You are currently viewing النووي الإيراني”: لعبة الشطرنج بدأت… لكن الأهداف النهائية تنتظر الصياغة؟

النووي الإيراني”: لعبة الشطرنج بدأت… لكن الأهداف النهائية تنتظر الصياغة؟

اللقاء الأول بين الوفد الإيراني والوفد الأمريكي السبت الماضي، أثار أجواء متفائلة. شمل اعتبار اللقاء هذا “محادثات بناءة”، والاتفاق على الالتقاء ثانية السبت المقبل في عُمان أو في أوروبا، والتقارير بأن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، الذي تبادل بضع كلمات مباشرة مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، بل وعرض مسودة اتفاق، تم إرسالها للنظام الإيراني بهدف الاطلاع عليها ومناقشتها، وتصريح الرئيس ترامب بأن “المحادثات جيدة جداً”. ولكن كل ذلك بعيد عن أنه يشير إلى بداية الاتفاق.

عراقجي، الذي ترأس الوفد الإيراني للتفاوض بشأن الاتفاق الجديد في فترة ولاية الرئيس بايدن، تذكره التجربة بالتفاؤل الذي ساد في نيسان 2021. ففي حينه، ظهر أن الطرفين قريبان من التوصل إلى اتفاق تاريخي، حتى إن الرئيس الإيراني في حينه، حسن روحاني، أعلن بعد شهرين بأنه “إذا توفرت الرغبة وحصل رئيس طاقم التفاوض الإيراني عباس عراقجي على الصلاحيات اللازمة، فربما ترفع الإدارة الأمريكية العقوبات”.

الرغبة المبدئية، أي مباركة الزعيم الأعلى علي خامنئي، كانت وظلت. ولكن بعد ذلك، تم تجميد المفاوضات بانتظار الرئيس الجديد المنتخب إبراهيم رئيسي، ولم يكن واضحاً ما إذا كان خامنئي سيطلب الانتظار إلى حين تتويجه لمنحه “هدية التوقيع” على الاتفاق، أو أنه سيعطيها لروحاني، كهدية وداع. وفي هذه المرة، مثلما في العام 2021 وفي العام 2013، صادق في حينه على إجراء المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي الذي وقع عليه في 2015، أظهر خامنئي نفس “الليونة البطولية” عندما سمح لطاقم المفاوضات الإيراني باستئناف المفاوضات مع الأمريكيين بعد شهرين على قوله “ليس هناك شيء مقدر أو حكيم” في مثل هذا الحوار.

هناك فجوة كبيرة بين الظروف التي نتجت عنها المفاوضات السابقة، وبين المفاوضات التي بدأت أول أمس؛ فالمفاوضات هذه المرة أمريكية – إيرانية، ولا تشمل الدول التي وقعت على الاتفاق النووي الأصلي

لكن هناك فجوة كبيرة بين الظروف التي نتجت عنها تلك المفاوضات، وبين المفاوضات التي بدأت أول أمس؛ فالمفاوضات هذه المرة أمريكية – إيرانية، ولا تشمل الدول التي وقعت على الاتفاق النووي الأصلي، وإذا ما تم التوقيع على الاتفاق، فسيسجل باسم الرئيس الذي تحركه “الأنا الكبيرة” وانعدام الكوابح. ربما تكمن في ذلك احتمالية حقيقية لنجاح الاتفاق.

المفاوضات تجري في ظل تهديد عسكري أمريكي مباشر وصريح، يشمل أيضاً “الحد الأقصى من الضغط”، الذي حرر بايدن قيوده قليلاً، وفي الوقت الذي تعيش فيه إيران إحدى فتراتها الأضعف. فـ “حلقة النار” التي بنتها بجهد كبير انهار معظمها؛ ولم تعد تستطيع بيع نفس كمية النفط الضخمة التي تبلغ 2 مليون برميل في اليوم؛ والاتفاقات الاستراتيجية التي وقعت عليها مع روسيا والصين لا تضمن لها مساعدات عسكرية مباشرة إذا تمت مهاجمتها.

في العام 2021 كانت إيران هي التي أملت الجدول الزمني للمفاوضات، الذي استند إلى التطورات السياسية في إيران. أما الآن فهي بين ساعتي توقيت لا تسيطر عليهما، إحداهما الموعد النهائي الذي حدده ترامب لبلورة الاتفاق – شهران بعد إرسال الرسالة إلى خامنئي في منتصف آذار. والثانية هي الموعد الأخير الذي تستطيع فيه الدول الموقعة على الاتفاق استخدام عملية “آلية الإرجاع” المنصوص عليها في الاتفاق النووي الأصلي، أي إعادة تفعيل العقوبات الدولية المفروضة على إيران. هذا التاريخ سيدخل حيز التنفيذ في 25 تشرين الأول، لكن الاستعداد له سيستغرق 90 يوماً. يمكن التقدير بأن المحادثات إذا جرت بسرعة وأثمرت نتائج عملياتية فسيوافق ترامب على تأجيل الموعد النهائي، في حين أن على الدول الأوروبية الاقتناع بأنها خطوة تبرر التنازل عن الفرصة الوحيدة لإعادة فرض العقوبات.

مفهوم المفتاح الضبابي هو “نتائج عملية”، التي ستجري المفاوضات حول جوهرها وتفسيرها. وفقاً لتقارير كل طرف وتصريحاته، يصعب الاستنتاج إلى أين تسعى الولايات المتحدة ولماذا ستوافق إيران. المتحدثون الأمريكيون يتمسكون بالصيغة التي تقول إن المفاوضات لن تجري إلا في قضية النووي وليس أي موضوع آخر، مثل تفكيك منظومة الإنتاج ونشر الصواريخ البالستية أو دعم إيران للمنظمات الإرهابية. والإدارة الأمريكية، في المقابل، تحدثت بعدد من الأصوات حتى الآن؛ فقد أوضح ويتكوف أن الرئيس يعمل على التوصل إلى آلية رقابة ناجعة للبرنامج النووي، في حين قال مايك والتز، مستشار الأمن القومي، إنه يجب تفكيك المشروع النووي بشكل كامل ومنظومة الصواريخ البالستية أيضاً. ترامب نفسه ما زال يحافظ على الغموض، كما يبدو في انتظار معرفة حدود الاتفاق المحتملة حتى يرسم حولها الهدف الذي قد يحدد له ما هو النجاح.

إذا حكمنا على الأمور حسب سلوك ترامب، الذي عين ويتكوف لإجراء المفاوضات وليس والتز، وحسب تصميمه على تحقيق الاتفاق، يمكن التقدير بأن الشروط الأساسية لأي اتفاق ستكون أكثر تقلصاً، وربما حتى أقل من شروط الاتفاق النووي الأصلي. ليس من نافل القول إن ترامب في ولايته السابقة أقال الصقرين المتشددين اللذين جلسا على أكتافه: مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي شجع على عملية عسكرية ضد إيران، ووزير الخارجية مايك بومبيو، الذي صاغ الشروط الـ 12 التي يجب على إيران تنفيذها في أي اتفاق سيتم التوقيع عليه معها. فكلاهما كانا ركيزة ثابتة لنتنياهو عندما بذل جهداً مستمراً لإقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي. ويتكوف في المقابل، جاء برسالة أخرى، ولن يرى تفسيره لإقصاء الخطر الإيراني بنفس منظار نتنياهو. ولكن على نتنياهو أن يفهم بأن ترامب “عينه” (نتنياهو) لقيادة الهجوم العسكري ضد إيران، ولكنه هو من سيحدد شروط تنفيذ الهجوم.

إيران التي انتظرت سنة قبل البدء بخرق الاتفاق النووي قبل انسحاب الولايات المتحدة منه، أعلنت أنها ستكون مستعدة للعودة إلى الشروط والقيود المنصوص عليها في الاتفاق، شريطة رفع العقوبات والحصول على ضمانات بعدم خرق الولايات المتحدة الاتفاق مرة أخرى. يبدو أنها أقوال قد تكون الأساس لمواصلة المفاوضات. ولكنها تنطوي على حقل ألغام يهدد أي اتفاق يسعى إليه الطرفان؛ لأن ترامب لا يريد العودة إلى الاتفاق القديم ويطرح مبادرته كسعي إلى اتفاق جديد أفضل وأوثق من الاتفاق الذي وقع عليه خصمه أوباما. في المقابل، غير معروف إذا كانت إيران نفسها مستعدة للتوقيع على اتفاق جديد مع أمريكا، بدون غلاف دولي يوفر لها ضمانات لرفع العقوبات.

وثمة مسألة أخرى دون إجابة عليها، وهي كيف ينوي الطرفان بلورة الاتفاق النهائي؟ هل تنوي الولايات المتحدة وإيران فعل ذلك بمرة واحدة، كل شيء مقابل كل شيء في جدول زمني قصير، أم الانجرار إلى رحلة متعبة من اتفاق على مراحل، لا يضمن استكمال كل العملية؟ التسريبات التي نشرت مؤخراً، منذ جولة المحادثات الأولى، تتحدث عن طلب إيران الحصول على مليارات الدولارات المجمدة في بنوك العالم، كبادرة حسن نية وبناء الثقة. في الوقت نفسه، نشر أن الولايات المتحدة قد تمضي باتفاق مقلص لفترة قصيرة، يضع الأساس لاتفاق شامل ونهائي.

هذه تقارير ربما تشير إلى بنية تخطيطية تدريجية، لكن يجب النظر إليها بعين الشك في هذه الأثناء، لأنها تتعامل مع تكتيك لإجراء المفاوضات، في حين أن أهدافها النهائية لم تُعرف بعد.

هآرتس 15/4/2025

 

المصدر: الوثيقة

https://alwathika.com/article/?t=126011

شارك المقالة