حذّر رجال دين شيعة في العراق، من مخططات تقودها ما يصفونها “دول الاستكبار العالمي” لإجراء تغييرات سياسية في العراق، عبر إثارة الفتن والاضطرابات المجتمعية، من دون الحاجة إلى التدخل العسكري، معتبرين ذلك أبرز أدوات الجيل الرابع من الحروب، وسط مخاوف من مشروع جيوسياسي يجري في المنطقة، لإعادة رسم خريطتها الجديدة.
في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة، يرى إمام وخطيب الجمعة هناك، صدر الدين القبانجي، في الأحداث الجارية في الأراضي السورية بأنها “مؤامرة التغيير السياسي في المنطقة من قبل الاستكبار العالمي الذي يواجه انهيارا داخلياً” في وقتٍ ثمّن فيه “الموقف الصحيح للحكومة العراقية في هذا الأمر على مستوى الدعم الإنساني والدبلوماسي بدون التدخل العسكري”.
أما خطيب وإمام جمعة صلاة الجمعة، في مسجد الكوفة بالنجف أيضاً، التابع للتيار “الصدري” السيد الحسيني، فكشف عن لجوء دول الاستكبار العالمي إلى الجيل الرابع من الحروب للسيطرة على الشعوب.
وقال: “من الأمراض التي تفتك بالمجتمع وتجعله ضعيفًا هشًا هي إثارة الفتن فيه واختلاق النزاعات بين أبنائه بسبب التعصب الجاهلي والأنانية المفرطة، فعندما يفقد البعض القدرة على التعايش السلمي مع من يختلف معهم في الرأي أو المعتقد أو الدين فيعمد إلى إهانتهم وإهانة معتقداتهم وربما محاولة إلحاق الأذى بهم”.
وأضاف: “في عصرنا أصبحت إثارة الفتن والاضطرابات في المجتمع الواحد وسيلة من وسائل دول الاستكبار العالمي للسيطرة على الشعوب، بل أصبحت علامة أساسية لما يسمى في السياسة الشيطانية بالجيل الرابع للحروب، بدل أن تشن حروبًا مباشرة على أي شعب لإخضاعه لهيمنتها الفكرية والاقتصادية والعسكرية”.
وأوضح الحسيني أن “قوى الشيطان تستثمر وجود اختلاف الرأي والمعتقد والقومية في المجتمع الواحد لتفتعل الأزمات وتحرك الصراعات وتصب الزيت على نارها لتحقيق ما تسميه بالتآكل الداخلي أو الذاتي للمجتمع، لتأتي قوى الشيطان لا لحل النزاعات ولا للقضاء على الأزمات وإنما تأتي لإدارتها والتحكم في مساراتها”.
وأشار إلى أن “مخاطر إثارة الفتن أصبحت مضاعفة، فبالإضافة إلى إضعاف النسيج الاجتماعي وزرع الفوضى فإنها تتيح المجال لانقضاض المشاريع الاستعمارية على ذلك المجتمع، وبهذا يكون أهل الفتن مطية للاستكبار العالمي مع أن الإمام علي (عليه السلام) أوصى بأن لا يكون في السلوك أو الكلام أي مساعدة لنماء الفتنة وانتعاشها”.
وأكمل خطيب الكوفة حديثه قائلاً إن “المجتمع كأفراد أو جماعات ليس له الحق في أن يتصدى لقضايا عامة ولا فرض الوصاية على الآخرين، لأن المجتمع بشكل عام لا يمتلك بعد النظر الذي يمكنه من رؤية العواقب، ولا يمتلك الطريقة المثلى في حالات التصدي للقضايا الاجتماعية، خاصة تلك التي تشكل حدودًا ملتهبة بين الأديان أو المذاهب أو الأحزاب”.
وأكد أن “الحق في هذا التصدي منحصر فقط بالحوزة العلمية، فإننا جميعًا اتفقنا ورضينا على أنها القائد للمجتمع وكانت وصية السيد الشهيد الصدر: لا تقولوا قولًا ولا تفعلوا فعلًا إلا بعد مراجعة الحوزة العلمية، من أجل أن ينضبط المجتمع بالحوزة العلمية قيادةً وتوجيهًا لمنع تمزقه وتشتيت طاقته أمام عواصف الفتن ورياح الأزمات”.
يجري ذلك فيما يواصل المسؤولون العراقيون جهودهم الدبلوماسية والعسكرية، لتأمين الحدود المشتركة مع الجارة سوريا، وتدارك أي مخاطر قد تُنتجها التطورات السورية على الداخل العراقي وعموم المنطقة.
ويرى المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، بسقوط نظام الأسد، بأنه انتعاش للعصر الصهيوني في المنطقة.
ويضيف في إيضاح ورد لـ”القدس العربي”، أنه “لو لم تتخل طهران وموسكو، من المستحيل أن نشهد سقوط بشار الأسد” مبيناً أن “سقوط الأسد بمعنى انتعاش العصر الصهيوني بالمنطقة لتحقيق أهدافه ومآربه، لكن سيواجه الرفض من قبل الجميع”.
واستبعد الحكيم “استمرار بقاء حركة تحرير الشام” عازياً السبب في ذلك إلى “كونها تعدّ حركة إخوانية لا تناسب العديد من الدول على رأسها الأردن والسعودية والإمارات ومصر، وإن بقاءهم سيضر بجميع المنطقة”.
وأفاد بأن “إسرائيل لا ترغب بدولة تحكمها مجاميع متطرفة (الجولاني) خطر عليها، لذلك قد نشهد إعادة تجربة السيسي في سوريا”.
في السياق أيضاً، نشر الوزير العراقي السابق، زعيم تحالف “مستقبل العراق” باقر الزبيدي، الأسبوع الماضي، سلسلة أجزاء بحثية حملت عنوان “سوريا في دائرة النار” تناولت التطورات السورية، مشيراً إلى أن إسقاط نظام الأسد وسيطرة الفصائل على الحكم هناك، يمثل مشروعاً لتغيير ديموغرافي في المنطقة.
ويشير الزبيدي إلى أن “حالة من الترقب يعيشها العالم والعراق بالخصوص بعد تجدد الاشتباكات في سوريا وهو ما يهدد الأمن الإقليمي والقومي للعراق والمنطقة”، مبيناً أن “توقيت أحداث سوريا مع إعلان الهدنة في لبنان هو أمر يكشف بوضوح أن المخطط كان جاهزا ومعدا وللكيان الغاصب دور محوري فيه”.
ورأى أن “حلب بالخصوص هي نقطة انطلاق لمشروع بدء بانتهاء معاهدة لوزان وعودة الحلم التركي بضم الولايات التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية (حلب، الموصل، وكركوك)” موضحاً إنه “في عام 1516 أصبحت حلب جزءا من الإمبراطورية العثمانية وسرعان ما أصبحت عاصمة لولاية خاصة بها وبرزت كمركز تجاري بين الشرق وأوروبا”.
وجغرافياً تقع محافظة حلب في الجزء الشمالي من سوريا، وتحدها تركيا من الشمال، ومحافظة الرقة من الشرق، ومحافظة إدلب من الجنوب الغربي.
ومنذ 2012 يحاول عدد من الأطراف السيطرة على حلب بشكل كامل، و “في وقت كانت المجاميع الإرهابية تتمتع بقوة كاملة لكنها فشلت في السيطرة على المدينة” حسب الزبيدي الذي لفت إلى أن هذا الأمر استلزم من الأطراف التي تحاول السيطرة على المدينة اتباع أسلوب جديد يتمثل بـ”توحيد الجماعات المسلحة والتي كانت تتقاتل بينها” وأيضاً “تدريب عناصر الجماعات المسلحة على نمط قتالي حديث وتزويدهم بأسلحة متطورة”، بالإضافة إلى “تزويد عناصر الجماعات الإرهابية بطائرات مسيرة وتدريبهم عليها وهو ما سيكون له أثر كبير في المعارك” و”استخدام حرب إعلامية تهول من قدرات الجماعات الإرهابية وقدرتها على اجتياح الدول”، فضلاً عن “تقديم تنازلات للدول الكبرى والكيان من أجل غض الطرف عن ما يدور في سوريا”.
وأكد أن “مشروع إسقاط سوريا هو مشروع جيو سياسي كبير، ومحاولة لإعادة رسم خريطة المنطقة”.
ووفق الزبيدي فإن الفصائل السورية الحاكمة الآن “رغم الحرب الدائرة بينها منذ سنوات إلا أنها توحدت باسم جديد هو (إدارة العمليات العسكرية) والذي ينقسم إلى قسمين؛ القسم الأول أطلق على نفسه اسم (غرفة عمليات الفتح المبين) والذي يضم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، فيلق الشام، جيش الأحرار، حركة أحرار الشام وجيش العزة، ويتحالف مع الفصائل المذكورة مجموعات أخرى منها الجيش الوطني والجبهة الشامية وحركة نور الدين الزنكي وفصائل الجبهة الوطنية للتحرير”.
أما القسم الثاني، حسب السياسي العراقي، “أطلق على نفسه اسم (غرفة عمليات فجر الحرية) فيضم ما يسمى الجيش الوطني السوري وهو مدعوم بشكل مباشر ومعلن من تركيا، بالإضافة إلى فرقة السلطان مراد وفرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة وجيش الإسلام وفصيل الجبهة الشامية، وهذه التشكيلات تعمل بغطاء تركي وشاركت في عمليات درع الفرات التي كانت تقودها تركيا في 2017″، لافتاً إلى أن “هذه الفصائل هي من قادة عملية غصن الزيتون 2018 والتي انتهت بالسيطرة على مدينة عفرين”.
وأكد أن هذه الفصائل “يصنفها العالم كمجاميع إرهابية منذ سنوات، ورغم ذلك كانت تتحرك منذ سنوات في المنطقة وتجند المقاتلين وتتلقى الأموال والتبرعات تحت سمع وبصر التحالف الدولي”.
وتابع: “يركز الإعلام على العمليات العسكرية في سوريا ويتجاهل أخطر عملية تجري هناك منذ سنوات وهي عملية التغيير الديموغرافي”، لافتاً إلى “محاولات التغيير الديموغرافي التي تطال المناطق التي تتم السيطرة عليها ومحاولة خلق مناطق ذات طيف واحد لتسهيل ضمها فيما بعد”.
واعتبر أن “إعادة إحياء مشروع الإرهاب للضغط على دول معينة في المنطقة سيفشل كما فشل مشروع داعش بفضل فتوى الجهاد الكفائي”، منوهاً بأن “العراق اليوم ليس عراق 2014، والطابور الخامس العميل لمشروع الإرهاب مكشوف ولن يكون له أي تأثير على الجبهة الداخلية”، طبقاً للزبيدي.
مشرق ريسان
المصدر: الوثيقة
http://alwathika.com/article/?t=124320