You are currently viewing كيف جرى اختِصار قضيّة فِلسطين في محور فيلادلفيا؟ ولماذا أرسلت حماس وفدها إلى القاهرة بعد المُقاطعة للمُفاوضات؟ وما الجديد؟ وما هو طلبنا الوحيد من “الوُسَطاء” العرب؟

كيف جرى اختِصار قضيّة فِلسطين في محور فيلادلفيا؟ ولماذا أرسلت حماس وفدها إلى القاهرة بعد المُقاطعة للمُفاوضات؟ وما الجديد؟ وما هو طلبنا الوحيد من “الوُسَطاء” العرب؟

عبد الباري عطوان
الفضيحة الكُبرى التي تتجسّد في أبشعِ صُورها هذه الأيّام في دهاليز مهزلة مُفاوضات وقف إطلاق النّار في قطاع غزة، ويُوفّر لها المُفاوضون العرب الغطاء المطلوب يُمكن تلخيص تفاصيلها في أنّ القضيّة الأكبر التي باتت تستحوذ على اهتمامِ المُشاركين فيها هي مسألة محور صلاح الدين الحُدودي (فيلادلفيا)، وابن عمه محور أو ممر “نتساريم” في وسط القطاع، وليس المجازر اليوميّة التي ترتكبها القوّات الإسرائيليّة في إطار حرب الإبادة التي تستمر طِوال الأشهر العشرة الماضية، ولا حالات الشّهادة المُتصاعدة في أوساط الأطفال بسبب المجاعة التي تفرضها حُكومة نتنياهو بدعم أمريكا ومبعوثيها، ولا تدمير المُستشفيات، وتعذيب مليوني نازح بساديّة غير مسبوقة في التاريخ بترحليهم وتحويل حياتهم إلى جحيم.
رئيس أكبر دولة عُظمى في العالم، أي جو بايدن، يتّصل بالقيادتين المِصريّة والقطريّة، للضّغط على حركة “حماس” لإرسالِ وفدٍ للمُشاركة بالمُفاوضات حتى تكتمل الخديعة الكُبرى، والقُبول بوجود عسكري إسرائيلي جُزئي في هذا المحور، ويعتبر قُبول نتنياهو بهذا الحل الأمريكي الرّئاسي تنازلًا كبيرًا جدًّا، يجب أن يُقابل بالتّقدير والتّبجيل من قِبَل حركة “حماس”، وإلّا سيتم تحميلها “مسؤوليّة” انهِيار المُفاوضات.
***
يقولون لنا إنّ جولة الغد (الأحد) ستكون حاسمة، بمعنى أنّه إذا لم يقبل الجانب الفلسطيني بالتّنازلات التي قدّمها نتنياهو أو بعد ضُغوط أمريكيّة جبّارة بتخفيضِ عدد الجُنود فقط وليس انسِحابهم كُلِّيًّا من محور فيلادلفيا، فإنّ المُفاوضات قد تنهار، وسيفقد العرب بالتّالي فُرصةً ذهبيّة، وستستمر المجازر الإسرائيليّة وتتصاعد أعداد الضّحايا من الأطفال والمدنيين وتتضاعف، وهي التي لم تتوقّف دقيقةً واحدة طِوال الأشهُر العشرة الماضية.
الإدارة الأمريكيّة تستخدم ما يُسمّى بالوُسطاء العرب ومُشاركتهم الدّؤوبة، والحماسيّة، في هذه المُفاوضات كغطاءٍ لاستمرار حرب الإبادة، وإعطاء الوقت اللّازم لنتنياهو لإنجاز أهدافه، وبيع الوهم للعالم بأنّها تعمل من أجلِ وقف الحرب في قطاع غزة، وهي التي لم تُوقف المجازر، أو حتّى الحد الأدنى من التّعاطف مع شُهدائها، والأكثر من ذلك أنها لم تُرسل كيس دقيق واحد أو شُحنة أدوية، ولقاحات يتيمة إلى القطاع، فأين ميناؤها العائم الذي بشّرونا بأنّه سيكون البديل لتدفّق المُساعدات الإنسانيّة كَرَدٍّ على إغلاق جميع المعابر للقطاع.
الوسيطان العربي، المِصري والقطري، على وجه الخُصوص، بات دورهما محصورًا في نقل التّهديدات إلى الفِلسطينيين واللّبنانيين واليمنيين والإيرانيين، مرّةً بقصفهم بأسلحةٍ نوويّة إذا ردّوا على الاغتيالات الإسرائيليّة، ومرّةً ثانية إذا تجرّأوا على الإقدام على توسيع دائرة الحرب، ومِنْ المُحزن أنّ هُناك بعض التّجاوب مع هذه التّهديدات.
لا نُريد جُيوشكم، ولا نُريد مُساعداتكم العسكريّة أو الإنسانيّة، كُل ما نُريده فقط أنْ تُصارحوا شُعوبكم قبل أنْ تُصارحونا وتقولوا علنًا إنّ هذه المُفاوضات المُذلّة والمُستمرّة مُنذ عشرة أشهر برعايةٍ أمريكيّة في القاهرة والدوحة قد فشلت، وأنّكم لا تستطيعون المُضيّ قُدُمًا في استِضافتها أو المُشاركة فيها.
نتنياهو يرتكب المجزرة تِلو الأُخرى، وينتقل من عمليّة اغتيال لقادة المُقاومة إلى أُخرى، وكيفَمَا يشاء، ولا يجد من يردعه، بل هُناك من يستقبل وفد “مُوسادِه”، ويفرش له السجّاد الأحمر، ويكرم وفادته، وكأنّه “قدّيسٌ” يقصف قطاع غزة بالورود والرّياحين.
لا نعرف ما هي مشاعر قادة جُيوشنا العربيّة، كلّهم بلا استثناء وهُم يُشاهدون جثامين أطفال قطاع غزة الطّاهرة، وعُيونهم المحدقة بهم، ونسأل لماذا لم يُقدّم أي واحد منهم استقالته احتجاجًا أو تضامنًا، أرجوكم أعطونا اسم جنرال واحد نزع النّياشين التي تُزيّن صدر بزّته العسكريّة، وهو الذي لم يَخُضْ أيّ حربٍ في حياته، وذهب إلى بيته لقضاء ما تبقّى من عُمره مُكفِّرًا عن ذُنوبِ الخُذلان.
نتمنّى على حركة “حماس” التي أرسلت وفدها مُكرَهةً إلى القاهرة لحُضور غير مُباشر لمُفاوضات الهدنة، وتراجعت فيما يبدو عن قرار مُقاطعتها، ربّما استجابةً لاستِجداء الوُسطاء وتوسّلاتهم، أو حتّى تهديداتهم، نتمنّى عليها، وهي صاحبة القرار المُستقل، أنْ تسحب وفدها، وأنْ تستمرّ في التمسّك الشُّجاع بشُروطها كاملةً، فإذا كان العقاب العربي، قبل الأمريكي لها، باتّهامها بعرقلةِ المُفاوضات، وتحميلها مسؤوليّة فشلها، فليَكُنْ.
***
طُوفان الأقصى المُبارك يُشكّل أعظم إنجازات العقل والإرادة والدّهاء العربي والإسلامي، ولن يتوقّف إلّا بانهيار المشروع الصّهيوني الذي بدأ باعتراف جِنرالاته ومُفكّريه، وهذا الانهيار الذي حقّقته السّواعد الصّلبة المُؤمنة لا يُمكن أنْ يتحقّق دُونَ خسائر، وكلّما كَبُرت الشّهادة كَبُر مفعولها، وقدَر الشّعب الفِلسطيني أنّه اختير من الخالق، جلّ وعلا، للقيام بهذه المَهمّة المُقدّسة نيابةً عن أُمّتيه العربيّة والإسلاميّة، ونِعمَ التّكليف ونِعمَ الاختيار، ومِنْ المُؤكّد أنّه أهل لهذه المَهمّة، وسيُقدّم كُل التّضحيات من أجلِ إنجازها كاملةً دُونَ نُقصانٍ رُغم الخُذلان والمُؤامرات، والطّعن في الظّهر.. والأيّام بيننا.

رأي اليوم

شارك المقالة