عبد الباري عطوان
ad
احتفلت الصين بمرور 100 يوم على حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرد بشجاعة غير مسبوقة عليه، وعلى حربه التجارية، بالتأكيد مجددا بأنها لن ترضخ، ولن ترفع الرايات البيض وستقف بقوة وتحد في وجه هذا “التنمر” الأمريكي.
أخطر رد صيني على هذا التنمر جاء في فيديو أصدرته وزارة الخارجية الصينية باللغة الإنجليزية وجرى ترجمته باللغة الصينية، وبثته اليوم، وقالت فيه “ان الإنحناء امام التنمر أشبه بتجرع السم لإرواء العطش مما يؤدي الى تفاقم الازمة”.
ad
وذهبت الوزارة الى ما هو أبعد من ذلك عندما وصفت امريكا بأنها نمر من ورق، وان الواردات والصادرات الامريكية لا تشكل الا أقل من خمس التجارة العالمية فقط، وحثت العالم على التوحد في جبهة واحدة للتصدي لهذا النمر الورقي وحربه التجارية المهزومة مسبقا.
***
الرد الأقوى والحازم الذي أعجبني شخصيا على أمريكا وحربها التجارية التي تمثلت بفرض ضرائب تصل الى 145 بالمئة من الواردات الامريكية من الصين، جاء على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ، وجاء فيه “اثبت التاريخ ان الرضوخ لا يؤدي الا الى المزيد من التنمر، والصين لن ترضخ، وسنقاتل حتى النهاية اذا لزم الأمر”.
الصين باتت هي مصنع العالم وخطتها الآن، وبعد التنمر الأمريكي الزائف، ضخ المليارات ليصبح هذا المصنع أضخم، وأكثر تقدما، والخطوة الأولى في هذا الاتجاه رصد أكثر من ترليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة لدعم الذكاء الاصطناعي.
دونالد ترامب الذي تستعد ثلاث دول عربية (السعودية وقطر والامارات) فرش السجاد الأحمر له، اثناء زيارته المتوقعة الى المنطقة العربية بحثا عن الترليونات لإنقاذ بلاده من الإفلاس (42 ترليون دولار حجم الدين العام) والقضاء على العجز التجاري السنوي (ترليون و200 مليار دولار)، ولا نستبعد عودته وجعبته مزدحمة بهذه الترليونات تنخفض شعبيته بشكل متسارع، ووصل حجم الرضاء على أدائه في المئة يوم الأولى الى أقل من 39 بالمئة، وشهدت انهيارا للبورصة (سوق وول ستريت للاسهم) بأكثر من 8 بالمئة، ومحو أكثر من 8.4 ترليون دولار من قيمة الأسواق المالية العالمية.
لعل الأخطر من هذه الانهيارات الاقتصادية، خسارة ما يسمى بالحضارة الغربية لأركانها الأربعة، وهي الدفاع عن قيم حقوق الانسان، والديمقراطية، وسيادة القانون، وحريتي الفكر والتعبير، والفضل في فضح هذه الحقائق يعود الى صمود أهل قطاع غزة، ودماء شهدائها الطاهرة.
صحيح ان ترامب تراجع مرتين بعد تيقنه من خسارة حربه التجارية بفعل هذا الموقف الصيني الشجاع، الأولى عندما جمد ضرائب الجمارك بعد يومين من إصدارها، والثانية عندما بدأ يتوسل الى الصين للإنخراط في التفاوض للتوصل الى حلول مرضية للطرفين، ويتغزل في مآثر الرئيس الصيني، فيبدو واضحا ان الصين لن ترضخ، لأن ثمن الرضوخ والإستلام أضخم كثيرا من ثمن الصمود والتصدي.
***
الصين عندما كان مواطنوها لا تخرج وجباتهم اليومية الثلاث عن الرز المسلوق، ولا يسمح لهم الا بإنجاب طفل واحد، ويرتدون جميعا بدلة الكتان الزرقاء، ويتنقلون على ظهور الدراجات الهوائية، كان العرب وقادتهم ينعمون بالعوائد النفطية الضخمة، والوجبات الشهية المستوردة من فرنسا، والسيارات الفارهة.. نقول ذلك من قبيل التذكير فقط.
من يجب ان يتم فرش السجاد الأحمر له، والإقتداء بتجربة بلاده السياسية والعسكرية والاقتصادية، والشراكة مع دولته هو الرئيس الصيني شي جين بينغ، وليس الرئيس ترامب الملطخة يداه بدماء شهداء حرب الإبادة في قطاع غزة وجنوب لبنان، واليمن، وربما قريبا ايران.
ترامب هذا مجرد نمر من ورق فعلا، ويكفي الإشارة الى هزيمته وحاملات طائراته في اليمن التي فشلت حربه فيها، فهل من يتعرض لهذه الهزيمة المهينة في هذا البلد وعلى أيدي رجاله ذوي البأس الشديد يمكن ان ينتصر على الصين؟ الإجابة قطعا “لا” كبيرة جدا.. والأيام بيننا.
المصدر: رأي اليوم