تُواصل أوساطٌ إسرائيلية شن حملة انتقادات حادة على حكومة الاحتلال وقادتها، بعد اعتداء حراس البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على عائلات ثكلى ومحاولة منعها من الدخول، واصفة ما جرى بـ”بلادة الإحساس والغلظة والعار والفضيحة”.
وكان العشرات من أقارب قتلى السابع من أكتوبر وذوي المحتجزين قد حضروا إلى الكنيست، مساء أمس الإثنين، لمشاهدة المداولات حول طلب بعض الأحزاب تشكيل لجنة تحقيق رسمية بشأن الحرب، لكنهم مُنعوا من الدخول، وأمام إصرارهم على الحضور تعرضوا للاعتداء بالضرب من قبل عدد كبير من الحراس، ما أثار ضجة واحتجاجات واسعة لم تهدأ بعد.
وتجلى الغضب والاشمئزاز من هذه المشاهد الصادمة في عناوين وسائل الإعلام العبرية، حيث اختارت صحيفة “معاريف” عنوانها الرئيس: “الاحتجاج والعار”، بينما جاء عنوان “يديعوت أحرونوت” بكلمة واحدة على كل صفحتها الأولى: “بليدون”، مرفقة بصورة الاعتداء بالضرب.
أما صحيفة “هآرتس” فكتبت في عنوانها الرئيس: “حرس الكنيست يمنع بالقوة دخول عائلات المخطوفين إلى قاعة الضيوف”. وحتى صحيفة “يسرائيل هيوم” اليمينية كتبت في عنوانها الرئيس: “المعركة على لجنة تحقيق رسمية… عائلات ثكلى يُطردون من الكنيست”.
مقالات هجومية
إضافة إلى التغطيات الخبرية، نشرت الصحف العبرية مقالات وتعليقات هجومية ضد الحكومة والكنيست، على خلفية الاعتداء على الإسرائيليين الذين فقدوا أقاربهم في عملية “طوفان الأقصى” وخلال الحرب، واصفة ما حدث بأنه إهانة لهم لمجرد إلحاحهم على تشكيل لجنة تحقيق رسمية، تكشف عن ملامح الفشل الكبير، ومنابع التقصير، وهوية المسؤولين عنه.
وفي مقالها اليوم، تقول المحللة السياسية سيما كادمون (“يديعوت أحرونوت”) إن نتنياهو أظهر، خلال كلمته في الكنيست أمس، بلادة إحساس، وتجاهل تمامًا عائلات المخطوفين الجالسين قبالته، رغم أن ثلثي الإسرائيليين يريدون لجنة تحقيق رسمية، مضيفة: “بدا نتنياهو منقطعًا حتى عن ذاته”.
أما حين آرتسي سرور، فكتبت، في مقال بعنوان “الجدار الساخر”: ” أن حكومة نتنياهو منذ سنة وأربعة أشهر تعمل على بناء جدار حصين، جدار يهدف إلى الحفاظ على أمن الحكومة وبقائها، جدار يحميها من المواطنين، ومن وجعهم وصرخاتهم ونظراتهم”.
وشهدت البرامج التلفزيونية الإسرائيلية، ليلة أمس، حملة شديدة على الحكومة، نتيجة الاعتداء على ذوي المحتجزين وأقارب ضحايا الحرب، وسط تأكيد على وجود “توجيهات عليا” للحراس بممارسة السلوك الفظ والعنيف.
مفاعيل الفضيحة
وتثير هذه المشاهد الكثير من الأسئلة، أبرزها: ما مفاعيل هذه الفضيحة في الكنيست؟ وهل ستشعل احتجاجات واسعة في الشارع، أم أن الإسرائيليين تعبوا وأصبحوا لا مبالين بمصير بقية المحتجزين في غزة واحتمال استئناف الحرب؟
يستنتج من بعض المقالات الناقدة للحكومة بعد هذا الاعتداء أن هناك مراقبين يشككون في أن يؤدي ذلك إلى تأجيج الاحتجاجات الخجولة في الشارع حتى الآن.
فمثلًا، يكتب روغل ألبير، المعلق في صحيفة “هآرتس”، أنه شبه يائس من نبض الشارع الإسرائيلي، معتبرًا أن نتنياهو يخشى أن تجرف عائلات الثكالى والمحررين من الأسر الشعب نحو احتجاجات واسعة تهز البلاد، لكن الشعب موجود في المجمعات التجارية.
ويضيف أن المطالبين بتشكيل لجنة تحقيق رسمية بشأن الحرب يُعتبرون في نظر نظام نتنياهو أعداء خطرين جدًا، لأن اللجنة ستجدهم مسؤولين عن الإخفاقات الأخطر، التي أدت مباشرة إلى أكبر كارثة في تاريخ اليهود منذ المحرقة.
وفي السياق ذاته، انتقدت نائبة المستشار القضائي للحكومة يهوديت كارب تصريحات قائد الجيش هرتسي هليفي، الذي كرر تهديدات كبرى ضد حماس “تقطر عجرفة وعنجهية”، واعتبرت أن هذه التصريحات تقلقها أكثر مما تشجعها.
وتضيف في هذا السياق: “من لديه عقل في رأسه يفهم أن التهديدات فارغة، ولا تعكس حقيقة قوة الدولة أو مواطنيها في هذه المرحلة. حتى لا نستفيق من غطرستنا، لن نشهد أي استشفاء أو إصلاح”.
خيار تجديد الحرب
وكان وزير الأمن في حكومة الاحتلال يسرائيل كاتس قد جدد تهديداته بفتح أبواب الجحيم إذا لم تفرج “حماس” عن المحتجزين، بينما سبقه نتنياهو مهددًا باللجوء إلى ضغوط أشد وأقسى.
ومع ذلك، لا يبدو أن خيار استئناف حرب الإبادة الآن هو الخيار الفوري، لعدة أسباب:
1- الخوف من مقتل الرهائن وإخراج الشارع الإسرائيلي في احتجاجات واسعة.
2- تكلفة الحرب العالية، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة.
3- احتمال انقلاب ترامب، الذي لا يتمتع بالصبر الطويل، على إسرائيل إن طالت الحرب، خاصة إذا تحولت إلى مغامرة استنزافية.
يبدو أن نتنياهو يفضّل انتظار نتائج الضغط الأمريكي والتهديد الإسرائيلي المفرط على “حماس” والعرب، قبيل قمتهم في القاهرة اليوم، لعلها تأتي بنتائج تريحه من هذه المغامرة، أو تقدم له “فرجًا عربيًا”، يخفف الأزمة عن كل الأطراف.
وبات في حكم المؤكد أن نتنياهو، الذي يواصل المراوغة والتسويف بعد انتهاكه الاتفاق مع “حماس” بشأن محور صلاح الدين، والاستنكاف عن الدخول في مداولات الجولة الثانية، ووقف دخول المساعدات، يطمع بالمصادقة على مشروع الموازنة العامة في نهاية الشهر الحالي.
وذلك لأن الفشل في تمرير الموازنة يعني سقوط الحكومة فورًا وفقًا للقانون الإسرائيلي، وبعد تمريرها لن يتمكن سموتريتش من حل الائتلاف حتى لو انسحب منه.
وفي هذا السياق، نشر رسم كاريكاتيري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يظهر فيه نتنياهو يتحدث عبر الهاتف مع إيلي شرعبي، أحد الأسرى المحررين، الذي روى معاناته في الأسر وهو مقيد بسلاسل حديدية، بينما يظهر في المقابل سموتريتش، مكبلًا بسلسلة حديدية مربوطة بقدم نتنياهو، الذي يقول له: “إيلي.. أنا أعرف ماذا يعني أن تكون مكبلًا بالسلاسل ليل نهار”.
بالنسبة لنتنياهو، فإن المصادقة على الموازنة العامة (حيث إن الفشل في تمريرها يعني سقوطًا فوريًا للحكومة، وفقًا للقانون الإسرائيلي) ستجعله أقرب إلى الالتزام بالاتفاق، وقبول تسوية حول مستقبل حماس في غزة، ربما تستبطنها الخطة العربية التي سيُعلن عنها في القمة اليوم.
كما سيكون ذلك أقرب للرغبة الأمريكية الحقيقية في إنهاء ملف غزة، طمعًا في صفقة أكبر، سياسية وإقليمية، يكون عمادها توسيع اتفاق التطبيع ليشمل السعودية، وهو ما قد يشكل مكسبًا سياسيًا مهمًا للإسرائيليين في الانتخابات القادمة، على أمل أن يغفروا له عار السابع من أكتوبر، ويكون ذلك بمثابة طوق نجاة يبقيه في الحكم والتاريخ.
أما على صعيد الحسابات الفئوية الداخلية، يرى نتنياهو أن استئناف الحرب دون تجنيد اليهود الحريديم للمجهود العسكري قد يشكل تهديدًا لمستقبل الحكومة، حيث إن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين تطالب بتجنيدهم، بينما يرفضون ذلك، وأحزابهم المشاركة في الائتلاف تعارض بشدة.
وهذا الأمر أشعل جدلًا ساخنًا وتوترًا كبيرًا في إسرائيل منذ بداية الحرب.
وتكشف مقولة وزير الشؤون الإستراتيجية رون درمر عن النوايا الحقيقية لدى نتنياهو، حيث قال، أمس، ضمن تهديداته ووعيده:
“سنقوم بدهس حماس، لكن ليس قبل أن نستعيد رهائننا”.
المصدر: القدس العربي
إسرائيل تهدّد وتتوعد.. لكنها تتريّث في “فتح أبواب الجحيم” بانتظار ويتكوف وربما “الفرج العربي”