زيارة السوداني إلى واشنطن.. الدلالات والنتائج

بات من المنطقي جدا أن زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الولايات المتحدة تعني قبولاً بالواقع السياسي الجديد للعراق، وعلى واشنطن أن تتعامل مع هذا الواقع ليس وفق رغبتها فحسب بل أيضا وفق إرادة سياسية عبرت عن صوت الشارع العراقي الذي جاء عبر صناديق الاقتراع. بالمقابل يدرك السوداني أن زيارته إذا لم يكن مرحبا بها في البيت الأبيض فهذا يعني أنه سيواجه عقبات كبيرة في مسيرته وعمله السياسي والتنفيذي، لذلك بالفعل كانت الزيارة لافتة ومهمة حظيت باهتمام كبير من قبل الإدارة الأميركية، من حيث الاستقبال والبرنامج، إذ ترأس فيها السوداني وفدا مهما كان على رأس طاولة المفاوضات.

الزيارة إلى الولايات المتحدة التي استغرقت أسبوعا ضمت لقاءً مع الرئيس الأميركي جو بايدن في الخامس عشر من أبريل الجاري، وعقد جلسات جانبية مع كبرى الشركات الأميركية بالإضافة إلى اللقاءات مع الجالية العراقية في الولايات المتحدة. وركز الوفد على مناقشة العلاقة بين بغداد وواشنطن وتفعيل دور الاتفاقية الإستراتيجية بين البلدين وعلى الوجود العسكري الأميركي في العراق، بالإضافة إلى ملفات أخرى كالعقوبات على المصارف العراقية والعلاقات الاقتصادية والأمنية والثقافية، لذلك فإن القوى السياسية العراقية نظرت إلى هذه الزيارة بعين الحذر لأن نجاحها يعني انتقال العراق من مرحلة إلى مرحلة جديدة، خصوصا مع وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق، أو الاتفاق على الخطوط العريضة لمهمة القوات الأميركية القادمة، كما من المتوقع أن تُرفع العقوبات عن بعض المصارف العراقية المدرجة في القائمة السوداء الأميركية.

◄ الزيارة ستحقق هدفا ومرحلة جديدة للشراكة الإستراتيجية بين بغداد وواشنطن، والتي بالتأكيد ستكون الداعم لسيادة العراق واستقلالية قراره السياسي والسيادي، والتأكيد على إبعاده عن أي صراع محتمل في المنطقة

بالمقابل فإن واشنطن نظرت إلى الزيارة على أنها خطوة إستراتيجية في وضع العراق على طريق الاستقرار السياسي، خصوصا مع الاستقرار الأمني في البلاد، والذي انعكس بصورة إيجابية على الوضع السياسي وتفعيل ملف الاستثمار والمشاريع العمرانية الكبرى، وربما سيكون دافعا لواشنطن باتجاه تشجيع الشركات الأميركية على الدخول إلى السوق العراقية خصوصا في مجال الطاقة والكهرباء والبنى التحتية الأخرى، وهذا ما تعمل عليه بغداد لتكون نقطة توازن وتهدئة في منطقة الشرق الأوسط ولجميع الأطراف الإقليمية والدولية.

وتنظر واشنطن إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على أنه شخصية سياسية تجسد واقع وأحلام وتطلعات الشعب العراقي، ويبدو أنه نجح إلى حد ما داخليّا ويريد أن يتفوق إقليميّا ودوليّا ويثبت نجاحه في هذه الملفات المعقدة، ويعيد ثقة المجتمع الدولي بالعراق الجديد ويعكس واقع الديمقراطية المنتجة التي استطاعت أن تضع مبدأ التبادل السلمي للسلطة بعد سنوات من التفرد والظلم والدكتاتورية، وعكس صورة معقولة للحكم في العراق، ويحاول الآن أن يصل إلى الشبكات المعقدة للعلاقات الدولية بشكل عام والتي منها الولايات المتحدة، لذلك يدرك السيد السوداني أن زيارته حملت الكثير من المحطات المهمة، وكان عليه أن يعمل جاهدا من أجل عكس صورة جيدة للحكم وللديمقراطية في البلاد.

الزيارة ستحقق هدفا ومرحلة جديدة للشراكة الإستراتيجية بين بغداد وواشنطن، والتي بالتأكيد ستكون الداعم لسيادة العراق واستقلالية قراره السياسي والسيادي، والتأكيد على إبعاده عن أي صراع محتمل في المنطقة، خصوصا في ظل الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل وبتدخل مباشر مع المجتمع الدولي؛ لذلك يدرك الجميع، سواء القوى السياسية أو حكومة السيد السوداني، أن هناك عملا مضنيا ومهما ينتظرها في إبعاد أرض العراق عن أن تكون ساحة حرب للآخرين، بل بالعكس السعي لأن تكون طاولة للحوار وتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف المتصارعة، كما على الحكومة العراقية فتح ملف علاقات العراق مع العالم والبدء بإطلاق رسائل مطمئنة بأن العراق بدأ يتعافى وقادر على اتخاذ قراراته بنفسه بعيدا عن أي تأثير داخلي أو خارجي يمكن أن يؤثر على استقلالية العراق السياسية والسيادية.