الدكة العشائرية أسبابها وعلاجها
د. عمار السلطاني
شاعت الدكة العشائرية بصورة خطرة ولافتة عقب الاحتلال الأميركي عام 2003، في ظل انهيار مؤسسات الدولة العراقية
وفشل الأجهزة الأمنية وغياب السلطة القانونية في البلاد نتيجة الصراع السياسي بين السياسيين وتكالب الأحزاب فيما بينها على المناصب، متناسين دورهم في حماية وحفظ أمن وسلامة المواطن العراقي. إن هذه الظاهرة ليست عراقية ولا عربية ودخيلة، وهناك شبيه لها في قبائل أفريقية تركتها منذ عقود كونها متخلفة.
تتلخص “الدكة العشائرية” بإقدام مسلحين ينتمون لعشيرة على تهديد عائلة من عشيرة أخرى، من خلال عملية إطلاق نار أو إلقاء قنبلة يدوية أحياناً، على منزل المقصود أو بالكاتبة على جدران المنازل ، كتحذير شديد اللهجة لدفعه على الجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف. وتُعطى مهلة 3 أيام للخصم، حتى يأتي ويحتكم لديهم ويذعن لشروطهم. أو أن يهجموا ويقتلوا في قضايا الأخذ بالثأر أو الشجارات والمنازعات المالية والاجتماعية المختلفة. وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف، تتطور الأمور لتؤدي إلى وقوع ضحايا من الطرفين تحدِث الرعب في صفوف المواطنين .
إن «هناك جملة من العوامل التي أدت إلى شيوع ظاهرة الدكة، في مقدمتها توفر كميات الاسلحة الضخمة لدى العشائر»، إضافة إلى ضعف الإجراءات القضائية بشأن الخروقات التي تحصل، خاصة وأن في العراق قانونًا نافذًا وهو قانون الأسلحة الذي يعاقب حامل السلاح غير المرخص بالسجن لمدة سنة مع غرامة».
إن “ضعف القانون” هو السبب للجوء إلى الأعراف العشائرية لتسوية الخلافات، معتبرا أن “المجتمع أصبح اليوم أشبه بالغابة، لذا يلجأ المواطن إلى العشيرة” لإحقاق العدالة. ونلفت إلى أن «القيادات الأمنية بمجملها غير مهنية، وهي تتواطأ مع العشائر، لأن بعضها بالفعل تابع للعشائر أو ينحدر في الأصل منها، وهو ما يعني عدم إمكانية اعتقال المخالفين لقانون الارهاب، حيث سيتعرض الضابط والمنتسب إلى الخطر، في ظل انتشار السلاح والفوضى”. وأن المجاملات لدى بعض عناصر الأجهزة الأمنية تمنع تنفيذ هذا القانون، لذا نؤكد على ضرورة وضع حد لمسألة المجاملات، وإرسال قوة يكون أفرادها من محافظات أخرى لتنفيذ أوامر القبض الصادرة.
إن الأسباب التي دفعت بمجلس القضاء الأعلى باعتبار (الدكة العشائرية) عملاً إرهابياً جاء لتنامي هذه الحالات في عموم العراق فتم تشديد العقاب من أجل تحقيق الردع العام للناس والامتناع عن مثل هذه العادات التي توحي بعدم الاستقرار الأمني في البلد وتوحي أيضاً بضعف تطبيق القانون وضعف الأجهزة الأمنية والحكومية وبالتالي يمكن الحد من الحالات من خلال فرض عقوبات شديدة بوصفها أعمالاً إرهابية في قانون مكافحة الإرهاب كما أنها جرائم مخلة بالشرف.
إن «(الدكة) أو من يعمد إلى ضرب بيت أو استهدافه، يعد شروعاً بالقتل يعاقب عليه القانون وفق المادتين 430 و 406 وعقوبته تصل إلى السجن لمدة سبع سنوات، لذلك فإن العراق بحاجة إلى تشريع قانون خاص بالنزاعات العشائرية ويدخله ضمن الجرائم الارهابية». كما ندعو إلى إنشاء محاكم مختصة بالقضايا العشائرية، لمقاضاة من يقوم بـ «الدكة العشائرية» ومعاقبته بتهمة الشروع بالقتل.
أن جميع الافعال الارهابية المرتكبة بباعث إرهابي تخضع لقانون مكافحة الارهاب وليس لقانون العقوبات النافذ، وأن التوجه الأخير لمجلس القضاء الأعلى باعتبار (الدكة العشائرية) عملاً إرهابياً يستند للمادة (2)على اعتبار أن هذا العمل فيه نوع من الفزع والرعب للناس، حيث أن المادة( 2 )الفقرة( 1 ) تنص على ارتكاب هذه الاعمال بقصد الفزع للناس وخاصة إذا كان هذا العمل مقترناً بالسلاح ينطبق عليها وصف العمل الارهابي وبالتالي يسري على الأعمال الإرهابية .
إن التقارير الواردة إلى مجلس القضاء الاعلى أكدت انحسار هذه الظاهرة الجرمية بشكل ملحوظ بعد صدور قرار مجلس القضاء الأعلى باعتبار هذا العمل إرهاباً، و إن هذا الإجراء يشجع المواطن المجنى عليه على تحريك الشكاوى دون تردد أو خوف من التهديدات إضافة إلى قيام المواطنين فعلياً بتقديم شهاداتهم بصورة طبيعية ما أنتج إجراءات تحقيقية سريعة لإحالة لهذا الدعاوى إلى المحاكم المتخصصة، وأن القرار أعطى لأفراد الأجهزة الأمنية القوة الكافية لفرض القانون على أيٍّ كان وأبعدهم عن كل الضغوطات التي تقع عليهم من بعض “دخلاء العشائر” كما يعد القانون خطوة مهمة وضرورية باتجاه تثبيت سلطة القانون فوق كل المسميات في طريق بناء دولة المؤسسات. ونرى ، أن «قضية الدكات تتطلب وقتًا للقضاء عليها بشكل نهائي، ولا يمكن لقرار أن ينهي كل شيء»، حيث أن «الإجراءات الأخيرة من الجهات التنفيذية، سيكون لها الأثر الكبير في الحد من هذه المسألة التي باتت تهدد المجتمع العراقي بشكل كبير».
المدى |