بعد فشلها في العديد من السيناريوهات للسيطرة على قطاع غزة، ومع إصرار الفلسطينيين على البقاء في أرضهم، تعمل إسرائيل على مخطط جديد يقسم القطاع إلى 4 مناطق منفصلة، ويربطه مراقبون بما يُعرف باسم “خطة الفقاعات”.
ففي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كشف تقريرٌ لصحيفة “هآرتس” العبرية الخاصة أن “صور أقمار اصطناعية، ومصادر مطلعة أظهرت تخطيط الجيش الإسرائيلي لتقسيم غزة إلى 4 مناطق منفصلة عن بعضها البعض”.
ويعود الكشف عن هذه الخطة إلى تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في يونيو/ حزيران الماضي، أوضح أن الهدف منها إنشاء مناطق منفصلة عن بعضها يمكن العيش فيها، ويسهل السيطرة عليها، وتضم فلسطينيين غير مرتبطين بحركة “حماس”.
فيما لم تعلن إسرائيل بعد رسمياً عن “خطة الفقاعات” المذكورة.
وفي ما يبدو وكأنه ضمن الخطة ذاتها، بدأ الجيش الإسرائيلي، في 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عملية برية واسعة في محافظة شمال غزة، بزعم “منع حركة حماس من استعادة قوتها هناك”، وكشفت وسائل إعلام عبرية لاحقاً أنه يسعى لفصل الشمال عن محافظة غزة، وعدم السماح بعودة النازحين.
ويتشكّل قطاع غزة من خمس محافظات، هي: رفح، وخان يونس، والوسطى، وغزة، وشمال غزة (من الجنوب إلى الشمال).
خطة الفقاعات
تقرير “هآرتس” أشار إلى أن “الجيش الإسرائيلي يقوم بهدم ممنهج للمباني المتبقية في القطاع، وأن المواقع التي يبنيها هناك لن تكون مؤقتة لشهر أو شهرين”، بل لوجود “قد يمتد حتى عام 2026″، وفقاً لضابط إسرائيلي يخدم في غزة.
وأضاف التقرير أن الجيش، بموجب الخطة التي ينفذها، يسعى إلى السيطرة الفعلية على 4 مناطق واسعة في مختلف أنحاء القطاع؛ حيث ستكون المنطقة الأولى شمال القطاع بعد إفراغها من سكانها وتحويلها إلى جيب عسكري.
أما المنطقة الثانية، حسب “هآرتس”، فهي محور نتساريم، الذي يفصل وسط وجنوب القطاع عن شماله، وهو ليس مجرد طريق محدود، بل أصبح بعرض 5 – 6 كيلومترات، وبطول 7 كيلومترات، يقطع قطاع غزة من الشرق إلى الغرب.
والمنطقة الثالثة هي الحدود الجنوبية بين غزة ومصر في محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، حيث يهدم الجيش الإسرائيلي أحياء سكنية بالكامل.
والمنطقة الرابعة هي الحدود الشرقية على طول المسافة بين القطاع وإسرائيل، حيث يقيم الجيش، منذ أشهر، منطقة عازلة يتجاوز عرضها، في بعض الأماكن، عدة كيلومترات.
وسيتوزع أكثر من مليوني فلسطيني على شكل فقاعات أو جيوب في المناطق المحدودة المتبقية داخل القطاع، ولن يتمتعوا بحرية التحرك خارج فقاعاتهم بسبب انتشار وسيطرة الجيش الإسرائيلي سواء فعلياً، أو بالنار، وفق الخطة المفترضة.
استغلال المساعدات لتنفيذ الخطة
في 8 نوفمبر الجاري، كشفت الشركة اللوجستية العالمية GDC (أمريكية) أنها “ناقشت مع مسؤولين إسرائيليين استخدام مرتزقة لتأمين وتوزيع المساعدات في محافظة شمال قطاع غزة”.
ويبدو هذا الأمر ضمن خطوات تطبيق “خطة الفقاعات” التي تقترح أيضاً، وفق وثيقة نشرها موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، إقامة مركز لتوزيع مساعدات بمستودع جمركي سابق قرب معبر بيت حانون (شمال)، على أن توكل مهمة حمايته إلى 100 مرتزق وقوة حراسة مكونة من 40 شخصاً.
وفي 22 أكتوبر الماضي، نشر موقع “واي نت” العبري أن الخطة تتضمن كذلك فحوصات بيومترية للفلسطينيين (بصمات الأصابع والعين والصوت) لتلقّي المساعدات، وأن شركة GDC تُجري محادثات مع إسرائيل لإدارة البرنامج.
ويُظهر اعتماد الفحوصات البيومترية رغبة إسرائيلية في ضبط الدخول والخروج من مناطق معينة وتحديد هوية السكان بدقة؛ بما يتوافق مع “خطة الفقاعات”، التي تهدف إلى عزل الفلسطينيين ومراقبتهم ضمن حدود محكمة.
ومع الاجتياح الإسرائيلي لشمال قطاع غزة، خيّمَ شبح مجاعة على المنطقة التي تتعرض لإبادة جماعية وتطهير عرقي، متزامناً مع حصار عسكري مطبق يمنع دخول إمدادات الطعام والمياه إليها.
ولأكثر من مرة، حاولت مؤسسات دولية إدخال مساعدات إلى المحافظة، التي نزح منها أكثر من 100 ألف، وبقي فيها من 75 ألفاً إلى 95 ألفاً، إلا أن إسرائيل منعت ذلك، حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”.
خطط عديدة
ولا تُعد “خطة الفقاعات” السيناريو الإسرائيلي الأول للسيطرة على قطاع غزة، بل هي واحدة من عدة سيناريوهات لم تنجح.
فمنذ بداية حرب الإبادة على غزة، قبل نحو 14 شهراً، رُصدت عدة خطط اقترحتها أطراف مختلفة لإدارة القطاع، وتتضمن تشكيل إدارات محلية، سواء عبر السلطة الفلسطينية، أو العشائر، أو تنصيب إدارة خارجية بمشاركة دول إقليمية.
أقدم هذه الخطط التي حظيت بقبول أمريكي، نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتقوم على تسليم مسؤولية إدارة غزة للسلطة الفلسطينية، بعد تعزيز قدراتها وتشكيل حكومة جديدة وتدريب قواتها الأمنية.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، كشفت قناة “كان” العبرية الرسمية عن خطة أخرى تهدف إلى تقسيم غزة إلى مناطق تديرها العشائر الفلسطينية، حيث تتولى فيها مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية وإدارة الحياة المدنية لفترة مؤقتة (دون تحديد).
الخطة الثالثة، أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير/ شباط الماضي، وتقضي بـ”نزع سلاح” غزة، وإغلاق الحدود مع مصر، وتكليف “عناصر محلية” بالإدارة المدنية.
الخطة الرابعة، تحدثت عنها صحيفة “نيويورك تايمز”، في مايو/ أيار الماضي، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، وتتضمن إشرافاً مشتركاً على غزة بين إسرائيل ودول عربية والولايات المتحدة.
أما الخطة الخامسة، التي عُرفت باسم “خطة الجنرالات”، فكشفها موقع “واي نت” في سبتمبر/ أيلول، وتهدف إلى تحويل منطقة شمال ممر نتساريم (محافظتي غزة والشمال) إلى منطقة عسكرية مغلقة.
فشل جميع هذه الخطط، سواء بسبب صمود الفلسطينيين في غزة، وتمسّكهم بأرضهم، أو عجز إسرائيل عن إدارة القطاع وتحمّل أعبائه، دفعها للبحث عن خيارات لإدارة غير مباشرة.
ويؤكد هذا الاتجاه تحليلٌ صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، في 15 أكتوبر، والذي رفض فكرة إدارة إسرائيل لقطاع غزة، واقترح إدارته “بشكل غير مباشر ومن مسافة بعيدة”.
وأوصى التحليل، الذي أعده العميد احتياط عودي ديكل، والباحثة تمي كانير، بأن “يراقب الجيش الإسرائيلي من الجو حركة القوافل الإنسانية لضمان عدم وصولها إلى حماس”.
وتابع: “يجب على إسرائيل تخصيص مناطق إنسانية محددة لتوزيع المساعدات”، مطالباً بإشراك “ممثلي المنظمات الدولية، والسلطات المحلية في غزة غير التابعة لـ “حماس”، في تشغيل هذه المناطق الإنسانية”.
توقعات لمصير “خطة الفقاعات”
يبدو أن “خطة الفقاعات” تواجه نفس التحديات التي واجهت الخطط السابقة، وذلك بسبب الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة، فضلاً عن اصطدامها بمقاومة الفلسطينيين.
الكاتب الإسرائيلي شموئيل أورنيتز أقرّ بوجود محاولة لفتح فرص تجارية لشركات تعمل في مجال اللوجستيات والأمن بسبب القتل والأزمة الإنسانية الرهيبة التي تخلقها إسرائيل في غزة وتحافظ على استمرارها، والتي يبدو أنها لن تنتهي قريباً.
وأضاف أورنيتز، في تحليل لموقع “روزا ميديا” الإسرائيلي، نُشر في 13 نوفمبر الجاري، أن “الحكومة والجيش يتعاونان مع هذه المحاولة إلى حدّ ما، وتسعى جهات مختلفة لنقل معلوماتها للإعلام، ربما كبالونات اختبار لقياس رد الفعل”.
وبيّن سبب رفضه لهذه الشركات بقوله: إنها “تلعب دوراً خطيراً، فهي تستفيد من الحروب والأزمات الإنسانية، وتخضع لرقابة أقل بكثير من الجيوش، كما أن الارتباط بينها وبين الجهات الحكومية مثير للقلق بشكل خاص”.
من جانبه، قال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، جان إيغلاند، إن “خطة الفقاعات تثير مخاوف بين العاملين في المجال الإنساني من أنها ستعمل كمناطق احتواء عسكرية تشكلت عبر النزوح القسري”.
وحذّر إيغلاند، في 6 نوفمبر، من أن “المناطق التي ستطبق فيها الخطة غالباً ستخضع المساعدات الإنسانية وحرية التنقل للسيطرة السياسية والعسكرية، ما ينتهك المبادئ الإنسانية ويتجاهل حتى الحماية الأساسية للمدنيين”.
كما أن ثبات فصائل المقاومة يمنع تحقيق إسرائيل لأهدافها، وفق ما عبّرت عنه صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية الخاصة، بقولها، في 13 نوفمبر: “رغم رغبة نتنياهو في نهاية ناجحة لحملته، فحماس ليس لديها حافز للقبول بأقل من تحقيق النصر”.
وأضافت الصحيفة، في تحليل لمراسلها لازار بيرمان: “هذا النصر يتمثّل في صفقة لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين؛ ما يعني أن الحركة ستبقى في غزة، وستكون في وضع يسمح لها باستعادة قدراتها العسكرية والحكومية ببطء”.
وتحتجز تل أبيب في سجونها ما لا يقل عن 9 آلاف و500 أسير فلسطيني، وتقدر وجود 101 أسير إسرائيلي في غزة، بينما أعلنت حركة “حماس” مقتل عشرات منهم خلال الغارات الإسرائيلية العشوائية على القطاع.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، خلّفت نحو 147 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، ودماراً هائلاً ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
(الأناضول)
المصدر: القدس العربي
Publisher: Alquds alarabi