عبد الباري عطوان
ما يميز المقاومة الفلسطينية، سواء في قطاع غزة او في الضفة الغربية، هو مرونتها، وقدرتها على التأقلم، مع كل الظروف القتالية، وتطويرها استراتيجيات “مواجهة” جديدة مع القوات الإسرائيلية المحتلة، وإفشال حرب بنيامين نتنياهو الاستنزافية لإجبارها على الاستسلام.
نجاح كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة “حماس” في قتل خمسة جنود إسرائيليين طعنا بالسكاكين واغتنام أسلحتهم في مواجهات وكمائن شمال قطاع غزة يوم امس السبت تعكس أحد فصول الاستراتيجية الآنفة الذكر، الأمر الذي يؤكد ان المقاومة ما زالت موجودة في المنطقة التي يريد جيش الاحتلال تفريغها من سكانها وانهاء وجودها العسكري، وخاصة في مخيمي جباليا وبيت لاهيا، تمهيدا لإقامة مستوطنات على ارضهما.
***
لا نجادل مطلقا بوجود بعض الصحة لتقارير بعض المحليين العسكريين الإسرائيليين التي تفسر لجوء عناصر المقاومة للسلاح الأبيض، والعمليات الاستشهادية في مواجهة الجنود الإسرائيليين، لوجود نقص في الأسلحة والذخائر لدى مقاتلي المقاومة وكتائبها، وهذا امر متوقع جزئيا لانخراط الكتائب الفلسطينية في حرب شرسة على مدى 15 شهرا ضد خامس أقوى جيش في العام ومدعوم من أمريكا القوة العظمى وكل الدول الأوروبية الأخرى.
فاذا كانت ترسانات العدو الإسرائيلي المتخمة بالأسلحة الحديثة والمتطورة واجهت عجزا كبيرا في الذخائر والمعدات العسكرية اضطرها اللجوء الى واشنطن لتعويضها، فمن الطبيعي ان تنفذ بعض الذخائر في خزائن كتائب “القسام” و”سرايا القدس”، مع فارق كبير وأساسي، وهو ان جيش الاحتلال اغلق كل المنافذ في القطاع برا وبحرا، باحتلاله لمحور صلاح الدين على الحدود مع مصر، وتشديد الحصار البحري، وتكثيف القصف على مخازن الأسلحة ومعامل تصنيعها طوال الأشهر الماضية دون توقف.
المقاومة البطولية في قطاع غزة لن تستسلم، وترفع الرايات البيضاء مثلما يحلم نتنياهو، فعندما هزمت قوات الاحتلال ومرمغت أنف ارييل شارون رئيس الوزراء في حينها، وأجبرته على تجرع كأس سم الهروب من القطاع، وسحب جميع مستوطنيه في ليلة “ليس فيها قمر”، لم تكن المقاومة تملك الصواريخ، ولا المسيّرات والأسلحة الحديثة الموجودة في مخازنها، فالإرادة التي حققت هذا النصر ما زالت موجودة، وأقوى من مثيلتها عام 2005.
هناك “أربعة أسلحة” قوية في يد المقاومة في قطاع غزة سيتم توظيفها وتطويرها في الأيام والاشهر القليلة القادمة للمرحلة الثانية من المواجهة:
الأول: الأحزمة الناسفة وتطويرها التي يمكن تصنيعها بسهولة للانتقال الى الهجمات الاستشهادية ومن مسافة صفر، وهذه الاحزمة أعطت مفعولها وحققت نتائج أرعبت جيش الاحتلال خاصة في الضفة الغربية المحتلة في الفترة من 1991 وحتى عام 1996.
الثاني: تكثيف العمليات الاستشهادية مجددا في القطاع، ونقلها الى الضفة الغربية، وهناك مؤشرات قوية في هذا المضمار أولها توزيع اكثر من 7000 قطعة سلاح على المستوطنين في الفترة الأخيرة.
الثالث: انضمام عشرات الآلاف من شباب القطاع الى فصائل المقاومة واستعدادهم للشهادة في ميادين القتال، بدلا من الشهادة في خيامهم بالقصف الإسرائيلي في إطار حرب الإبادة التي يمارسها نتنياهو بشكل مكثف هذه الأيام في القطاع.
الرابع: اللجوء الى تقنين استخدام السلاح، واللجوء الى خطط تفخيخ المنازل، وتطوير صناعة الأحزمة الناسفة والسلاح الأبيض، وقذائف مدفعية الهاون، ومواجهة الاحتلال من المسافة صفر، والمقاومة بكل الوسائل.
***
لجوء المقاومة الى السلاح الأبيض، والأحزمة الناسفة، في مواجهة عدو يتفنن في قتل الأطفال وحرقهم وأهلهم في مخيمات النزوح، وتجويعهم حتى الشهادة، وصمة عار في تاريخ البشرية، والأمتين العربية والإسلامية وحكوماتها وقادتها وجنرالات جيوشها التي جرى انفاق مئات المليارات على تسليحها، وانا لا استثني أحدا.
الدول المجاورة للقطاع والضفة الغربية التي لا تقف موقف المتفرج فقط، بل المتواطئ أيضا، ونحن نتحدث هنا عن مصر والأردن، اللتين تغلقان الحدود، ولا تمنعان الأسلحة فقط، وانما الغذاء والدواء أيضا، حكومات هذه الدول تتحمل “الاثم الأكبر” الذي لن يغفره لهما الله جل وعلا والتاريخ.
المقاومة في القطاع والضفة ستنتصر حتما مثلما انتصرت الانتفاضتان الأولى والثانية، ورجالها وحاضنتها الشعبية الوطنية مستمرون فيها ومواصلة السير رغم ضخامة التضحيات، وحالة الخذلان العربية والإسلامية.
ختاما، نجد لزاما علينا تقديم الشكر والعرفان بالجميل للساحة اليمنية الوحيدة الباقية التي تقف في خندق المقاومين في الضفة والقطاع، ولم يتوقف رجالها الشرفاء عن اطلاق المسيّرات، والصواريخ فرط صوت، لقصف يافا وتل ابيب وام الرشراش، وكل السفن وحاملات الطائرات الامريكية والبريطانية ثأرا للشهداء، وتضامنا مع الصامدين الاحياء، رغم القصف السجادي للعدوان الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي البريطاني للعاصمة صنعاء وميناء الحديدية، حيث عانق الدم اليمني الطاهر دماء اشقائه في القطاع والضفة، والأمر المؤكد ان هذه المواقف البطولية لأهلنا في اليمن سيتم حفظها في اكثر صفحات التاريخ شجاعة وشرفا وكرامة.
المصدر: رأي اليوم