يشهد الطلب على إيجار المنازل الصغيرة والرخيصة في العراق ارتفاعاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، حيث باتت هذه النوعية من المساكن ملاذاً للكثير من العوائل التي تواجه ضغوطاً اقتصادية متزايدة.
ويعكس هذا التوجه واقعاً معيشياً صعباً يعيشه المواطنون في ظل أزمة سكن متفاقمة،
وتضع التحديات أمام الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء. ويرتبط هذا الارتفاع بعدة عوامل اجتماعية واقتصادية تستحق التأمل والتحليل.
وتتفاقم أزمة السكن في العراق مع استمرار النمو السكاني المتسارع، إذ يقدر عدد سكان البلاد بحوالي 43 مليون نسمة وفقاً لآخر الإحصاءات المتاحة، مع توقعات بزيادة مستمرة خلال العقد القادم.
وتواجه هذه الأعداد تحديات اقتصادية مزمنة، بما في ذلك ارتفاع معدلات الفقر التي تقترب من 25% حسب تقارير البنك الدولي، مما يجعل شراء منزل جديد حلماً بعيد المنال للغالبية. وتظهر هذه الأرقام بوضوح العبء الذي يقع على كاهل الفئات ذات الدخل المحدود، والتي تلجأ إلى خيارات الإيجار كحل مؤقت.
و تؤدي العوامل الاقتصادية دوراً محورياً في تفاقم الوضع، حيث يعاني العراق من تدهور في القوة الشرائية للمواطنين نتيجة التضخم وتقلبات أسعار النفط، المصدر الرئيسي للدخل الوطني.
وتسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، من غذاء وخدمات أساسية، في تقليص الميزانيات الأسرية، مما يدفع العوائل إلى البحث عن منازل صغيرة بأسعار إيجار منخفضة. ويبرز هنا تأثير تضاؤل الطبقة الوسطى، التي كانت تشكل عصب الاستقرار الاجتماعي، لتنضم تدريجياً إلى فئات أكثر فقراً تبحث عن حلول سكنية متواضعة.
ويرتفع سعر المساكن الجديدة بشكل لافت في المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة، حيث باتت تكلفة الشقة المتوسطة تفوق قدرة غالبية السكان. ويفاقم هذا الارتفاع من حدة الأزمة، إذ تضطر العائلات إلى التنافس على المنازل القديمة أو الصغيرة في الأحياء الشعبية، مما يرفع بدوره أسعار الإيجارات في هذه المناطق. وتشير التقديرات إلى أن متوسط إيجار منزل صغير في ضواحي بغداد قد ارتفع بنسبة 15-20% خلال العامين الماضيين، وهو ما يعكس ضغط الطلب المتزايد مقابل العرض المحدود.
ويشهد سوق الإيجارات تنافساً محموماً بين المستأجرين، لا سيما في المناطق التي تقدم خيارات سكن متواضعة تتناسب مع الدخل الضعيف. ويظهر هذا التنافس في شكل قوائم انتظار طويلة لدى ملاك العقارات، بل وفي بعض الأحيان دفع مبالغ مقدمة مرتفعة لضمان الحصول على مسكن. ويعكس هذا الواقع فجوة كبيرة بين الحاجة الفعلية والموارد المتاحة، مما يضع علامات استفهام حول فعالية السياسات الحالية في مواجهة الأزمة.
وتحتاج البلاد، وفقاً لتقديرات رسمية، إلى نحو 3 ملايين وحدة سكنية لسد العجز الحالي، وهو رقم ضخم يتطلب استثمارات هائلة وتخطيطاً طويل الأمد. وتكمن المشكلة في أن معظم المشاريع السكنية الحالية تستهدف الفئات الميسورة، تاركة الشرائح الفقيرة والمتوسطة دون حلول ملموسة. ويبرز هنا دور القطاع الخاص الذي يمكن أن يساهم في توفير مساكن بأسعار معقولة، لكن غياب الحوافز والدعم الحكومي يعيق هذا التوجه.
المصدر: المسلة