يبدو أن التصريحات المفاجئة التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في القمة العربية الأخيرة في العاصمة المصرية القاهرة، حول إصلاح حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية، كانت خلفها الكثير من الضغوطات والتهديدات، التي قد تكون هذه المرة مؤثرة على أرض الواقع، أكثر من أي مرة أخرى.
ad
أوضاع السلطة الفلسطينية وحركة “فتح”، لا تُرضي الكثير من الدول العربية، وخلال الفترات الأخيرة خرجت العديد من التصريحات من مسؤولين عرب تطالب بضرورة “الإصلاح والتغيير” ودفع دماء جديدة، للتعامل مع المتغيرات الخطيرة التي تُحيط بالقضية الفلسطينية وخاصة من الجانبين الإسرائيلي والأمريكي.
ونتيجة لتلك الضغوطات العربية التي وصفت بـ”الهائلة والقوية” دفعت الرئيس عباس “مُجبرًا” للإعلان خلال القمة العربية الأخيرة عن تغييرات جذرية في حركة “فتح” وكذلك السلطة الفلسطينية، وعلى رأسها الإعفاء عن مسؤولين قد فصلوا من الحركة وبينهم قادة كبار من بينهم محمد دحلان.
هذه القرارات فتحت باب التساؤلات واسعًا حول أهدافها وتوقيتها ودلالتها على أرض الواقع، في ظل ما تعاني منه القضية الفلسطينية التي تعيش بأخطر مراحلها من مخططات إبادة وتهجير، لكن في الوقت نفسه أعادت قضية دحلان للواجهة من جديد.
ad
وما زاد الغموض بهذه الملف “الشائك” ما صرح به محمود الهباش مستشار عباس، لإحدى الفضائيات العربية، عن أن الأخير قد يقوم بتعيين القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان نائبا له.
فاجأ عباس، الكثيرين من أنصار حركة “فتح” وخصومها، والمراقبين وجموع الفلسطينيين، بإعلانه الثلاثاء في القمة العربية بالقاهرة، استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبقرار العفو عن جميع المفصولين من الحركة التي يتزعمها منذ عام 2005 بعد الزعيم السابق للحركة والمنظمة ياسر عرفات، من بينهم القيادي محمد دحلان.
وشن عباس حرباً شعواء على رفيقه السابق دحلان، ففتح دفاتر اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات واتهم دحلان بذلك، مع إضافة بعض التهم بالفساد المالي والسياسي حتى يُقصيه، وهو ما حصل.
وشغل دحلان منصب رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة خلال التسعينيات وأوائل الألفية، وكان شخصية بارزة داخل فتح. لكن بعد خسارة الحركة في انتخابات 2006 وسيطرة حماس على قطاع غزة في 2007، اتهمه عباس بالمسؤولية عن فشل الأجهزة الأمنية في منع سقوط القطاع.
وفي عام 2011، تصاعدت الأزمة بين الطرفين، حيث اتهم عباس دحلان بالفساد والتآمر للإطاحة به، مما أدى إلى طرده من الحركة وصدور أحكام قضائية ضده، انتهت بنفيه إلى الإمارات، حيث يقيم حاليا.
ويرى محللون سياسيون أن قرارات عباس الذي سيبلغ عامه التسعين في نوفمبر القادم، فاجأت الهيئات القيادية العليا في منظمة التحرير وحركة “فتح”، وجاءت نتيجة ضغوط عربية ودولية كبيرة استمرت عدة سنوات، عبّرت عنها الدول العربية مؤخراً بعدم دعوة عباس لقمة الرياض التي ناقشت الوضع في غزة.
وكانت ثلاث دول عربية ضغطت لتحقيق ثلاث خيارات لخروج السلطة من مأزقها أهمها توحيد حركة فتح، وذلك في ضوء تنامي شعبية حركة حماس التي تتزعم المقاومة في الضفة وغزة.
ومارست الأردن خلف الستار ضغوطا من طراز خاص على عباس لدفعه لاتخاذ 3 خطوات يرى الأردن أنها أساسية ومفصلية تجنبا لانهيار الأوضاع القانونية وترنّح السلطة الفلسطينية وبأسرع توقيت ممكن.
ومطالب عمّان لعباس تبدأ من تحفيزه وحثه على تنفيذ مصالحة سريعة بين أقطاب حركة فتح واعادة جمع واستقطاب الغاضبين والمطرودين والذين تم اقصاؤهم من قادة الحركة.
ويمكن ملاحظة الجهد الأردني الذي تُسانده دول عربية أهمها الإمارات ومصر، حيث طلبت عمّان من أبو ظبي تحديدا مشاركتها في مشروع سياسي خاص لتوحيد أطر وأقطاب مؤسسات حركة فتح وحل الخلافات نظراً لتأثيرها القوي على دحلان.
وكشف صلاح أبو ختلة، القيادي في “فتح” والمعروف أنه من المحسوبين على تيار دحلان، عن إجراء اتصالات في الآونة الأخيرة، وفي فترات سابقة، من أجل إعادة الاعتبار للحركة وإجراء مصالحة داخلية بين التيارات المختلفة وليس فقط التيار الإصلاحي الذي يقوده دحلان.
ورأى، أن ما يحدث على صعيد “فتح” ينعكس على الصعيد الوطني كله، مشدداً على ضرورة وحدة حركة «فتح» التي تُعد رافعة المشروع الفلسطيني، مؤكداً أن تصفيتها تعني تصفية القضية، لافتًا إلى أن التواصل بين كل التيارات لم ينقطع، وقال: “المشروع الوطني يتطلب التحرك لمواجهة التحديات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي”.
بدوره، يؤكد المحلل السياسي هاني المصري، أن قرار عباس باستحداث منصب نائب رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين جاء تحت وقع ضغوط داخلية وإقليمية، حيث كان عباس أمام خيارين: إما تعيين نائب رئيس أو تفويض حكومة كاملة الصلاحيات بحيث يصبح منصبه فخرياً.
ويشير المصري إلى أن عودة المفصولين من حركة “فتح” كانت واحدة من ثلاث طلبات داخلية من الحركة، مؤكداً أن هذه القرارات كانت مطلوبة قبل القمة العربية في القاهرة، لكن عباس اختار الإعلان عنها خلال القمة، مما أفقدها جزءاً من أهميتها.
وبحسب المصري، في تصريحات نشرت له، فإن خطاب عباس بدا وكأنه لا يريد أن يلبي مقترحات العرب، خاصة فيما يتعلق بتشكيل اللجنة الخاصة بقطاع غزة، ويضيف “عباس ذهب إلى القمة العربية، وقال ما يريد، وليس ما يريده العرب، في إشارة إلى سياسة عباس التي تهدف إلى عدم إضعاف دوره كرئيس حتى النفس الأخير”.
هل حان موعد عودة دحلان؟ وهل انتهت ورقة عباس عربيًا؟
المصدر: رأي اليوم