حرب “غاز المتوسط” .. تشعل الشرق الأوسط !

بعد أعوام من كف الحديث عنه، عاد بقوة “غاز البحر المتوسط” ليتصدر الجدل في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بعدما تأكد حجم احتياطات الحقول الواقعة في نطاق عدد من الدول المطلة عليه.. وما بين مؤيد ومعارض لاتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر الموقعة بين الطرفين، في شباط/فبراير 2018، بقيمة 15 مليار دولار في مدة زمنية تقدر بـ 10 سنوات، أربك غياب المعلومات المشهد بعض الوقت، ما تسبب في طرح عدد من الأسئلة حول “غاز المتوسط” !

لبنان يهدد بقصف حقول إسرائيل وتركيا تتحرش بقبرص..

لماذا وقعت شركة “مصرية” عقداً لاستيراد الغاز من “إسرائيل”.. ولماذا يهدد “الجنوب اللبناني” بقصف آبار وحقول النفط والغاز الإسرائيلية بالتزامن مع الإعلان عن تلك الاتفاقية.. ؟

ولماذا ترسل “تركيا” بسفن وأسطول بحري إلى “السواحل القبرصية”، وترسل كذلك “إيطاليا” فرقاطة بحرية إلى ذات المنطقة ؟!

هل يشتعل صراع الغاز في المتوسط ؟

فما الأسباب التي قد تكون، وفق ما ذكر بعض المحللين، فتيل حرب على وشك الإشتعال بسبب الغاز في البحر المتوسط ؟

القضية من بدايتها.. تبدأ من “قبرص” التي تنقسم إلى قسمين، قبرص اليونانية وقبرص التركية.. ومع بدء قبرص اليونانية التنقيب عن الغاز في شمال البحر المتوسط، سارع الجانب التركي إلى الإعلان بأن “تركيا” لها حق واضح في تلك الحقول وفي عمليات التنقيب، وأنه لا يمكن إغفال هذا الحق !

فثمة خلافات وقعت بين “قبرص” و”تركيا”؛ التي قامت من جانبها بإرسال القوات البحرية الخاصة بها إلى هذه المنطقة بحجة إجراء مناورات عسكرية..

إيطاليا تدخل على الخط..

لأن من يملك حق الإستكشافات في تلك المنطقة هي، شركة “إيني” الإيطالية، قامت “إيطاليا” بإرسال سفينة حربية، لكن مع تعليمات واضحة بعدم المواجهة بين السفن الإيطالية والسفن التركية..

إسرائيل تستبدل تركيا بمصر..

بالحديث عن “إسرائيل” وعلاقتها بتلك القضية، نجد أن إسرائيل تمتلك حقلين كبيرين، الأول يسمى، “تامار”، والآخر يسمى، “ليفاياثان”، وهي ترغب في تصدير ما تمتلك من غاز إلى أوروبا !

كان هناك اتفاقية بين إسرائيل من جانب وتركيا من جانب آخر بالتصدير عبر تركيا، ليمر بعد ذلك الغاز إلى أوروبا، لكن ما حدث أن هناك خلافات سياسية كبيرة بين إسرائيل والرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، فضلاً عن أن الأزمة الأخيرة بين قبرص وتركيا حالت دون تنفيذ هذا الاتفاق.

حقول مصر لا ينازعها فيها أحد..

أصبحت إسرائيل أمام خيارين، الأول أن تذهب من خلال البحر المتوسط بخط أنابيب إلى اليونان ومن ثم التصدير إلى أوروبا عبر اليونان، والخيار الثاني أن تلجأ إلى مصر.

مصر الدولة الوحيدة التي لا ينازعها أحد على المياه الإقليمية وحقولها من الغاز في هذه المنطقة..

الإستعانة بما شُيد في عهد “مبارك”..

لذا قررت إسرائيل أن تقوم بتصدير الغاز إلى مصر، وبعد ذلك يتم إسالة هذا الغاز في مصر من خلال مصنعين متعطلين عن الإنتاج موجودين في الأراضي المصرية، وبعدها يتم نقل هذا الغاز عبر الوسائل البحرية ومن خلال قناة السويس.. إلى أوروبا وآسيا كذلك !

مركز إقليمي للطاقة..

مصر بدورها، منذ فترة، أعلنت أنها تحاول أن تتحول إلى مركز إقليمي للغاز في الشرق الأوسط، وبالتالي ووفق خبراء في الطاقة، فإن تلك الاتفاقية لن تكون الأخيرة، فبعد إسرائيل ستعمل قبرص هي الأخرى على تسييل غازها في مصر وتصديره، إذ إنها لن تستطيع أن تفعل ذلك بمفردها بسبب الخلافات مع تركيا.

هنا تأتي مصر كأكبر المستفيدين، خاصة أن حقل “ظُهر” المصري هو أكبر الحقول في هذه المنطقة، بل أكبر الحقول في البحر المتوسط، ومن المتوقع كذلك أن تبدأ مصر في تصدير الغاز بحلول عام 2020، وأن تكتفي ذاتياً من الغاز الطبيعي وهو ما سيوفر على الموازنة المصرية نحو مليار دولار سنوياً، “17 مليار و800 مليون جنيه مصري تقريباً”.

لبنان بدأ التنقيب ويتوعد إسرائيل..

لم ينته الجدل هنا، فإذا نظرنا إلى لبنان نجده هو الآخر بدأ مؤخراً عمليات التنقيب عن الغاز، فلبنان يرى أن له حدوداً جنوبية في البحر المتوسط من حقه إستخراج الغاز منها، بينما ترى إسرائيل أن ذاك الشريط الحدودي وما يواجهه من مياه إقليمية هو حق لها دون غيرها..

لبنان بدأ بالتنقيب بالفعل في تلك المنطقة المتنازع عليها، وإسرائيل من جانبها قالت، بكل وضوح إن أعمال التنقيب اللبنانية تمثل إستفزازاً لإسرائيل وأن لديها الحق الكامل في تلك المنطقة، وبناء على ذلك طلبت من جميع الشركات الدولية عدم التنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان.

ليأتي الرد سريعاً من الجنوب اللبناني ومن “حزب الله”، الذي هدد باستهداف حقول الغاز الكبيرة الخاصة بإسرائيل في البحر المتوسط، “تامار وليفاياثان” !

غضب مكتوم قد ينفجر في أي لحظة..

بنظرة عامة على غاز البحر المتوسط، سنجد أننا أمام حالة من الإشتباك، غير المعلن حتى اللحظة، وأن ثمة غضب مكتوب قد ينفجر في أي لحظة حفاظاً على مصالح كل دولة وتحالفاتها من عائدات الغاز !

فمن جانب؛ نجد “تركيا” وسفنها الحربية تقترب من مياه “قبرص” الإقليمية، وهنا ستتدخل “اليونان” إذا ما وقعت مواجهة بين تركيا وقبرص، و”مصر” كذلك لن تقف مكتوفة الأيدي؛ فبين ثلاثتهم اتفاقية تعاون شديدة الحساسية..

وعلى الجانب الآخر، فإن الأمور ليست هادئة، وربما هي نار تحت الرماد، بين “إسرائيل” و”لبنان”.. والتصعيد في اللهجة آخذ في التزايد بين الجانبين..

القوى الكبرى تكتفي بالمشاهدة إلى حين !

كلها أمور بسبب ثروة ضخمة تأكد جميع من في المنطقة وقوعها في البحر المتوسط، وحتى اللحظة تكتفي القوى الكبرى في العالم بالمشاهدة.. فـ”روسيا” تراقب ولن تسمح أن يأخذ كائناً من كان مكانتها وترتيبها في إنتاج الغاز الطبيعي، الذي يوفر لها أموالاً طائلة من تصديره إلى أوروبا، وإيطاليا هي الأخرى لها حصتها.. وأميركا لن تكتفي بالوقوف في موقع المتفرج.. فالجميع بات يعلم أن المتوسط هو أكبر مخزن للطاقة ومستقبل الثروات في العالم !

خريطة الطاقة في العالم تتغير..

جميع المؤشرات وبيانات الطاقة تؤكد على أن خريطة الغاز الطبيعي ستتغير في العالم كله بإستخراجات حقول البحر الأبيض المتوسط بما تحمله من إنتاج ضخم، وهناك من يعي جيداً أن مصر هي المستفيد الأكبر من تلك الإكتشافات وذاك الصراع كونها ستتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، كما خطط منذ عهد الرئيس الأسبق، “حسني مبارك”، لتصدير الغاز من البحر المتوسط إلى الدول التي ترغب في تسييله وتصديره سواء إلى أوروبا شمالاً أو إلى آسيا شرقاً !

كتاباتِ