You are currently viewing ما وراء دموع الكيان وغضبه إثر إطلاق أسراه

ما وراء دموع الكيان وغضبه إثر إطلاق أسراه

منذ انطلاق النبضة الخامسة من المرحلة الأولى في صفقة تبادل الأسرى في غزة، تتواصل حملة بكائية في إسرائيل تشكو الحالة الصحية المتردية للرهائن الإسرائيليين الثلاثة، وتتهم حركة “حماس” بتجويعهم والتنكيل بهم، وتصفها بأفظع الصفات، بلغت حد القول إن ما يجري “محرقة”، أو “كارثة” يهودية جديدة.

وتصدر هذه الحملة الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية، المستمرة والمنعكسة في عناوين الصحف العبرية، اليوم الأحد، عن جهتين: عائلات الرهائن والأسرى الإسرائيليين، وأوساط مناصرة لاستكمال الصفقة الآن، وهؤلاء يمارسون عملياً الضغط على نتنياهو وحكومته بالاستدلال على حالة بقية الرهائن وخطورة عدم استعادتهم فوراً من خلال الإشارة للوجوه الشاحبة والأجساد الهزيلة للإسرائيليين المفرج عنهم أمس.

وترتفع الضجة وردود الفعل الغاضبة والبكائية في إسرائيل في ظل تنامي الشكوك الإسرائيلية بأن نتنياهو غير معني بالتقدم في المفاوضات حتى الجولة الثانية، لأنها ذات طابع ومضمون سياسي إذ يفترض أن تبحث إنهاء الحرب وإعادة بناء القطاع، وهذا يهدد هيبة نتنياهو ومستقبل حكومته، لا سيما أن بن غفير لا يسارع بالعودة إليها منتظراً من ترامب ونتنياهو “الأفعال لا الأقوال”، فيما عاد سموتريتش للتهديد بتفكيكها إذا لم تعاود إسرائيل الحرب على غزة.

 

المعسكر المعارض وعائلات المحتجزين وأوساط واسعة من الإسرائيليين، الذين ترغب أغلبيتهم الساحقة بإتمام الصفقة، يصعدون، منذ أمس، الضغوط للتقدم نحو المرحلة الثانية منها فوراً، في ضوء ارتفاع المخاوف من أن حكومة الاحتلال ورئيسها غير معنيين بذلك.

وتنقل صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، عن جهات في طاقم المفاوضات قولها إن نتنياهو غير معني ببلوغ المرحلة الثانية كونها تنذر بانهيار ائتلافه الحاكم.

وتتجند وسائل الإعلام العبرية، منذ أمس، للضغط على حكومة الاحتلال للذهاب للمرحلة الثانية واستعادة المحتجزين بعد نحو 500 يوم من الأسر في ظروف قاسية. وينعكس هذا في العنوان الرئيس لصحيفة “يديعوت أحرونوت” “نجوا في جهنم” فوق صور الرهائن الثلاثة وهم يبدون في حالة هزال، وكذلك في صحيفة “هآرتس” التي تنشر هي الأخرى صورة الثلاثة وفوقها: “هزيلون، وجه كل منهم مسفوع ملفوح ذابل مبيض”.

أما صحيفة “معاريف” فنشرت صورة الإفراج والمفرج عنهم في دير البلح، ومن خلفهم لافتة كبيرة تقول “نحن الطوفان، نحن اليوم التالي” وفوقها عنوان من كلمتين: “الإفراج والقلق”.

المصدر الثاني
إضافة للتفاعل الإنساني الطبيعي من قبل إسرائيليين مع إسرائيليين يفرج عنهم من أسر في غزة، وتوظيف الصورة للضغط على حكومة الاحتلال لاسترجاع سريع لبقية الأسرى من الرجال، هناك مصدر آخر لهذه الحملة الإسرائيلية الغاضبة المشبعة بالتباكي وهو نتنياهو ومعسكر اليمين الصهيوني الذي يستغل صورة المفرج عنهم الثلاثة، صورة الهزال والصدمة، لتكثيف شيطنة ونزع الصفة الإنسانية ليس فقط عن “حماس” بل عن الفلسطينيين والغزيين، وسط اجتزاء الحقيقة وتزوير الواقع.

هذا اليمين المتعطش حتى الآن للانتقام والاحتلال والاستيطان، وإسقاط “حماس” وحسم الصراع مع الفلسطينيين، قد استفزته صور مقاتلي “حماس” وصور سيطرة “حماس” وبقائها في الميدان، فسارع لتوظيف حالة الهزال والشحوب البادية على وجه المفرج عنهم لتبرير الدعوة لمعاودة الحرب على غزة والتحشيد لها بدلاً من الذهاب للمرحلة الثانية من الصفقة.

وشارك نتنياهو بنفسه في الحملة من واشنطن عبر شريط فيديو قال فيه إن إسرائيل احتجت مجدداً لدى الوسطاء، وحمل على “حماس” وقال إنه متوافق مع الرئيس الأمريكي على ألّا تبقى، وعلى استعادة كل المحتجزين.

وأوغلت الحملة المستمرة الصادرة عن كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية في التباكي، لحد وصف “حماس” بأنها حركة نازية، كما جاء في مقال المعلق السياسي في “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، الذي لم يكتف بالمقاربة النازية، وباستذكار مشاهد اليهود الناجين من المحرقة، بل قال بشكل غير مباشر إن هذا هو طريق الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى “هبة البراق” في 1929.

وكانت “حماس” قد أكدت، منذ البداية، أنها عاملت الأسرى بموجب الأخلاق والدين، وأرسلت عدة رسائل للفلسطينيين والإسرائيليين ولترامب والعالم من خلال إنتاج وإخراج صورة فيها انضباط وقوة وأناقة. وسبق أن أكدت سيدة إسرائيلية مفرج عنها في نوفمبر 2023 (يهوديت ليفشيتس) أن بقية زملائها المحتجزين قد عوملوا باحترام، أكلوا مما أكلت “حماس”، وباتوا حيث بات آسروهم في غزة.

من المحتمل جداً أن حالة الهزال والضعف البادية على الإسرائيليين الثلاثة هي نتيجة تجويع كل الغزيين منذ بدء الحرب. ويمكن التنازل عن صورة المقاومين المقنعين المدججين بالبنادق على المنصة إلى جانب أسرى إسرائيليين يتماسكون وبالكاد يقفون على أقدامهم، فقد سارعت جهات إسرائيلية لتوظيفها في ماكنة الدعاية لشيطنة كل الفلسطينيين في العالم، كما حصل في الاستهداف غير المبرر للمدنيين الإسرائيليين في السابع من أكتوبر.

يمكن الدفاع عن صورة الهزال البادية على الإسرائيليين الثلاثة بألف ادعاء، بيد أنه من الصعب تبرير مشهدية المنصة، والصورة هنا لا تقل عن الجوهر، فالمعركة على الرواية والوعي بين طرفي الصراع ما زالت مفتوحة على مصراعيها.

تدمير غزة وتهجير الغزيين
فقد الإسرائيليون الثلاثة المحررون الكثير من أوزانهم، وبدوا بصحة سيئة، لكن حملة الغضب والبكائية الإسرائيلية تنطوي على الكثير من استغلال صورتهم وصورة المنصة في دير البلح. كيف يمكن التبرم والشكوى على نحافة أسير عائد من منطقة تم تجويع مئات آلاف الناس، ومات العشرات منهم جوعاً وبرداً، وسط دعوات لم تتوقف لخنق الغزيين، لا فرق بين عسكريين ومدنيين، كون كافتهم “إرهابيين”، كما يؤكد من جديد مستشار الأمن القومي الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، في حديث للإذاعة العبرية، صباح اليوم الأحد؟

دون أن يرمش لهم جفن، تحدث عشرات المسؤولين والمراقبين الإسرائيليين عن توحش “حماس” والغزيين والفلسطينيين، وعن أن أيدي هؤلاء ملطخة بدماء اليهود، وكأن أيديهم هم وأيدي الإسرائيليين مزدانة بالحناء.

يتحدثون وسط تجاهل لا ينم إلا عن وقاحة، وليس عمى قلب فحسب، لقتل عشرات الآلاف من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أعداد مضاعفة، وتدمير 80% من بيوتهم انتقامًا لـ”طوفان الأقصى”. يتحدث هؤلاء، أمثال بن درور يميني، وكأن الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم يعانون من السمنة الزائدة، متجاهلين عمليات التنكيل والحرمان، ومعاملتهم وكأنهم وحوش، كما أكدت خالدة جرار بعد الإفراج عنها قبل أسبوعين.

يتباكون على هزال الإسرائيليين الثلاثة، ويتجاهلون أن إسرائيل على كرسي الاتهام في محكمة الجنايات الدولية، وأن وزير أمنها، يسرائيل كاتس، يعلن أنه أمر جيشه بإعداد خطة للتطهير العرقي. يتباكون ويتناسون حقيقة أن 73% من الإسرائيليين يؤيدون تهجير أهالي غزة، كما تظهر استطلاعات متتالية.

تباكٍ وصرف النظر عن تقارير منظمات حقوقية وإعلامية إسرائيلية حول تعذيب وقتل الأسرى الفلسطينيين، فقد نشرت صحيفة “هآرتس” عدة تقارير عن قتل عشرات الأسرى من غزة داخل سجن “ساديه تيمان” في النقب، وعن استهداف الطواقم الطبية منذ بدء الحرب، وهو ما تؤكده تقارير منظمة بتسيلم الدورية.

 

يمكن فهم محاولات عائلات المحتجزين التشديد، بل حتى المبالغة، في وصف حالة الأسرى العائدين من غزة للضغط على حكومة الاحتلال لاستعادة البقية، لكن لا يمكن حجب الشمس بغربال بالزعم الوقح أن الجانب الفلسطيني متوحش، بينما الجانب الإسرائيلي ناصع البياض، مثل جبل الشيخ الأبيض، منذ بدء الصراع قبل قرن ونيف، كما يقول المستعرب مردخاي كيدار في تصريحاته لقنوات عربية، حين اعتبر أن نعت الفلسطينيين في غزة بـ”حيوانات” فيه تحقير لها.

تاريخ هذا الصراع الدامي مع الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر ينطوي على سجل دموي من الجرائم الصهيونية، من دير ياسين إلى الصفصاف، حتى كفر قاسم وجباليا. قبل أيام، أشار إلى ذلك حتى رئيس الموساد الأسبق، إفرايم هليفي، وهو يبرر دعوته للإفراج عن مروان البرغوثي ليكون قائدًا فلسطينيًا شريكًا في اتفاق تسوية، بقوله: “هناك سجناء في إسرائيل أدينوا بالإرهاب، ثم صاروا رؤساء حكومات في إسرائيل”، في إشارة إلى إسحق شامير ومناحيم بيغن.

في المواجهة على الرواية والحقيقة، يكفي ما أورده عددٌ كبير من المؤرخين الإسرائيليين أنفسهم، ممن يُعرفون بـ”المؤرخين الجدد”، كما تكفي تقارير منظمات حقوقية دولية، بل حتى إسرائيلية، حول قتل الأبرياء والتنكيل ودوس القوانين الدولية، مثل أمنستي، وبتسيلم، و”يكسرون الصمت”، ومسلك، إضافة إلى منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” الإسرائيلية، التي تصدت لدعوات مجموعة كبيرة من الأطباء الإسرائيليين الذين أيدوا قصف المستشفيات وقتل طواقمها الطبية قبل نحو عام.

المصدر: القدس العربي

ما وراء دموع إسرائيل وغضبها إثر إطلاق أسراها

شارك المقالة