عبد الباري عطوان
لندع التحليل السياسيّ جانبًا، ونتحدّث عن الانتصار الكبير الذي حقّقته كتائب المُقاومة الفِلسطينيّة صباح اليوم السبت من خلال مهرجانها السياسيّ والعسكريّ الذي أقامته في ميدان فِلسطين وسط مدينة غزة، بحُضور الآلاف لتوثيق عمليّة إطلاق سراح أربع مُجنّدات أسيرات تطبيقًا للمرحلةِ الأُولى من صفقة التّبادل وأمام عدسات تلفزيونات عالميّة.
***
عُروض عسكريّة لكتائب القسّام (حماس) وسرايا القدس (الجهاد) في عدّة ميادين في المُدُن الصّامدة وفي منصّةٍ خاصّة أُقيمت على عجل، بحراسة مئات المُسلّحين المُلثّمين بملابسٍ جديدةٍ أنيقة، ولافتات تُشكّل تحدّيًا للاحتلال الإسرائيلي، وتأكيدًا للرّوح المعنويّة العالية، ومُواصلة للجهاد أبرزها تقول “الصهيونيّة لن تنتصر”، وأُخرى تُلخّص الانتصار التاريخيّ الأكبر “طُوفان الاقصى ثورة على الظّلم والإجرام الصّهيوني” في تَحَدٍّ استفزازيٍّ مقصودٍ للعدو.
والأجمل من كُل هذا وذلك وصول الأسيرات الأربع إلى منصّة “التّسليم” المُكلّلة بأعلامِ فِلسطين، بملابسهنّ العسكريّة الجديدة، والابتسامة على وجهوهنّ، وبصحّةٍ جيّدة، حتّى أن انتشرت صورة على وسائل التواصل الاجتماعي لإحدى الأسيرات المُفرج عنهن وهي تُقبّل رأس أحد حُرّاسها “وداعًا” أمام الكاميرات العالميّة، عُرفانًا بجميلِ المُعاملة الإنسانيّة الرّائعة التي تمتّعت بها، وزميلاتها، أثناء فترة الأسر التي استمرّت لأكثر من 15 شهرًا.
تنظيمٌ راق وحضاري لمُناسبةٍ مُتميّزة، لا تُنجزه إلّا دولة مُتحضّرة كُبرى، وليس فصائل مُقاومة كانت تخوض معارك بُطوليّة ضدّ عدوٍّ مدعومٍ من قِوى عالميّة كُبرى برئاسة دولة الإرهاب الأعظم أمريكا، ووسط حصارٍ تجويعيٍّ، وحرب إبادة، وتطهيرٍ عِرقيٍّ، ومُراقبة بالطّائرات الحديثة على مدى 24 ساعة، وأجهزة رصد وتنصّت تكنولوجي مُتطوّرٌ جدًّا، إنّها قمّة الشّجاعة والبُطولة والإعجاز.
السُّؤال الكبير الذي يتردّد بقوّةٍ الآن، وسيتردّد في المُستقبل هو: كيف نجحت هذه الفصائل المُؤمنة في خديعة هذه الأجهزة الإسرائيليّة وإبطال مفعولها، وإخفاء هؤلاء الأسرى عن عُيونها، ومن يُديرونها طِوال فترة الأسْر؟ ولماذا تخرج الأسيرات مُبتسمات، ويحرصن على توديعِ حُرّاسهن على الملأ؟
إنها عُقولٌ جبّارة، وقيادة وكوادر على درجةٍ عاليةٍ من الدّهاء، والقُدرة العالية على إدارة المشهد، واغلاق كُلّ الأبواب والنّوافذ أمام جميع مُحاولات الاختراق التجسّسي، وما أكثرها، ومن قِبَلِ عدوٍّ يتباهى بغطرسةٍ بإمكانيّاته المُتقدّمة جدًّا، وإنجازاته الكبيرة في هذا المِضمار، وتسويقها إلى مُختلفِ المؤسّسات الأمنيّة في العالمِ بأسْرِه، وجني المِليارات من هذه التّجارة.
***
إنها هزيمة ثلاثيّة استخباريّة، وعسكريّة، وأخلاقيّة، لدولة الاحتلال الإسرائيلي على أيدي الرّجال الرّجال، ستُدرّس في الأكاديميّات العسكريّة والأمنيّة في مُختلف أنحاء العالم، وسيتم نقلها حتمًا إلى الدّول الصّديقة والشّقيقة التي ستحتاجها في مُواجهة الغطرسة الاستعماريّة الغربيّة المُتصاعدة هذه الأيّام.
كمُواطن عربي مُسلم، شعرت بالفخر وأنا أُتابع هذا المهرجان العظيم عبر شاشة التّلفزة، بعينين تترغرغان بدُموعِ الفرح والانبِهار، نعم الصهيونيّة لن تنتصر، وكُلّ الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة دون استثناء ستتحرّر، وسيكون هُناك أكثر من “طوفان أقصى”، وليس في فِلسطين فقط، وإنّما في أكثر من دولة عربيّة وإسلاميّة، فقطاع غزة مُجرّد نقطة انطلاق “ربانيّة” أُولى.
وفي الختام نقول إنها قمّة العار أن تُقدم قوّات أمن سُلطة رام الله العميلة على نزع أعلام حركتيّ حماس والجهاد الإسلامي من أيدي أهالي المُحتَفِلين بالإفراج عن أكثر من 200 أسير من سُجون الاحتلال تطبيقًا لاتّفاق التّبادل كأحد ثِمار هذا الطُّوفان العظيم.
من حرّر الأسرى وبيّض سُجون الاحتلال هُم من يُمثّلون الشّعب الفِلسطيني ويُقدّمون الشّهداء لاستعادة حُقوقه وأرضه وكرامته، أمّا هؤلاء فمكانهم مع نتنياهو والصّهاينة الآخرين في مزابلِ التّاريخ.. والأيّام بيننا.
المصدر:رأي اليوم