الفخامةوالدولةوالسعادة وإيقاظهاحِس التكبّروالتجبّروالتوهان..خطوة العبادي بإلغاءالألقاب تُحْسبُ له..
كتبت اكثـر من مرة منذ "انبثاق العراق الجديد"، ومع تعاقب الرؤساء والحكومات، ملفتاً الى ظاهرة العودة لألقاب الفخامة والدولة والمعالي المنسية، في ظل غياب الدولة، بما ترمز له من أركان ومؤسسات وحضور ومكانة.
ويوم أطلقت الألقاب، كان موكب رئيس الجمهورية ومواكب كبار مسؤولي "العراق الجديد"، تتوقف صاغرة عند مرور دورية عسكرية أميركية، أو حماية موظف صغير في سفارتها، نزولاً عند لافتة مكتوبة في مؤخر مصفحة الحماية: "الاقتراب من الموكب يعرضك لإطلاق النار"!
يومها كان التيه يأخذ سياسيّي الصدفة وحواسم الدولة بألقابهم الجديدة، وما توفره لهم – بحسب ما يظنون - من مكانة وأبَّهة بين الناس المغلوبين على أمرهم في البلاد. لم يلتفت أحد من الرؤساء المحظوظين بكراسيهم، لمغزى المطالبة، رغم طابعها الشكلي، في "تهذيب حاسة" المسؤول، وحمايته من "الخيلاء" والتبختر، خصوصاً اذا كان منعدم الحضور، ليس له ما يضفيه على الكرسي، سوى بطانة عجيزته، وما يخلفه عليه من علامة مرور، سيفقد اللقب السحري ما أن "يتخلى" عنه.
لا يستغرب أحد اذا ما رأيتُ ان الألقاب لعبت دورها في "نحت" مصيبة "ما ننطيها" وسلسلة النكبات والمظاهر التي ارتبطت بها وبألقاب أسست للعراق الجديد "نادي الرؤساء" ونوادي المترفين من كبار المسؤولين في الدولة وبطاناتهم المتخمة بالسحت الحرام.
فألقاب الفخامة والدولة، تُعرِّفُ نفسها بنفسها، بالمواكب وعربات شرطة المرور، في حين يظل صاحب لقب "السعادة"، وزيراً كان أو دون ذلك، بحاجة الى أن يُنادى به، أينما تواجد، لمزيد من تأكيد الهوية والوجاهة والمرور السلس والآمن.
صاحب السعادة، ناهيك عن الفخامة والدولة، سيظل اللقب يلازمه، لا يتفارقان، يجمعهما هاجس "الانفصال عن الكرسي" وما يعنيه ذلك من ضياع ما بعده ضياع...
ولم تقتصر الخسارة من بهرجة الألقاب، على ما عكسته من أذى معنوي على المواطنين، بل تعدتها الى الدولة نفسها. فصاحب الفخامة، وهو يترفل بها، لم ينتبه الى أن دولته مُضٓيّعةٌ ولا فخامة لها. وصاحب الدولة لم يلتفت الى أن دولته بلا دولة. وصاحب السعادة لم يبالِ بأن الشعب خالي الوفاض من أية سعادة!
وهكذا صار العراق، مجرداً من كل مقومات كيانه، باستثناء القاب قادته وترف استخدامها، وما يصاحبها من إثقال على الضمير الوطني والمال العام.
مع أنني تأملت، بعد أن نبّهت، فإن رئيس الجمهورية الذي طالما أشاد بما كتبت عن الألقاب ومثيلاتها، لم يبادر في أول مراسيمه الى إلغاء الألقاب، مع أنها لا تحتاج الى مراسيم لخلو الدستور من النص عليها، فالأمر لا يتطلب سوى توجيه تعليماتٍ، كما فعل السيد رئيس مجلس الوزراء الجديد. كما انه لم يبادر الى إعلان التخلي عن جنسيته البريطانية، مع انه وعد أن يفعل، وليس مهماً انه قد يكون فعل ذلك، لكنه لم يُبلغ مجلس النواب، ولم يُنبّه رئاسة المجلس الى الانتباه للأخذ بالإجراء الذي ينص عليه الدستور من عدم جواز حمل جنسيتين لمسؤولي الدولة الكبار، وهو راعي الدستور والمكلف بحمايته وتطبيقه.
وربما أراد السيد الرئيس أن يمنحني فرصة الإشادة بمسؤول عربي، لكي لا يقال إنني لا افعل، وأن يجنبني مديح كردي، اذ سيُقال وما هذا "الإنجاز"، لولا أن من قام به كردي!
ومنذ أن انبثق "العراق الجديد "الذي يزخر بالجديد كل يومٍ كما يعرف مظاهره المواطن المنكوب، لم أمتدح مسؤولاً، كردياً أوعربياً، أو غيرهما، لكنني أرى أن ما قام به السيد حيدر العبادي، رغم طابعه الشكلي، يستحق الثناء، وقد يقود الى مستوى آخر من التدابير والتعليمات والقرارات التي ينتظرها الناس.
قد لا يعرف العراقيون، أن من يحكمنا منذ ٩ نيسان ٢٠٠٣، رهطٌ من مواطني الدول الأخرى. بريطانيون وأميركان وكنديون ومن شتى الجنسيات والدول المرفهة المتحضرة ! وغالبيتهم يحملون جنسيتها دون أن يتأثروا بحضارتها التي "لا تتعارض مع قيمنا".
رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وأحد نوابه، بريطانيو الجنسية أقسموا على الدفاع عن وطنهم المكتسب، وغيرهم العشرات من الكبار في دولتنا، كوزير الخارجية ووزراء ومسؤولي أجهزة الأمن والمخابرات، يحملون ايضا جنسيات دولٍ غير الدولة التي يحكمونها!
والغريب في الأمر أن مجلس النواب يرفض إصدار قانونٍ بهذا الشأن نصَّ الدستور على ضرورة إصداره ، كما في غيره من موجبات الدستور.
وماذا عن حاشية الأقارب الذين يصبحون حَمَلة أختام المسؤول وجوازات مروره؟ أتشمل بإجراءاتك هذه الظاهرة أيضاً..؟
لنتخيل معاً، لمجرد الافتراض، أن نائب رئيس الجمهورية السابق يهبط من طائرته، ويدخل الى كندا ليزور عائلته ويقضي معهم إجازة العيد، فيقدم الى ضابط الجوازات جوازه الكندي! يا للعيب، ويا لما لا أريد أن أقول..
السيد العبادي، هل يمكن لك، أو لأي مسؤول كبير، ان تفكر، مجرد تفكير في العيش في دولتك المكتسبة بعد حين؟
تنازل عن جنسيتك البريطانية علناً، لتلزم كل مسؤول آخر بفعل ذلك!
تنازل، فمثل هذا التنازل رُقيٌ في المنزلة، وفي عيون الناس..!
فخري كريم
المدى |