الكاتب: بشار الشموسي
تشهد سوريا في الآونة الأخيرة تطورات ميدانية خطيرة تثير القلق، وسط مؤشرات على تنسيق غير معلن بين قوى إقليمية ودولية، قد يعيد خلط الأوراق ويؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في المنطقة. هذه التحركات تُنذر بأن سوريا، التي كانت مسرحاً لصراع دموي مستمر منذ أكثر من عقد، قد تدخل مرحلة جديدة من المواجهات، لا سيما مع وجود إشارات واضحة على تحالفات خفية بدأت تتجلى في الخطابات السياسية والميدانية.
التنسيق الخفي بين القوى الكبرى
في الساعات الأخيرة، لوحظت إشارات مُشفّرة في الخطابات الصادرة عن الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. هذه التصريحات تحمل في طياتها رسائل غير مباشرة، تُوحي بوجود تفاهمات ضمنية حول المشهد السوري. فتركيا تسعى لتعزيز نفوذها شمال سوريا، بينما تواصل إسرائيل تنفيذ ضربات جوية مكثفة ضد مواقع الجيش السوري وحلفائه، في إطار سعيها لإضعاف التواجد الإيراني والروسي في المنطقة. الولايات المتحدة، من جهتها، تلعب دوراً غير مباشر من خلال دعم بعض الفصائل المسلحة، ما يعكس تداخل المصالح بين هذه الأطراف.
جبهة النصرة وداعش: تنسيق أم استغلال للفراغ؟
التقارير الميدانية تُشير إلى تحركات مريبة لجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) وداعش، وكأنهما يعملان في إطار خطة واحدة، رغم الخلافات الأيديولوجية بينهما. هذه التحركات تُرجح فرضية وجود دعم خفي من قوى إقليمية ودولية، تُحاول من خلال هذه الجماعات إعادة رسم خارطة السيطرة في الشمال السوري. الفراغات الأمنية التي خلّفتها الضربات الإسرائيلية على مواقع الجيش السوري، أفسحت المجال أمام هذه الجماعات لتحقيق تقدم ميداني ملحوظ في مناطق لم تكن لتسيطر عليها لولا هذا الدعم.
المناطق الاستراتيجية على خط النار
المعركة اليوم ليست مجرد مواجهات ميدانية؛ بل هي صراع على مناطق استراتيجية تمثل مفاتيح السيطرة على سوريا:
• إدلب: آخر معاقل المعارضة المسلحة، والسيطرة عليها تعني التحكم في الشمال.
• حلب: مدينة ذات أهمية اقتصادية وجغرافية، ومركز ثقل في أي معادلة سياسية.
• الحسكة: منطقة غنية بالموارد، وتمثل نقطة التقاء المصالح بين الأكراد والقوى الإقليمية.
طريق M5، الذي يُعتبر شرياناً لوجستياً مهماً، أصبح هدفاً استراتيجياً لأي عملية عسكرية قادمة. السيطرة عليه تعني التحكم في خطوط الإمداد، وبالتالي في مسار المعارك القادمة.
هل تتجه سوريا نحو مواجهة كبرى؟
التطورات الأخيرة تُنذر بأن سوريا قد تكون على أعتاب مواجهة واسعة، قد تُشارك فيها قوى دولية وإقليمية بشكل مباشر. إذا ما قررت الفصائل المدعومة من تركيا والولايات المتحدة شن هجوم باتجاه دمشق، فهذا سيضع روسيا وإيران في موقف لا يُحسدان عليه، إذ ستجدان نفسيهما مضطرتين للتدخل بقوة لمنع انهيار النظام السوري، والحفاظ على مكاسبهما الاستراتيجية.
العراق في دائرة الخطر
الأحداث في سوريا ليست بمعزل عن العراق؛ فداعش، الذي لا يزال يُشكل تهديداً حقيقياً، قد يستغل الفوضى في سوريا لإعادة ترتيب صفوفه والتوجه نحو الموصل، ضمن خطة أوسع تهدف إلى تحقيق مشروع “الشرق الأوسط الجديد”. هذه التحركات تُشير إلى أن الخطر القادم لن يكون مقتصراً على سوريا فحسب، بل قد يمتد ليشمل العراق أيضاً.
ختاماً:
سوريا تقف اليوم على مفترق طرق خطير، حيث تتشابك مصالح القوى الكبرى، وتتصاعد المواجهات بين الأطراف المتصارعة. التحالفات السرية، والتحركات الميدانية، تُوحي بأن القادم قد يكون أعنف وأخطر، ما يستدعي من الجميع قراءة المشهد بدقة، والاستعداد لمرحلة قد تُعيد رسم خارطة المنطقة بأكملها.