عبد الباري عطوان
في الوقت الذي تتكرس فيه الجهود الامريكية والإسرائيلية لإنهاء حكم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” لقطاع غزة، وتهجير مليونين من سكانه بلا عودة، وتحويل القطاع الى ريفيرا الشرق الأوسط، ولكن للمستوطنين اليهود، ونهب غازه ونفطه، يخرج علينا الدكتور أحمد داوود اوغلو صاحب نظرية “العثمانية الجديدة” بالبديل الذي يطالب دونالد ترامب العرب الرافضين لمشروعه التهجيري بتقديمه، ويتلخص هذا البديل الذي عرضه اثناء اجتماع لكتلة تحالف الطريق الجديد المعارض الذي يضم حزبه (المستقبل) “في ضرورة إعادة ربط القطاع بتركيا بإعتبارها تمثل الامتداد الشرعي للدولة العثمانية التي كانت آخر دولة شرعية حكمت غزة قبل الانتداب البريطاني”، وقال “ان سكان غزة كانوا رفاقا ومواطنين طبيعيين بسبب تاريخهم المشترك مع تركيا ولا بأس من اجراء إستفتاء شعبي لكي يكونوا مرتبطين بالجمهورية التركية كمنطقة (غزة) تتمتع بالحكم الذاتي حتى يتم انشاء الدولة الفلسطينية”.
انا اعرف الدكتور داوود اوغلو شخصيا، مثلما أعرف انه يقف خلف معظم المشاريع الإقليمية التوسعية للدولة التركية الحديثة بزعامة الرئيس رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، بحكم مواقعه السابقة في هذه الدولة كوزير خارجية وثم كرئيس وزراء، وانا أتحدث هنا عن الدور التركي المدعوم أمريكيا في محاولات الإطاحة بالنظام السوري وأنظمة عربية أخرى في مصر واليمن وليبيا وتونس تحت راية ما يسمى بالربيع ورصد مئات المليارات في هذا الاطار، ولا اكشف سرا عندما أقول ان من أبرز أفكاره في هذا المضمار، وسمعتها منه شخصيا، تأسيس جماعات أصدقاء سورية وتونس وليبيا بإيعاز من الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، وبتمويل من دول عربية وغطاء سياسي “شرعي” من جامعة الدول العربية.
أدرك جيدا ان الدكتور داوود اوغلو لم يعد داخل دائرة صنع القرار في تركيا في الوقت الراهن، وان كان يطمح في العودة اليها، سواء من خلال فوز تكتله المعارض الحالي بالانتخابات القادمة، او بالمصالحة مع معلمه السابق اردوغان، ولكنه ما زال على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وفرنسا وبريطانيا، وهي دول تقدّر خبرته، ودوره كمؤرخ استراتيجي للعثمانية، وولاياتها الشرق أوسطية.
***
الدكتور داوود اوغلو ارتكب في تقديرنا عدة أخطاء، كمؤرخ وكسياسي استراتيجي، في طرحه هذا البديل لغزة ما بعد حركة “حماس” وفي مثل هذا التوقيت المفصلي، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولا: تركيز الدكتور اوغلو على قطاع غزة فقط، وتجاهله التام للضفة الغربية والقدس، والفصل بين المنطقتين، وهذا يتناسب كليا مع الطروحات الحالية الامريكية بقصد او بدون قصد، وربما جاء هذا الفصل متعمدا، لان ضم نتنياهو للضفة بات وشيكا، بدعم من ترامب وحكومته، وقد يتم بعد إقرار الكنيست في تصويته القادم بتغيير اسمها كضفة غربية، واستبداله باسمها “التوراتي” “يهودا والسامرة”.
ثانيا: ليس صحيحا ان الدولة العثمانية كانت آخر دولة شرعية حكمت قطاع غزة، اللهم الا اذا كان الدكتور اوغلو يعتبر إدارة مصر للقطاع منذ عام 1948 وحتى عام 1967 غير شرعي، والشرعية فقط للدولة التركية التي يؤكد انها تشكل استمرارا للإمبراطورية العثمانية، التي انتهى حكمها وشرعيتها كليا بهزيمة الحرب العالمية الأولى.
ثالثا: لماذا يحصر الدكتور اوغلو الشرعية العثمانية في غزة فقط، وينسى القدس المحتلة، ومسجدها الأقصى، وكل فلسطين الحالية المحتلة إسرائيليا؟
رابعا: إقامة حكم ذاتي في قطاع غزة تحت راية الدولة التركية يعني خضوع القطاع لحلف الناتو التي تشكل تركيا عضوا رئيسيا فيه، فهل غابت هذه النقطة عن الدكتور اوغلو، ام انه كان واعيا لها؟
خامسا: في حال أصبحت غزة خاضعة للسلطة التركية وبعد اجراء استفتاء شعبي، هل ستحارب الدولة التركية وحلف الناتو لحماية القطاع من أي عدوان مستقبلي من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي؟
سادسا: هل يعتبر الدكتور اوغلوا حكم السلطة الفلسطينية، وبعده حكم حركة “حماس” لقطاع غزة، الذي جاء بعد طرد الإسرائيليين وتصفية مستوطناتهم بقوة السلاح عام 2005 حكما غير شرعي، يجب استبداله بحكم آخر غير عربي وغير فلسطيني في المرحلة المقبلة، ولهذا تقدم بطرحه المفاجئ.
***
الدكتور اوغلو قدم نفسه واقتراحه هذا بقوله انه كتركي من رعايا الدولة العثمانية التي كانت آخر دولة شرعية حكمت قطاع غزة، ارد عليه بالمنطق نفسه، وأقول له انني كعربي فلسطيني من مهاجري قطاع غزة (بلدي وبلد والدي أسدود)، وكان اجدادي من رعايا الدولة العثمانية، وقاتلوا مع جيوشها واستشهد بعضهم، أتقدم اليه، والى حكومته بالسؤال التالي: اذا كان الوضع كذلك، أي خضوع القطاع للشرعية العثمانية، لماذا كانت الدولة التركية اول دولة إسلامية تعترف بدولة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولماذا لم تقدم رصاصة واحدة للمقاومة الفلسطينية طوال 75 عاما من عمر الاحتلال، ولم ترسل علبه حليب او دواء واحدة لأطفالنا وأهلنا في قطاع غزة اثناء الحصار وحرب الإبادة، وتجويع مليوني فلسطيني حتى الموت، وتدمير 95 بالمئة من منازلهم، وكل المستشفيات، علاوة على قتل 60 الفا على الأقل، واصابة 150 الفا آخرين؟
ختاما أقول للدكتور اوغلو وللرئيس اردوغان وكل الأشقاء الاتراك، انني سأكون أول المطالبين ليس بضم قطاع غزة الى تركيا، بل كل فلسطين، وسأرفع العلم التركي فوق بيتي ومكتبي وأعلن عثمانيتي مع أول صاروخ ينطلق من الأراضي التركية في إطار هجوم لتحرير المسجد الاقصى وباقي المقدسات في فلسطين المحتلة، والله على ما أقول شهيد.
المصدر: رأي اليوم