You are currently viewing خبير اقتصادي: عواقب خطأ سياسة ترامب الاقتصادية ستكون فادحة على أمريكا والعالم

خبير اقتصادي: عواقب خطأ سياسة ترامب الاقتصادية ستكون فادحة على أمريكا والعالم

فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المراقبين والمسؤولين في الولايات المتحدة وخارجها بسلسلة واسعة النطاق ومتسارعة من إعلانات فرض الرسوم الجمركية، بدعوى تعزيز الأمن الاقتصادي والقومي الأمريكيين.

وكان أحدث هذه القرارات فرض رسوم بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم، واعتزامه تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في فرض رسوم جمركية على كل السلع مع دول العالم.
وفي تحليل نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية تحت عنوان “الأصول الفكرية لسياسات ترامب الاقتصادية”، قال روجر دبليو فيرغسون، الخبير الاقتصادي الأمريكي، الذي عمل كنائب لرئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) خلال الفترة من 1999 إلى 2006، إنه في حين تبدو سياسات ترامب الاقتصادية جديدة، فإنها في الحقيقة سياسة اقتصادية قديمة تُعرف باسم “إحلال التصنيع المحلي محل الواردات”.

في حين تبدو سياسات ترامب الاقتصادية جديدة، فإنها في الحقيقة سياسة اقتصادية قديمة تُعرف باسم “إحلال التصنيع المحلي محل الواردات”

وتستند هذه السياسة إلى نظرية تقول إنه يمكن تحفيز نمو القطاع الصناعي باستخدام الرسوم الجمركية ونظام الحصص مع الواردات لحماية “الصناعات الوليدة” المحلية من المنافسة الأجنبية.
وبشكل عام، فإن سياسة الرسوم الجمركية المرتفعة ترتبط غالبًا بسياسة دعم للقطاع الصناعي، وأحيانًا بسياسة الحفاظ على قوة العملة، للحد من أسعار السلع الوسيطة والرأسمالية المستوردة اللازمة للتصنيع.
ومع ذلك، فإن هذه السياسة تنطوي على مخاطر، لأنها تخلق رابحين وخاسرين في وقت واحد. علاوة على ذلك، فإن دعم الصناعات المحلية يثير الجدل عادةً، كما أن التوسع في الاقتراض الحكومي لتمويل هذه السياسات ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة للاقتصاد الكلي للدولة.

جذور سياسة إحلال التصنيع محل الواردات

يمكن القول إن ألكسندر هاملتون، أول وزير خزانة أمريكي، كان أول من طبّق سياسة إحلال التصنيع محل الواردات. ففي تقريره عن التصنيع، دعا هاملتون إلى دعم الصناعات الناشئة وفرض رسوم معتدلة على الواردات (بغرض زيادة الإيرادات وليس الحد من الواردات)، واستخدام التقنيات الحديثة في القطاعات الناضجة مثل الزراعة.
وكان هاملتون يتوقع أن تؤدي الحيوية الناتجة عن الاقتصاد الصناعي الجديد إلى جعل الولايات المتحدة الشابة جاذبة للمهاجرين الطموحين، مثله شخصيًا.

لكن الرغبة القوية في تبني تقنيات جديدة أدت إلى ازدهار أعمال التجسس الصناعي، حيث كان الجواسيس الصناعيون يجلبون أسرار الصناعات الأوروبية إلى الولايات المتحدة.

وقد اعتُبرت سياسات هاملتون داعمة لقطاع التصنيع الناشئ، لكنها أدت إلى رفع الأسعار في القطاع الزراعي، والحد من تدفق السلع البريطانية عالية الجودة، واستخدام أموال الحكومة لدعم التصنيع على حساب التنمية الريفية. لذلك عارض سياسة هاملتون الكثيرون ممن أرادوا استمرار الولايات المتحدة كمجتمع زراعي يعتمد على السلع المصنعة المستوردة من بريطانيا.
لكن الرد البريطاني السيّئ التخطيط على السياسة الأمريكية أدى في نهاية المطاف إلى موقف أمريكي موحد يؤيد النسخة الهاميلتونية من ضريبة السلع الصناعية.

تداعيات السياسة على المدى الطويل

ورغم اتفاق قادة الولايات المتحدة في ذلك الوقت على الحاجة إلى فرض الرسوم الجمركية لدعم قطاع التصنيع الناشئ، فإن مستوى تلك الرسوم ودور دعم القطاعات الصناعية ظلّا يشكلان نقطة خلاف.
كما أن هذا الخلاف أخذ بُعدًا قطاعيًا واضحًا، حيث استفاد الشمال الصناعي الأمريكي من سياسة الرسوم الجمركية أكثر من الجنوب الزراعي.

ويرى بعض المؤرخين أن الخلاف الوطني المبكر حول الرسوم الجمركية على الواردات الصناعية، بمن في ذلك الرابحون والخاسرون، ومستوى الرسوم الجمركية، ودور الإعانات، كان أحد العوامل التي زرعت بذور الحرب الأهلية الأمريكية.

وفي النصف الأول من القرن العشرين، تبنّى العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة، وخاصة في أمريكا اللاتينية، سياسات إحلال التصنيع محل الواردات. ويُعد راؤول بريبيش الاسم الأكثر ارتباطًا بإعادة ظهور هذه السياسة في أمريكا اللاتينية.
وكان بريبيش محافظًا للبنك المركزي الأرجنتيني، وأصبح المدير التنفيذي للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية عام 1950. لاحظ بريبيش أن اقتصادات أمريكا اللاتينية تعتمد على تصدير المواد الخام والسلع منخفضة القيمة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، ما أدى إلى تراكم الثروة في المركز المتقدم (أوروبا وأمريكا) على حساب المحيط النامي.
ومن المثير للاهتمام، أن بريبيش نفسه انتقد التطبيق التبسيطي لهذه السياسة، وأيد التجارة الحرة بين الاقتصادات الناشئة، مع فرض إجراءات حمائية ضد واردات دول الشمال الغنية.

تداعيات سياسة ترامب الاقتصادية

يقول فيرغسون، الذي عمل كعضو في مجلس محافظي الاحتياط الفيدرالي، إن آثار سياسة إحلال التصنيع محل الواردات التي تتبعها إدارة ترامب لها ثلاثة أوجه رئيسية:

الرغبة القوية في تبني تقنيات جديدة أدت إلى ازدهار أعمال التجسس الصناعي، حيث كان الجواسيس الصناعيون يجلبون أسرار الصناعات الأوروبية إلى الولايات المتحدة

1. خلق رابحين وخاسرين
في زمن هاملتون، كان الخاسر هو القطاع الزراعي الأمريكي.
في زمن ترامب، سيكون الخاسر هو ملايين المستهلكين الأمريكيين الذين يعتمدون على السلع المستوردة الرخيصة.
2. الجدل حول دعم الصناعات المحلية
رغم أن قانون تشجيع صناعة أشباه الموصلات في عهد جو بايدن حظي بدعم الحزبين، إلا أن ترامب ورئيس مجلس النواب مايك جونسون انتقداه.
3. المخاطر المالية العالمية
الاقتراض الحكومي الأمريكي لدعم التصنيع يحمل مخاطر كبيرة، رغم أن الولايات المتحدة ليست عرضة لنفس الأزمات المالية التي عصفت بدول أمريكا اللاتينية في السبعينيات والثمانينيات.
ورغم أن إعلانات إدارة ترامب عن الرسوم الجمركية على الواردات تعيد إحياء سياسة إحلال التصنيع محل الواردات لحماية الصناعات المحلية وتحفيز النمو، فإنها تنطوي على مخاطر كبيرة.
وتلقي التجارب التاريخية والعالمية مع هذه السياسة الضوء على التعقيدات والمخاطر المحتملة التي قد تترتب على مثل هذه الإستراتيجيات الاقتصادية.
ونظرًا للدور القيادي الذي يلعبه الاقتصاد الأمريكي عالميًا، فإن أي خطأ في هذه السياسة قد يكون مكلفًا، ليس فقط للولايات المتحدة، بل للاقتصاد العالمي بأكمله.

(د ب أ)

المصدر: القدس العربي

خبير اقتصادي: عواقب خطأ سياسة ترامب الاقتصادية ستكون فادحة على أمريكا والعالم

شارك المقالة