عبد الباري عطوان
تطاول “الرئيس” محمود عباس على حركة “حماس” ومُجاهديها الذين صمَدوا أكثر من عام ونصف العام، وأفشلوا المُخطّطات الإسرائيليّة في قطاع غزة، ورفعوا رأس الأُمّتين العربيّة والإسلاميّة عاليًا بمُقاومتهم وعمليّاتهم البُطوليّة، وتنفيذهم الأُسطوري لعمليّة “طُوفان الأقصى” التي باتت تُدرّس في الأكاديميّات العسكريّة، هذا التّطاول المُوثّق بالصّوت والصّورة، جاء صادمًا للملايين سواءً في الوطن الفِلسطيني المُحتل أو المَهجر، لأنّه صدر عن رجلٍ يقول إنّه الرّئيس الشّرعي الوحيد الذي يُمثّلهم وينطق باسمهم.
اللّافت أنّ “الرئيس” عبّاس استخدم كلمات نابية وهابطة، عندما قال وننقل هُنا حرفيًّا: “كُل يوم هُناك “قتلى” (ولم يستخدم كلمة شُهداء) في القطاع، لماذا لا تُريدون تسليم الرّهينة الأمريكي “يا أبناء الكلب”، سلّموا من عندكم من رهائن وانتهى الأمر”.
الأخطر من هذه الشّتائم هو التّصفيق الحار لقائلها من حُضور في اجتماع لجنة مركزيّة نخبويّة مِن المُفترض أنها تُمثّل زُبدة المجلس الوطني الفِلسطيني (برلمان المنفى)، وتنوب عنه، وتملك صفة تشريعيّة هي الأعلى، ومُخوّلة باتّخاذ القرارات المَصيريّة.
***
كيف يُصفّق هؤلاء لرئيسٍ يُطلق مِثل هذه الشّتائم، بل كيف يستمرّون في الجُلوس في مقاعدهم ولم ينسحبوا من هذه الجلسة فورًا، ومِن المُؤسف أننا لم نر عُضوًا واحِدًا يُغادر القاعة احتجاجًا، وهذه “أُمّ المصائب”، وقمّة “اللّاوطنيّة”.
نقول للرئيس” عباس إنّ اسرائيل لا تحتاج إلى استخدام الرّهائن كذرائع لارتكاب مجازرها وحرب إبادتها في قطاع غزة، فلم تكن هُناك حركة “حماس” ولا رهائن عندما ارتكبت مجزرة دير ياسين، أو مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان، بل كانت هُناك حركة “فتح” التي يتزعّمها.
كُنّا نتوقّع مِنك، كرئيسٍ للشعب الفِلسطيني، والقائد الأعلى لقوّات منظّمة التحرير، وسبعة مناصب أُخرى، إن لم تخن الذّاكرة، أن تُقدِم على تنفيذ جميع وعودك وتهديداتك العلنيّة ومن على منبر الأمم المتحدة بحلّ السُّلطة، وإلغاء اتّفاقات أوسلو، وإعادة المفاتيح إلى نتنياهو الذي لم يلتزم مُطلقًا بأيٍّ من بُنودها، فإذا لم تتحرّك وأنت “ربّما” تُراقب من نافذة مُقاطعتك في رام الله مُشاهد الأطفال الشّهداء وأُسرهم في القطاع، فمتَى تتحرّك؟ ولماذا لم تفعل، والأسوأ من ذلك أنّك تُحَمّل حركة “حماس” المسؤوليّة وليس الجزّارين الصّهاينة المُلطّخة أياديهم بالدّماء، وتحثّها على إفراجٍ مجّانيٍّ عن الأسرى، وهي التي حرّرت حتّى الآن الآلاف من الأسرى الفِلسطينيين من سُجون الاحتلال.
فإذا كانت هذه الأكفان النّاصعة البياض للشّهداء المُزيّنة ببُقع دمائهم الطّاهرة، لا تُحرّك فيك ساكنًا، وأنت الذي تقترب من التّسعين من عُمرك، فما الذي يُحرّك عندك دماء الكرامة وعزّة النّفس، والانتصار لبني قومك الصّامدين المُجَوَّعين المُحاصَرين في الخيام ولا يجدون لُقمة خُبز، أو عُلبة دواء، أو جُرعة ماء لبلّ حلقهم الجاف، ناهيك عن الوضوء لأداء فُروضهم لخالقهم.
هؤلاء القتلة الذين يرتكبون كُل هذه المجازر هُم شُركاؤك في اتّفاقات أوسلو التي جسّدت أكبر سابقة خِيانيّة في التّاريخ البشري، وأنت مُهندسها، بتشكيل قوّات تضم 60 ألفًا من القوّات الأمنيّة التي تحمل اسم فِلسطين للأسف وتتولّى حماية الاحتلال ومُستوطنيه وليس أصحاب الأرض الذي تأسّست من أجل تحريرهم والدّفاع عنهم من قِبَل فصائل المنظّمة التي تتزعّمها.
لن نهبط إلى مُستوى الألفاظ التي جرى استخدامها في التّطاول على المُجاهدين، وهُم نُخبة أهلنا، وإذا كُنّا لم نسارع بالرّد مثلما فعل بعضنا، وذلك عائدٌ لأنّنا انتظرنا لعلّ الرّجل ومُنظّمته يُصدران بيانًا بالاعتذار، على عادة الكبار الكبار، للشّعب الفِلسطيني، عن هذه الخطيئة، ولكن لم يصدر هذا الاعتذار للأسف حتّى كتابة هذه السّطور، لا مِن مُرتكبها، ولا مِن حركة فتح، أو حتى من المجلس المركزي الفِلسطيني الذي واصل اجتماعاته لتعديل النظام الداخلي بإيجاد نائبٍ للرئيس، وكأنّ خطيئة التّطاول هذه وقعت في كوكبٍ آخر.
***
ختامًا نقول، إنّ مَن يُمثّلنا كشعبٍ فِلسطينيّ ليس “الرئيس” عبّاس، ولا المجلس المركزي الذي وقف على منصّته يتقيء بهذه الشّتائم، وإنّما رجال المُقاومة الأحياء والشّهداء في الضفّة والقطاع، وعلى رأسهم أمير الشّهداء يحيى السنوار، الذي قضى 23 عامًا خلف القُضبان للعدو المُجرم المُحتل، واختار أن يُقابل خالقه مُكَلّلًا بلقبِ شهيد، وكشفت التّشريحات الإسرائيليّة لجُثمانه الطّاهر أنّ معدته خالية من الطّعام لأكثر من ثلاثة أيّام، هذا هو المُمثّل الشّرعي الوحيد للشعب الفِلسطيني، ولا تأتي “الرّئاسة” بالشّتائم أو “التّعاون” مع العدو المُحتل، وإيجاد الأعذار لمجازره، وإنّما بالمُقاومة والشّهادة فقط.
المصدر: راي اليوم
هذا هو ردّنا على شتائم “الرئيس” عبّاس على مُجاهدي “حماس” | رأي اليوم