لا يُخفي صُنّاع القرار في كيان الاحتلال شغفهم باستغلال الظرف الحالي، وتحديدًا دخول الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للتوصّل إلى اتفاق تطبيعٍ مع السعوديّة، التي تعتبرها تل أبيب أهّم دولةٍ عربيّةٍ وإسلاميّةٍ، علمًا أنّ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، كان قد تعهد لدى تنصيب حكومته الحاليّة بالتوصل إلى تطبيع مع الرياض خلال الفترة الحاليّة.
وتعمل دولة الاحتلال على استثمار الأوضاع الجيو-سياسيّة في المنطقة لتحقيق حلم التطبيع مع السعودية، مقابل دفع ثمنٍ باخسٍ، الأمر الذي ترفضه الرياض وتضع شروطًا لرفع الثمن، مع تشديدها على حلٍّ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينيّة، وهو الأمر الذي يتعارض جوهريًا مع تصريحات ترامب لتهجير سُكّان غزّة، والترحيب الذي لاقاه هذا الاقتراح في الكيان، من المستوييْن السياسيّ والأمنيّ، وأيضًا من المُستوطنين على مختلف انتماءاتهم.
وفي هذا السياق، رأت دراسةٌ صادرةٌ عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، أنّه منذ بدء الحرب، ازدادت حدة نبرة السعودية حيال إسرائيل، وأصبحت الرسائل العلنية من الرياض انتقادية ولاذعة، مُضيفةً في الوقت عينه أنّ هذه الرسائل وصلت إلى الذروة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما اتّهم وليّ العهد محمد بن سلمان، والرجل القوي في المملكة، إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” ضد الفلسطينيين في غزة، مُشيرةً إلى أنّ مثلُ هذه التصريحات من الزعيم الفعلي للمملكة، لم تسمعه إسرائيل من ذي قبل، وهو يتعارض مع ما سبق أنْ قاله وليّ العهد في الإطار الإسرائيلي قبل الحرب، على حدّ تعبيرها.
وتابعت الدراسة، التي نقلتها مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة إلى العربيّة أنّه “لم يشدد السعوديون نبرتهم فحسب، بل أصبحوا من أهّم المدافعين عن القضية الفلسطينية بشكل لم نشهده من ذي قبل، وهم يريدون الاستفادة من المشاعر المعادية لإسرائيل في المنطقة”.
وشدّدّت أيضًا على أنّه “إلى جانب انتقاداتهم، فإنّهم يسعون للعب دور أساسي في السياق الفلسطيني، وبادروا إلى إقامة “حلف” دولي، هدفه الدفع قدمًا بإقامة دولة فلسطينية. بالنسبة إلى السعوديين، إن الصورة والشكل أهم من المضمون، وهم يسعون ليكونوا أصحاب الفضل في إقامة الدولة الفلسطينية أخيرًا”، طبقًا لأقوال الدراسة التي قام بإعدادها الباحثيْن يوئيل غوجانسكي وإيلان زلايط.
علاوة على ما جاء أعلاه، أوضحت الدراسة الإسرائيليّة أنّه “منذ بداية الحرب على غزّة، دعت المملكة إلى وقف إطلاق نار فوري، وعندما تحقّق ذلك، رحّبت الخارجية السعودية به، وأعربت عن أملها بأنْ يؤدي إلى نهاية كل الوحشية والعدوان الإسرائيليَّين في غزة. كذلك، دعت المملكة إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة”.
وأكّدت الدراسة أيضًا أنّه “مؤخرًا، أضافت السعودية مطلبًا، هو انسحاب الجيش الإسرائيلي من “كل الأراضي العربية”، في إشارة إلى الأراضي التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، وفي الجولان السوري. وبذلك، هي تقف صفًا واحدًا مع سائر الدول العربية”، على حدّ تعبيرها.
بالإضافة إلى ذلك، أكّدت الدراسة أنّ “المملكة العربية السعودية مهتمة بالتطبيع مع إسرائيل بصورة تؤمّن حصولها على الجزرة الأمريكية التي من الصعب أنْ تحصل عليها من دون ذلك. لكنها منذ بداية الحرب، تربط علنًا بين التطبيع، أو الاندماج، وبين إقامة دولة فلسطينية، بطريقة لم تكن موجودة قبل الحرب.”
وأشارت الدراسة إلى أنّه “لدى النظر إلى نصف الكوب الملآن، يمكن القول إنّ الاحتضان السعودي للقضية الفلسطينية هو أمر إيجابي، لأنّها بذلك تأخذ القضية على عاتقها، وتمنع العناصر الراديكالية من استغلالها للحصول على تأييد. كما ربط السعوديون بصورة واضحة بين وقف إطلاق النار وبين عملية التطبيع، أيْ أنّ وقف النار هو شرط ضروري، وأنّ بداية عملية التطبيع ممكنة”.
ولفتت الدراسة الإسرائيليّة إلى أنّه “بعد إعلان وقف إطلاق النار، قال وزير الخارجية السعودي إنّ للمملكة مصلحة واضحة في التطبيق الكامل لوقف النار، وأنّ كلّ الأطراف في المنطقة تتحمل المسؤولية، وذلك في رسالة واضحة إلى “حماس”، وأيضًا إلى أطراف أُخرى، تدعوها إلى عدم تخريب الاتفاق. ومن المعقول أنّه سيكون من السهل على الرياض، في ظلّ إدارة ترامب، النزول عن الشجرة التي صعدت إليها حيال الموضوع الفلسطيني، لكن بالنسبة إليها، هناك شروط ضرورية، وفي طليعتها استكمال وقف إطلاق النار، والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع، وبدء عملية إعادة الإعمار”، طبقًا لأقوال الباحثيْن الإسرائيلييْن.
وخلُصت الدراسة إلى القول إنّ “سياسة ترامب حيال إيران تؤثّر في المملكة أيضًا. إنّ تحسُّن الوضع الاستراتيجيّ للمملكة سيسمح لها بالمخاطرة في موضوعات أُخرى. وكلّما كان ترامب صارمًا مع إيران وقادرًا على منع تقدُّم مشروعها النووي، كلّما سهّل ذلك على السعوديين، وربّما على إسرائيل أيضًا، من أجل إبداء مرونة كبيرة أيضًا في السياق الفلسطينيّ”، كما أكّدت دراسة معهد دراسات الأمن القوميّ الإسرائيليّ.
المصدر: رأي اليوم