عبد الباري عطوان
سورية كانت، وما زالت، وستظل، مُستهدفةً من قِبَل مُخطّطات دولة الاحتلال الإسرائيلي رأس حربة الاستعمار الغربي، بغضّ النّظر عن من يحكمها، لأنّها تُشكّل قلعة العُروبة والإسلام فعلًا، ومن الطّبيعي، وغير المُفاجئ، أن تتعاظم هذه المُخطّطات في الوقتِ الرّاهن استغلالًا للضّعف العربي الرّسمي والشّعبي للأسف، وغياب القيادات الوطنيّة التاريخيّة المُؤثّرة.
توحيد الأقليّات العربيّة، وغير العربيّة، في جبهةٍ واحدة، لمُواجهة مشروع تفتيت الوحدة الترابيّة والوطنيّة والفكريّة، الهادف لضرب المشروع العربي، وإذكاء نيران الحرب الأهليّة هو رأسُ الحِربة في هذه المُخطّطات، ولهذا ليس من قبيل الصّدفة أن تتعاظم هذه الفتنة على الأرض السوريّة هذه الأيّام وبتدخّلاتٍ إسرائيليّة، وتحريضٍ أمريكيٍّ غربيِّ مدروس، وتسمين أداوته ماليًّا وعسكريًّا.
دهاقنة مشروع الهيمنة والتّقسيم الصّهيوني، يُركّزون بشكلٍ مُكثّف هذه الأيّام على الأشقّاء في الطّائفة الدرزيّة الكريمة، سواءً في فِلسطين المُحتلّة، أو في سورية الكُبرى، تحت ذريعة حِمايتهم من خطرٍ مُفتعل هُم صُنّاعه، لسلخهم من أمّتهم، وهُويّتهم العربيّة والإسلاميّة.
***
موقفان مُشرّفان صدرا عن مرجعيّتين وطنيّتين للطّائفة الدرزيّة في اليومين الماضيين، أحدهما روحي والثّاني سياسي، يعكس حالة عالية من الوعي تُجاه هذا المُخطّط الشّرّير:
الأوّل: صدر اليوم عن السيّد وليد جنبلاط بمُناسبة ذكرى استشهاد والده كمال جنبلاط في 16 آذار عام 1977 لزعامته للجبهة الوطنيّة العربيّة اللبنانيّة في مُواجهة المشروع الانعزالي الغربي والصّهيوني لأبناء الطّائفة الدرزيّة واستخدام بعضهم إسفينًا لتقسيم سورية تحت شعار “تحالف الأقليّات” وخاطب بني معروف (الدروز) قائلًا: “حافظوا على هُويّتكم العربيّة وتُراثكم الإسلاميّ.. حافظوا على إرثكم الفكريّ والنضاليّ والسياسيّ الذي أرساهُ كبارنا في مُقدّمتهم سلطان باشا الأطرش، وشكيب أرسلان وكمال جنبلاط”.
الثاني: تصريحات لواحد من أبرز شيوخ العقل الدرزي في سورية وهو السيّد حمود الحناوي أدلى بها يوم أمس وقال فيها “نحن وطنيّون، ولن نُساوم على القضيّة الوطنيّة، ولم يسبق أن مددنا أيدينا لأيّ جهةٍ أجنبيّة.. نحن سوريّون شِئنا أمْ أبينا، ولم نُقم في أيّ يومٍ من الأيّام بالإقدام على أيّ عملٍ يُسيء للوحدة الوطنيّة، أو الانتماء السوري”.
***
هذان الموقفان العُروبيّان الإسلاميّان المُشرّفان يُجسّدان الأغلبيّة السّاحقة للأشقّاء أبناء طائفة المُوحّدين “بني معروف” الدرزيّة، وما عدا ذلك نشازٌ، وخروجٌ فاضحٌ عن إرثها الوطنيّ العربيّ والإسلاميّ، وقد أصاب القائد جنبلاط عندما أعاد التّذكير برُموز هذه الطّائفة الوطنيّة وعلى رأسِهم سلطان باشا الأطرش الذي قاد عمليّة تحرير سورية وطرد المُستعمر الفرنسي، وتوحيد أراضيها تحت الهُويّة الوطنيّة العربيّة الجامعة.
مشروع “وحدة الأقليّات” الذي تُنفّذه دولة الاحتلال ابتداءً من سورية وترعاه الولايات المتحدة وعُملاؤها في المِنطقة طعنة مسمومة للأُمّة العربيّة وإرثها الإسلامي التّعددي، والمسيحي، ولهذا يجب أن يتوحّد جميع الوطنيين والشُّرفاء للتصدّي له وإفشاله بأسرعِ وقتٍ مُمكن وقبل أن يستفحل، ونحنُ على ثقةٍ بأنّ مشروع التّفتيت الأمريكي الصّهيوني لن يَمُرّ وسيفشل مِثل مُعظم المشاريع المُماثلة السّابقة.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم