النيويورك تايمز: الإدارة الأميركية تجاهلت تقرير الاستخبارات حول تنامي خطر داعش بالعراق
في أواخر العام الماضي، انجزت وكالة الاستخبارات الامريكية جملة من التقارير حول التهديد المتزايد من المتطرفين السنة في سوريا، ووفقاً لكبير المسؤولين العسكريين الذي اشار، الى ان تنامي المتطرفين في دمشق امر يدعو للقلق ويساعد على تدهور الاوضاع الامنية بالمنطقة لاسيما في العراق المجاور.
تقارير الاستخبارات الامريكية، ولّدت اهتماماً قليلاً في البيت الابيض، معتبرين ان ما انجزته وكالة الاستخبارات من تقارير امر مبالغ به، لان مسؤولي البيت البيضاوي، اعتمدوا على الجواسيس المنتشرين في البلدين السوري والعراقي، الذين اعطوا معلومات مغايرة عن التقارير المعلنة. بحسب المسؤولين.
وقال مسؤول آخر في الاستخبارات الامريكية إن "بعض مسؤولي البيت الابيض لم يعيروا اهمية التقارير ولم يولوا اهتماماً كونهم كانوا منشغلين بأزمات اخرى في تلك الفترة، فلم يعطوا الاولوية الكبيرة لما تحدثنا به".
البيت الابيض من جانبه، نفى كل التصريحات الصادرة من الوكالة الامريكية، بدليل وبحسب الناطق الرسمي للادارة الامريكية قال، إن واشنطن وافقت على توجيه ضربات عسكرية ضد معاقل تنظيم "الدولة الاسلامية" في سوريا والعراق.
وهذا الامر يقودنا الى سؤال ويجدر ان يكون موجهاً للبيت الابيض نفسه، هو لماذا وافق البيت الابيض على الضربات الجوية بعد عام كامل؟ وهل ان صراعاً خفياً بين المؤسستين الامريكيتين ادى الى التأخير؟ بعد تلك الفترة نتج ظهور مسلحي الدولة الاسلامية في بضعة اشهر بالمنطقة العربية ليغيروا معادلتها ويعيدوا رسم سياستها بالطريقة المطروحة الآن.
وزادت حدة التوتر بين الدائرتين الامريكيتين، بعدما ظهر الرئيس باراك اوباما في لقاء متلفز ببرنامج"60 دقيقة" وجه اللوم فيه على وكالة الاستخبارات، بأنها قللت من خطر "تنظيم الدولة" الذي تشكله "داعش".
ونقل البرنامج عن الرئيس الأمريكي تصريحاً مفاده، ان المحللين الامريكيين لم ينجحوا في تشخيص خطر التنظيم، فضلاً عن عدم تقيمهم للجيش العراقي الذي انهار امام بضعة مسلحين.
وبالإشارة إلى الوكالات الاستخبارية دون ذكر أي سوء لها، غادر الرئيس الامريكي قبل فترة مبنى الوكالة بعد اجتماع ضم هيئة المستشارين العسكريين في واشنطن، وهو في حالة غاضب، عدها النقاد انها تجنب المسؤولية.
علاوة على ذلك، قال السيناتور الجمهوري، مايك روجرز، رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس، إن "الرئيس الامريكي القى باللائمة على مجتمع الاستخبارات، ولكن بالحقيقية ان الفشل يجب ان يوجه الى صانعي السياسيات المعنيين بمواجهة التهديدات الخطرة مثل "تنظيم الدولة".
ونفى المتحدث باسم البيت الابيض، ان الرئيس اوباما وجه لومه الى المخابرات الامريكية في برنامج الـ "60 دقيقة" يوم الاثنين الماضي، مضيفاً، ان هذه ليست نية الرئيس. بحسب جوش ارنست المتحدث باسم البيت الابيض.
وبين ارنست، ان الرئيس حاول توضيح مدى صعوبة التنبؤ بإدارة قوات الامن التي تعمل في الدول البعيدة عنا والقريبة من القتال. مشيراً في الوقت نفسه، الى ان الرئيس لا يتحمل شيء بقدر ما يعمل على معلومات تُقدم له من محللي الاستخبارات، لكن هذا لا يعفيه من المسؤولية الكاملة.
على حين غرة
التقديرات المقترحة من الجانبين الاستخباري والادارة الامريكية، يشير الى وجود حالات محورية تجاهلها كل من الطرفين تجاه خطر تنظيم الدولة الاسلامية، فعندما اقتحم المقاتلون الحدود العراقية في البداية مسيطرين على اجزاء من محافظة الانبار وبعدها مدينة الفلوجة، ادركت المنظومتان ان المشكلة موجودة بالعراق منذ فترة.
هنا، تفاجأت الاستخبارات الامريكية بسرعة المقاتلين عندما وصولوا شمال العراق، اذ كانوا مركزين بشكل مباشر على فكر التنظيم، لاعتقادهم بأن الفكر هو المصدر الرئيسي للارهاب ، فضلاً عن المسلحين الذين لم تكن في نواياهم الاستيلاء على الاراضي.
فريدريك هوف، سياسي امريكي مخضرم عمل مستشاراً في الادارة الامريكية لشؤون سوريا والعراق سابقاً، قال :" اعتقد ان الادارة الامريكية كانت نائمة، عندما حقق المسلحون مفاجأة ستراتيجية بدخولهم العراق، لاسيما ان الارضية المجتمعية في بضعة مناطق كانت مواتية لفكر التنظيم، بدليل حظى بالترحيب لحظة دخوله".
من خلال الاجتماعات التي اجريت بين المسؤولين الامريكيين في البيت الابيض، وافق مسؤولوها على استجابة الطلب العراقي القاضي بتوجيه ضربات امريكية للتنظيم في ارضه، لكن الكونغرس من جانبه، رفض الطلب وكان ردة فعله سلبية، معتبرين ان السلاح الجوي سيكون "سلاح جو المالكي" في تلك الفترة، فضلاً عن تقديراتهم التي تقول : ان رئيس الوزراء السابق، ساهم في تأجيج الانقسام الطائفي مما ادى الى تنامي عمليات التطرف السني في العراق.
وضغط رئيس الوزراء السابق، على أمريكا بالإجابة على الطلب العسكري، فالأخيرة "أخرت" في حينها حتى تُعلن نتائج الانتخابات لمعرفة من يتولى الحكومة.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، طلب عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالتصريح :" الازمة العراقية كانت محبطة لنا لاننا ادركنا بحاجتنا الى مزيد من الجهد السريع لمحاربة التنظيم، فضلاً عن مواجهة العرقلة من قبل السياسيين العراقيين الذين كانوا بطيئين في تشكيل حكومتهم، وهذا ما شكل تحدياً كبيراً لنا".
نحن نعلم جيداً، ان تنظيم الدولة الاسلامية، ولد من رماد تنظيم القاعدة في العراق، التي كانت مقيدة قبل سحب القوات الامريكية من البلد، لكن العوامل التي تلت الانسحاب واهمها الحرب الاهلية في سوريا بعد الاحتجاجات السلمية ضد نظام بشار الاسد، ساهمت الى حد كبير في اعادة انتاج تنظيم القاعدة لكن بصورة مغايرة، وهذا ما دفع الكثير من المقاتلين بالانضمام اليه لاسيما الاجانب.
تشارلز ليستر، زميل زائر في مركز "الدوحة بروكنغز" في قطر يقول :" اي شخص عندما يراقب التطورات في العراق منذ عام 2010 وفي سوريا عام 2011، يجد ان انتعاش "داعش" وصعودها السريع امر طبيعي بعد انتهازه فرصة الفراغ السياسي في البلدين، على اعتبار ان التنظيمات المتطرفة تولد في ظل هكذا ازمات لاسيما انها تحظى بمقبولية من بضع الاطراف مما يسهل عليها الصعود والتنامي".
"المقاومة" العراقية
قال مسؤولون في الادارة البيضاوية، ان السياسية العسكرية الامريكية حريصة اليوم على تجنب العودة البرية الى العراق، لاسيما ان العراقيين رافضين فكرة عودة تلك القوات الامريكية الى البلد في اطار خلق جهد مشترك لمكافحة الارهاب، على اعتبار ان الجيش الامريكي واجه في السنوات الاخيرة مقاومة من اطراف مسلحة بمختلف انتماءاتها.
وبالمقارنة في الوضع العراقي الحالي، وعما كان عليه في عام 2012 ، نلاحظ ان معدل التفجيرات الانتحارية زاد الى حد كبير بعد التأثر بالازمة السورية التي القت بظلالها على العراق، فضلاً عن دخول المسلحين الى البلد عبر الحدود غير المؤمنة من الجهة السورية.
وكان مسؤولون في الادارة الامريكية يرددون على الدوام ، ان مشكلة التطرف المنتشر في سوريا لربما ينتقل الى العراق لاسيما ان الارضية هناك متاحة له. فالمسؤولون يتصورون ان القيادة العراقية قادرة على مواجهة الخطر المسلح.
الولايات المتحدة بدورها، استأنفت طلعاتها الجوية في الاجواء العراقية منذ عام 2013 في اطار تقييم الاوضاع وما يتعرض له البلد، فوصلت الى نتيحة مفادها : لا بد من انشاء مكتب معلومات استخباراتي مشترك لتبادل المعلومات بين العراقيين والامريكيين، فضلاً عن زيادة القوات العراقية وتدريبها، وفي هذه الاثناء كان نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، يدعو واشنطن لتزويده بالطائرات من نوع "F16" لكن الولايات المتحدة اشترطت تسليمه الطائرات مقابل "تعديل اسلوبه الاستبدادي" في الحكم.
وكان مسؤولون في امريكا يخشون من تنامي خطر "تنظيم الدولة" في العراق، فسارعت الولايات المتحدة بتزويد القوات العراقية بصواريخ الهيلفاير وطائرات الاستطلاع التقنية لمساعدة القوات القتالية في الانفجار المفاجئ بالعنف الذي شهدته مدينتي الرمادي والفلوجة.
في الشأن نفسه، حذر مسؤولو الاستخبارات في تقارير سرية في ذلك الوقت، من ان الدولة الاسلامية، ستصبح قوة فعالة في شمال العراق وغربه، بعد ترحيبها من قبل الجماعات المسحلة المنتشرة في تلك المناطق. وفي يوم رأس السنة الجديدة، وصلت قوافل من الشاحنات المسلحة التي يقودها مسلحين، معلقين على سيارتهم اعلامهم السوداء، مقتحمين مدينة الفلوجة والرمادي ليعلنوا سيطرتهم على المدينتين في حالة فاجأت الجميع.
الغد برس
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words