في تطور يُعدّ الأوسع منذ اندلاع المواجهة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، وصلت الضربات الإيرانية إلى قلب الجغرافيا الإسرائيلية، مستهدفة مواقع استراتيجية من “تل أبيب” إلى الخضيرة، مروراً بمعهد “وايزمان”، ووصولاً إلى محيط مقرّ إقامة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في قيسارية، وذلك ضمن سلسلة عمليات “الوعد الصادق 3” المتصاعدة.
وقد أسفرت هذه الهجمات عن شلل جزئي في البنية التحتية، وسط تراجع متزايد في ثقة الجبهة الداخلية، خاصةً بعد سقوط قتلى وإصابة مئات المستوطنين، ما انعكس ارتباكًا على المستويين السياسي والعسكري في كيان الاحتلال.
وفي ظلّ اتساع رقعة المواجهة الإقليمية وتركيز الضربات الإيرانية على عمق الجبهة الداخلية، برز تساؤل أساسي: هل تنجح هذه الاستهدافات في تغيير معادلة الحرب في قطاع غزة؟
وفي وقتٍ طالت الضربات الإيرانية منشآت استراتيجية حساسة، بدأت وسائل إعلام إسرائيلية تتحدث عن “إرباك استراتيجي داخل القيادة الأمنية”، في ظلّ عجز متزايد عن التعامل مع تعدد الجبهات الممتدة من إيران إلى جنوب لبنان وقطاع غزة.
الضربات الإيرانية تشغل “إسرائيل” عن جبهة غزة
في موازاة الضربات الإيرانية المتصاعدة ضد العمق الإسرائيلي، شهد الميدان الغزّي تحوّلات لافتة، تمثّلت في تواصل قوات الاحتلال تقليص انتشارها داخل قطاع غزة، بالتوازي مع تعزيز وجودها العسكري عند الحدود الشمالية والشرقية، وفق ما نقلته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن مصادر أمنية.
وذكرت الصحيفة أنّ القرار جاء بعد ورود معلومات استخبارية تشير إلى طلب إيران من حلفائها في “الشرق الأوسط” المشاركة في القتال، لذلك فإنّ الهدف من إعادة الانتشار هو إحباط محاولات محتملة لاجتياح مستوطنات أو استهداف منشآت عسكرية قرب الحدود الشمالية.
ووفق مصادر إسرائيلية، فإنّ عدد القوات الإسرائيلية في غزة سيواصل الانخفاض خلال الأيام المقبلة، ليبقى أقل من نصف القوة التي كانت منتشرة قبل بدء الحرب على إيران.
“الإسرائيلي بدأ بإظهار المرونة بشأن ملف غزّة”
وقال الصحافي الفلسطيني يوسف فارس للميادين نت، من داخل قطاع غزة، إنّ جبهة غزة لم تعد تُصنَّف كأولوية لدى “الجيش” الإسرائيلي منذ بدء المواجهة مع إيران، مشيراً إلى تراجع ملحوظ في حدّة الاستهدافات الجوية وتحليق الطائرات المسيرة فوق القطاع.
وأوضح فارس أنّ خطة “عربات جدعون”، التي روّج لها الإعلام الإسرائيلي، شهدت تراجعاً ميدانياً، ولا سيما بعد انسحاب بعض الألوية العسكرية من المناطق الحدودية باتجاه الشمال.
وكذلك، أتاح الانخفاض النسبي في وتيرة الغارات الإسرائيلية، للوحدات الميدانية في المقاومة استعادة المبادرة النارية، وتنفيذ هجمات ضد القوات الإسرائيلية المنتشرة في مناطق التماس، ولا سيما في خان يونس، جنوبي قطاع غزّة.
وعلى الصعيد السياسي، أشار فارس إلى تصريحات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، التي تحدث فيها عن بحث صفقة تبادل أسرى تفضي إلى تهدئة طويلة الأمد، في موقف اعتبر لافتاً مقارنة بمواقف الحكومة السابقة التي كانت ترفض تقديم تنازلات بهذا الملف. وقال فارس إنّ “تل أبيب” بدأت بإظهار مرونة بعد أن أدركت جدية العملية الإيرانية وتكلفتها العالية على الجبهة الداخلية والمنظومة العسكرية الإسرائيلية.
“الحرب تسقط السرديات المعادية وتؤكد تماسك محور المقاومة”
ومع إعلان إيران عملية “الوعد الصادق 3” ضد كيان الاحتلال، أصدرت قوى المقاومة الفلسطينية بيانات دانت فيها العدوان الإسرائيلي، وعدّته “تصعيداً خطيراً” من شأنه أن يُفجّر المنطقة بأسرها، مؤكدة أن إيران “تدفع ثمن مواقفها الثابتة في دعم القضية الفلسطينية”.
وقال فارس للميادين نت إنّ محور المقاومة تعرّض لضربات وهزات كثيرة خلال “طوفان الأقصى”، ولكن ما زال المحور مترابطاً، إذ بددت الحرب الدائرة بين إيران والاحتلال سرديات إعلامية معادية لمحور المقاومة، من بينها اعتبار العلاقة بين إيران و”إسرائيل” مسرحية، أو الزعم بأن طهران تدفع قوى المقاومة لخوض حروب بـ”الوكالة”. وأضاف أنّ استشهاد قادة إيرانيين بشكل مباشر في المواجهة مع “إسرائيل” يمثل تحولاً مهماً في الوعي الفلسطيني والعربي.
وأشار فارس إلى أنّ نتائج هذه المعركة قد ترسم مستقبل المنطقة بأكملها، لا فلسطين فقط، في ظل سقوط السرديات الإعلامية السائدة التي كان يرددها الإعلام العربي المتآمر على مدى سنوات.
المصدر: الميادين