تؤدي سوى إلى تأجيل الأزمة، وربما تعقيدها أكثر في المستقبل.
المصدر: المسلة
Publisher: Almasalah