أشعل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، حالة مُتصاعدة من الغضب في الشارع الفلسطيني بعد قراره “المُفاجئ والصادم”، بقطع كافة المًخصصات المالية لأسر الاسرى والجرحى الفلسطينيين، وذلك استجابة لطلب مباشر من إسرائيل والإدارة الامريكية.
هذا القرار الذي وصفه مراقبون بـ “الصادم” كشف عن توجهات وخطوات جديدة قد يلجأ لها الرئيس عباس خلال المرحلة المقبلة في الساحة الفلسطينية، بهدف إرضاء الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، ومحاولة عدم وقوع أي تصادم مباشر معها قد يؤثر فعليًا على وضع ومكانة السلطة الفلسطينية سياسيًا وماليًا.
وفتح عباس بهذه الخطوة باب الجدل على مصراعيه في الساحة الفلسطينية، وسط اتهامات ثقيلة توجه للسلطة والرئيس عباس بشكل مباشر بـ”الخيانة والتنازل عن الحقوق الفلسطينية” طلبًا لرضا أمريكا وإسرائيل.
كما يطرح القرار أسئلة جوهرية حول مستقبل العلاقة بين السلطة الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني، لا سيما أن مخصصات الأسرى والشهداء كانت تعتبر أحد الثوابت الوطنية منذ عقود. ومن شأن وقفها أن يخلق أزمة ثقة بين السلطة والفئات الشعبية، خاصة أن عائلات الأسرى والشهداء تحظى بتعاطف شعبي واسع.
يرى مؤيدو القرار أنه يأتي في سياق إصلاحات مالية تهدف إلى تحسين الأداء الاقتصادي للسلطة الفلسطينية وتقليل الضغوط الدولية عليها. لكن في المقابل، يرى معارضوه أنه يندرج ضمن تنازلات سياسية تمس جوهر القضية الفلسطينية، حيث تمثل رواتب الأسرى والشهداء بُعداً وطنياً وأخلاقياً لا يمكن التخلي عنه تحت أي ظرف.
وأمس الإثنين، أصدر عباس، مرسوماً رئاسياً بإلغاء المواد القانونية المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى.
وكشف موقع “أكسيوس” الأمريكيّ، أنّ الرئيس عباس ألغى القوانين التي كانت تحول المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء، بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية.
ونقلت القناة “12” العبرية عن مصادر رفيعة المستوى، أن السلطة الفلسطينية توجهت لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأبلغتها عن استعدادها لتغيير طريقة دفع رواتب الأسرى الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ العمليات، موضحة أن الطريقة الجديدة التي عمل عليها فريق قام بتعيينه “أبو مازن” ستشمل دفع رواتب للأسرى وعائلاتهم وفقاً لوضعهم المادي والاجتماعي.
– هذا هو الثمن
وأشارت إلى أن عباس طالب الولايات المتحدة بإلغاء قانون “تيلور فورس” مقابل تغييره طريقة دفع رواتب الأسرى وعائلاتهم، حيث ينص القانون على عدم تحويل أية مساعدات للسلطة الفلسطينية إلى حين قيامها بوقف دفع رواتب لمنفذي العمليات وعائلاتهم، وكذلك طلب عباس بإزالة العقوبات الأخرى التي فرضتها الولايات المتحدة على السلطة.
وقالت إن السلطة الفلسطينية أبلغت الولايات المتحدة أنها تأمل من إسرائيل وقف الخصومات من أموال الضرائب التي تقوم بتحويلها للسلطة.
كما لفتت القناة الـ 12 العبريَّة، أن السلطة تخشى من قيام المحاكم الأمريكية بفرض مخالفات باهظة على السلطة الفلسطينية في نهاية الشهر الحالي ضمن الدعاوى التي رفعتها عائلات أشخاص تضرروا في عمليات فدائية حيث يتهمون السلطة بتشجيع العمليات.
وكانت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، كشفت منتصف أغسطس الماضي عن أن السلطة الفلسطينية تعهدت بوقف دفع رواتب للأسرى وتعديل المناهج الدراسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التعهد يأتي في إطار شروط جديدة وضعتها الدول الغربية مقابل تقديم مساعدات مالية بقيمة 400 مليون يورو للسلطة الفلسطينية.
– غضب فلسطيني عارم
هذا ولقي القرار إدانات واسعة من الفصائل الفلسطينية، حيث اعتبرته حركة “حماس” تخلياً عن قضية الأسرى والشهداء، ووصفته بأنه “انفضاض عن أحد الثوابت الوطنية”، داعيةً السلطة إلى التراجع عنه فوراً.
كما شددت الحركة على أن الأسرى والشهداء هم “رموز القضية الفلسطينية”، وأن التخلي عنهم يعكس رضوخاً للضغوط الإسرائيلية والأمريكية.
من جهتها، أدانت حركة الجهاد الإسلامي القرار، مؤكدة أنه يمثل “تنازلاً واضحاً” في ظل ما يواجهه الشعب الفلسطيني من حرب إبادة ومحاولات تهجير.
وأضافت الحركة أن وقف هذه المخصصات في وقت تتقدم فيه جهود المقاومة لفرض صفقة تبادل أسرى يُعد “محاولة لإضعاف معنويات الشعب الفلسطيني وخذلاناً للأسرى”.
كما وأدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المرسوم الصادر عن رئيس السلطة القاضي بإلغاء مخصصات عائلات الشهداء والجرحى والأسرى وتحويلها إلى مؤسسة تحت إدارة السلطة، في خطوة تُمثّل خضوعًا فاضحًا لشروط الاحتلال وضغوط الإدارة الأميركية، وانتهاكًا سافرًا للحقوق الوطنية.
وقالت الجبهة في بيان لها: إن هذا القرار يندرج ضمن محاولات هندسة القضايا الوطنية عبر تحويل ملف الأسرى والشهداء من قضية وطنية مقدسة إلى شأن إداري يخضع لمعايير الجهات المانحة المرتبطة بالعدو، كما أن تحويله إلى “مؤسسة التمكين الاقتصادي” والتعديلات التي طالت قانون رعاية الأسرى يمثلان تلاعبًا خطيرًا يهدف إلى تجريد هذه الفئة من مكانتها الوطنية وحقوقها المشروعة.
وعبرت عن رفضها القطاع للقرار، مؤكدة أن حقوق عوائل الشهداء والأسرى ليست مِنّة من أحد وهي التزام وطني مقدس لا يجب المساس بها.
ودعت الجبهة القوى الوطنية والحركة الأسيرة وعموم شعبنا إلى موقف موحّد يفرض على السلطة التراجع الفوري عن هذا القرار الخطير، وقطع الطريق على أي محاولات لتصفية حقوق الشهداء والأسرى والجرحى تحت أي ذريعة.
ويبقى التساؤل.. إلى أين ستذهب السلطة؟ وما نتائج هذا القرار؟ وهل هو عربون صداقة لترامب ونتنياهو؟
المصدر: رأي اليوم