نيويوركر: لِمَ لا تزال أمريكا متورطة في حرب اليمن؟
تساءل نيكولاس نياركوس، من مجلة “نيويوركر” عن السبب الذي يجعل الولايات المتحدة متورطة في حرب اليمن برغم مقتل أكثر من 10آلاف مدني. ويبدأ الكاتب باستعادة ما حدث عندما استهدف التحالف الذي تقوده السعودية صالة للعزاء قتل فيها أكثر من 140 تجمعوا لتقديم العزاء بوفاة أحد المسؤولين المعروفين باليمن. وكان من ضمن الحاضرين عبد القادر هلال الدبب الذي عمل أمينا للعاصمة صنعاء. وكيف كان الدبب شخصية مهمة في حل النزاعات وشهد في حياته الكثير من النزاعات كان آخرها عندما سيطرالحوثيون على العاصمة. ويقول الكاتب إن الدبب لم يكن يرغب بجنازة حافلة، برغم أن الجنازات في اليمن هي شأن مهم يحضره الآلاف وأوصى ابنه بجنازة متواضعة أو يدفن قريبا من والده. وكان دخول الحوثيون الذين يسيطرون الآن على معظم شمال – غرب البلاد إضافة للعاصمة مدعاة لتحالف من تسع دول عربية وأفريقية بقيادة السعودية. ويرى ماثيو تويلرـ “كانت لديه الكثير من الصفات المهمة لرجل كان يمكن أن يكون رجل إجماع وكرئيس إنتقالي أو نائب للرئيس أو رئيس للوزراء”. إلا أنه قتل في الهجوم على عزاء صديقه جلال الرويشان، وزير الداخلية الذي مات في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 وكان يعمل مثل الدبب وسيطا بين الجماعات اليمنية المتنازعة. ويقدم نياكورس التفاصيل التي قادت لمقتل عبدالقادر وقراره المشاركة في العزاء الذي حضره الألوف مؤكدا لابنه الذي حاول ثنيه عن المشاركة بأن الحرب لها أخلاق ولن يقصف السعوديون المكان. وكانت هناك أخبار تقول إن الرئيس السابق علي عبدالله صالح سيشارك فيه. وتكشف وثائق عن أن هناك مِن بين الحاضرين مَن كان يعطي للسعوديين أسماء مَن سيحضرون العزاء. وكشف المحققون بعد الهجوم عن أن القنبلة التي ضربت على المكان تزن 500 رطل وتم تصنيعها من قبل شركة ريثون، ثالث كبرى شركات الدفاع الأمريكية وتم تعديل القنبلة من خلال إضافة نظام توجيه ليزر صنع في أريزونا وتكساس. ويطلق على هذه القنابل اسم “القنابل الغبية”. وقال مارك هينزاوي، مدير الأسلحة بمنظمة هيومان رايتس ووتش “لقد تم بيع هذه الأسلحة للسعودية بتفاهم يحسن من دقة الضربات” و “ظهر أن السعوديين فشلوا في اتخاذ الخطوات الضرورية في الهجمات التي كانت تقتل المدنيين بدقة”. وقتل في الغارة عدد ممن كانوا يقومون بالتفاوض بين الجماعات المتنازعة، ووصف مسؤول في الخارجية الهجوم بأنه “أغبى غارة لأن السعوديين اعترفوا بمقتل عدد كبير من الشخصيات التي كانت متعاطفة معهم أكثر من الحوثيين”.
ثمن الحرب
ويكتب نياركوس عن الثمن الفادح الذي دفعه اليمن من ناحية القتلى المدنيين والمجاعة وانتشار الأوبئة، كل هذا في بلد كان يعد قبل الحرب من أفقر الدول العربية ويستورد معظم حاجاته الغذائية. وبرغم هذه الكارثة التي نتجت بسبب الحصار المفروض منذ عامين ونصف العام لا تزال الولايات المتحدة وبريطانيا تقدمان الدعم اللوجيستي وتبيعان الأسلحة للسعوديين الذين لم يكن باستطاعتهم شن حرب في اليمن. ومع تزايد عدد القتلى بدأ عدد من المشرعين في الكونغرس بالتساؤل عن الدعم الأمريكي للرياض إلا أن إدارة دونالد ترامب رفضت انتقاد المملكة. ويقول الكاتب إن تأريخ اليمن يتميز بالتدخلات الأجنبية التي فشلت بفهم التعقيد السياسي له. فقد كان اليمن منقسما في السبعينيات إلى شمال وجنوب. وفي عام 1978 وصل علي عبدالله صالح العقيد الشاب للسلطة في صنعاء. ولم يكن معروفا أو من النخبة الحاكمة لكنه كان ماهرا في اللعب على الخليط القبيلي والجماعات الدينية وجماعات المصالح وهو ما وصفه لاحقا “الرقص مع الثعابين”. وعندما وُحِّدَ اليمنان كانا تحت قيادة صالح. ووجد السعوديون فيه حليفا فاعلا ولكن لا يُعتمد عليه ولهذا حاولوا تجاوزه بضخ الأموال للقبائل فيما أرسل اليمنيون في دول الخليج الأموال لبناء المدارس السلفية.
صعود الحوثيين
وأصبحت السلفية قوة دينية وسياسية وواجهت الزيدية التي يؤمن بها عدد من اليمنيين في الشمال. وهو ما دفع بدر الدين الحوثي إلى تنظيم قبيلته لمواجهة السلفية في صعدة. وتزوج بدر الدين من أربع نساء، وكان له 11 ولدا، وبدأ في منتصف التسعينيات من القرن الماضي باقتباس شعارات من حزب الله والثورة الإيرانية وتنظيم معسكرات انضم إليها أكثر من 20 ألف متطوع. وفي نفس الفترة سار حسين نجل بدر الدين إلى قم الإيرانية حيث بدأ يطور علاقاته مع الشيعة الإمامية. وبعد عودته لليمن بدأ بجدب الولايات المتحدة وإسرائيل وأنشأ أنصار الله التي عرفت لاحقا بالحوثيين. وفي كانون الثاني /يناير ألقى خطبة “صرخة في وجه الطغيان” التي انتهت بـ “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. وجد صالح الذي بدأ بتلقي السلاح من الولايات المتحدة في هذا الشعار غير مقبول. وفي حزيران /يونيو 2014 اختبأ حسين في الجبال حيث لاحقته قوات صالح وأحرقت المغارة واعتقلته ثم أعلن مقتله. وخاض صالح مع أتباعه في العقد الذي تلا وفاة حسين الحوثي ست حروب. ويقول برنارد هيكل، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط “كانت تلك الحروب وحشية ودفعت الحوثيين إلى حافة اليأس″. وفي تلك الفترة أهمل السعوديون اليمن ما دفع إيران وحزب الله لملء الفراغ. ويقول هيكل إن الكثير من الحوثيين كانوا يسافرون بين بيروت وطهران أيضا، مع أن الاستثمار الإيراني كان محدودا. وكما يقول غريغوري غوس الخبير في السعودية بجامعة تكساس إي أند أم “كان الحوثيون يريدون الارتباط بالإيرانيين أكثر مما كان الإيرانيون يريدون الارتباط بهم”. وفي عام 2009 بدأ السعوديون بناء على طلب من صالح مهاجمة الحوثيين. وكان عبدالقادر هلال الدبب يتوسط مع الحوثيين لكنه استقال بعد اتهامه بتقديم كعكة لأحد قادتهم. وكانت الحرب مفيدة لصالح حيث اعتبرها وقودا للتخلص من قادته المنافسين له، حسب برقيات وزارة الخارجية الأمريكية. كما سمح للحوثيين بالتسلح بل ترك لهم أسلحة. واستخدم صالح الحوثيين وسيلة للحصول على أسلحة من الأمريكيين الذين أخبرهم أن جهوده يقف أمامها الإيرانيون. وقال صالح لجون برينان، نائب مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما “الحوثيون هم أعداؤكم أيضا” و “تريد إيران تصفية حسابات مع الولايات المتحدة”. ولاحظ سيك أن الولايات المتحدة أرسلت منذ عام 2002 أكثر من 115 مليون دولار لتسليح قوات صالح. وفي هذه الأيام لم تعد علاقة حزب الله وإيران سرا. فعبد المالك الحوثي وحسن نصر الله يمدحان بعضهما. ومع أن إيران لم تعترف بدعمهم علنا إلا أن الكاتب سأل أحد الدبلوماسيين الإيرانيين البارزين فأجاب إن إيران لديها مصالحها بالمنطقة. وعندما ضغط قال إن “إيران ليست ملاكًا”.
اليمن مختلف
تقول إبريل ألي التي كانت تعمل في مجموعة الأزمات الدُّولية في زيارة لعبد القادر عام 2011 حيث علق على أحداث تونس ومصر بأن اليمن مختلف نظرا للولاءات القبيلية المتنوعة وانتشار السلاح. إلا أن صالح أجبرته ثورة شعبية على التنحي عام 2012 ولكنه عاد وظهر بعدما تعاون مع الحوثيين الذين رفضوا حكومة عبد ربه منصور هادي وتحركوا من معاقلهم في الشمال وسيطروا على العاصمة. وهو ما دفع السعودية وعدد من الدول الحليفة لشن حرب عليهم. وفي واشنطن أكد الدبلوماسيون السعوديون أن الحرب ستنتهي في غضون 6 أسابيع. ويقول نتين شادا،الذي كان مستشارا لمجلس الأمن القومي: “كان لدى السعودويين تفسير وردي حول سرعة نجاح جهودهم العسكرية” مشيرا إلى أنهم لم يكونوا مرتاحين لوجود جماعة وكيلة لإيران قريبا من حدودهم. وقال تشادا إن الخطط المحددة للهجوم لم يتم التشاور بها مع واشنطن التي قررت برغم ترددها بالموافقة على بيع السعودية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 صفقة سلاح بقيمة 1.29 مليار دولار. وبنهاية إدارة أوباما كانت قد عرضت أسلحة بقيمة 115 مليار دولار على السعودية.
الوثيقة |