نشرت صحيفة “أوبزيرفر” افتتاحية دعت فيها الغرب لتجنّب إملاء الشروط وفرض الأحداث على حكومة أحمد الشرع، المعروف سابقاً بأبي محمد الجولاني، قائلة إن التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة كثيرة ومعقدة وشاقة. ففي نهاية المطاف، ينتهي صراعٌ ويبدأ صراع آخر، وتؤدي الثورة إلى ثورة مضادة.
وتأتي مع الثورة الآمال، ثم تخفت، ويخيب الأمل. فهل هذا ما يحمله المستقبل لسوريا، في أعقاب الإطاحة المفاجئة بنظام بشار الأسد البغيض، في نهاية الأسبوع الماضي، حيث ساد جو من النشوة؟ وبعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب الأهلية، وأكثر من خمسين عاماً من الديكتاتورية القمعية، كانت رائحة الحرية مدوخة.
فقد احتفل الشعب السوري بأعداد هائلة بتحريره في الشوارع، وتم إسقاط وتحطيم تماثيل الأسد ووالده حافظ، التي كانت بمثابة نصب تذكارية بلا حياة.
فمن ذا الذي سيحرمهم من هذه اللحظات من الفرح الحي؟ إن انتصارهم هو انتصار لكل من يحب الحرية، تقول الصحيفة. فالنشوة تحمل في طياتها قلقاً كبيراً، لأن التحديات التي تواجه البلد عدة ومعقدة، وللكثير من المواطنين، فإن أهم أولوية هي العثور على ما حدث لأقاربهم المفقودين وأصدقائهم الذين تعرضوا للتغييب القسري.
وتجمعت أعداد كبيرة خارج سجن صيدنايا وغيره من “مسالخ” النظام السابق تريد معرفة أخبار عن الأعزاء، سواء كانوا أحياء أم أمواتاً. وربما قُتل أكثر من نصف مليون سوري في الحرب الأهلية، مع أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعتقد أن العدد قد يكون 100,000 مات معظمهم تحت التعذيب. وكان واحداً منهم مازن حمادة، الذي تحدى النظام علانية وعُثر على جسده المحطم في صيدنايا.
وسيكون من الصعب احتواء الرغبات القوية للانتقام. فهي تعكس رغبة أوسع في المحاسبة الوطنية، وتحقيق العدالة والمساءلة. ولا بد أن تسلّم روسيا الأسد الذي يرتجف في موسكو. فقد جمعت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا وغيرها من الهيئات أدلة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الهجمات الموثقة بالأسلحة الكيميائية، منذ عام 2011.
وعليه، لا بد أن يُحاكم الأسد دون تأخير، ويفضل أن تقوم بهذا “المحكمة الجنائية الدولية”. وينطبق الشيء نفسه على كبار المسؤولين في النظام، فقد تم تحديد هوية نحو 4000 من الجناة.
ويعتمد تماسك سوريا في المستقبل إلى حد كبير على تقديم كل المذنبين إلى العدالة، دون استثناءات. وتضيف الصحيفة أن عدم الاستقرار السياسي يظل مصدر قلق كبير. وحتى الآن، أعطت “هيئة تحرير الشام”، الميليشيا التي ارتبطت سابقاً بتنظيم “القاعدة”، والتي قادت الهجوم على الأسد، الرسائل الصحيحة.
وتشمل هذه التعهدات التي قطعها زعيمها أحمد الشرع بحماية التعددية الدينية واحترام حقوق الأقليات وإصلاح أجهزة الأمن البغيضة والسماح للأمم المتحدة القيام بعمليات تفتيش لمواقع الأسلحة الكيميائية المشتبه بها. ومن المتوقع أن تحكم حكومة انتقالية لمدة ثلاثة أشهر. وبعد ذلك، من المأمول أن تتحرك سوريا نحو نظام ديمقراطي قائم على الانتخابات.
ومن الواضح أن كثيراً من الأمور قد تسوء. وبدأت الانتقادات بالفعل للإدارة الجديدة وأن الذين يهيمنون عليها هم الإسلاميون، وأنها تفتقر إلى التنوع.
وقالت الصحيفة إن الوضع الأمني يشكل صداعاً هائلاً. ورغم أن المعركة ضد الأسد قد انتهت بالانتصار، إلا أنها تشير إلى معركة أخرى تدور رحاها في الشمال بين القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والجيش الوطني السوري، وهو مجموعة متنوعة من الميليشيات التي ترعاها تركيا.
وقد نزح عشرات الآلاف من الناس حديثاً. ويحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توسيع منطقة عازلة للدفاع ضد ما يصفه بالتهديد “الإرهابي” الكردي. ويحاول رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو القيام بشيء مماثل على طول الحدود السورية اللبنانية الإسرائيلية. وتواصل إسرائيل الهجمات الجوية اليومية، واحتلت بشكل غير قانوني الأراضي السورية.
ويقول نتنياهو إن هذا يهدف إلى ردع “هيئة تحرير الشام”، التي لا تزال محظورة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا كمنظمة إرهابية. وفي الوقت نفسه، تجوب العديد من الجماعات المسلحة بكثافة ذات الولاءات غير المؤكدة والحسابات القديمة التي يتعين تسويتها في الشرق والجنوب غير الخاضعين للحكم.
وحذرت الصحيفة من إمكانية عودة تنظيم “الدولة الإسلامية”، مع أن آلافاً من الجهاديين اعتُقلوا في مراكز اعتقال بالصحراء يشرف عليها الأكراد، ولو قام هؤلاء بهروب جماعي فستكون هناك كارثة. وتحاول إيران وروسيا، حليفتا الأسد، تأمين ولو مكسب إستراتيجي متواضع. وتحاول موسكو توقيع صفقة بشأن قواعدها العسكرية على البحر المتوسط، أما النظام الإيراني فإنه يواجه انتقادات محلية بسبب استثماراته الكبيرة في النظام السابق، إلا أن جماعاته المسلحة ستحاول استغلال نقاط ضعف النظام.
وتقول الصحيفة إن حكام سوريا الجدد يواجهون العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وليس أقلها عودة ملايين المهجرين. فقد تم تهجير حوالي 12 مليون سوري، أي نصف السكان تقريباً. أضف إلى هذا التحديات الإنسانية.
وقال برنامج الغذاء العالمي، إن هناك 3 ملايين سوري يعانون من نقص المواد الغذائية، هذا قبل سقوط نظام الأسد.
ومدن سوريا وبلداتها مثل اقتصادها مدمرة، وفي العام الماضي كانت قيمة الليرة السورية إلى الدولار الأمريكي بنسبة 141%.
وتعلق الصحيفة أن سقوط الأسد فاجأ العالم، وبات مستقبل سوريا معلقاً في الهواء، فماذا على المجتمع الدولي عمله؟ وتجيب أن الدول الغربية تؤكد على التحول الديمقراطي والشمولي واحترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية. وفي ما إن كان الشرع سيلبي توقعاتهم أو حتى يريد ذلك، فهو أمر غير معروف. إلا أن المسارعة في المشاركة أمر مهم جداً.
وعقدت جامعة الدول العربية وتركيا والولايات المتحدة ومجموعة الدول السبع الكبرى محادثات طارئة في الأردن حول أفضل السبل للتعامل مع هذا الواقع الجديد. وترى أن أفضل شيء يمكن لأنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي عمله هو مد اليد وبحذر للحكام الجدد بدون إملاءات، وإخبار إسرائيل وتركيا عن جهودهما التي تزعزع الاستقرار.
وعند هذه المرحلة المحورية يجب أن تقود الأمم المتحدة جهود تنسيق المساعدات الدولية. ويجب علينا ألا نضيع هذا النصر أو نهدر هذه الفرصة لإحداث تغيير حقيقي. فبعد سنوات من الفشل أصبح العالم مديناً لسوريا، وحان الوقت للبدء في سداد هذا الدين.
المصدر: القدس العربي