وزير الموارد المائية العراقي لـ«القدس العربي»: 600 مليون دولار حجم أضرار تنظيم «الدولة» في مؤسسات الوزارة
تمكن العراق، مؤخراً، من إقناع تركيا على تأجيل إملاء سد «إليسو» إلى ما بعد حزيران/ يونيو المقبل، تمهداً لاجتماع مرتقب من المقرر أن يُعقد بين وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي والجانب التركي في نيسان/ إبريل المقبل، لبحث كمية الإطلاقات المائية لنهر دجلة.
وتعكف الحكومة الاتحادية على تنفيذ سلسلة إجراءات، بُغية تجاوز «أزمة محتملة» تتمثل بشح المياه في موسم الصيف المقبل. «القدس العربي» أجرت حواراً موسعاً مع الجنابي، للوقوف على أبرز المشكلات التي عان منها قطاع المياه، فضلاً عن تطورات الموقف مع تركيا بشأن سد «إليسو» وتداعياته.
وحسب الجنابي، «الوضع المائي في العراق يواجه ضغوطات عديدة، بينها الاستهلاكات الداخلية المستمرة، وزيادة الطلب على الماء، يقابله تزايد طلب دول الحوض المائي المشتركة (تركيا وإيران وسوريا)».
وأضاف: «هذا تحدٍ كبير وخطير في الوقت نفسه، لكنه لا يتعلق بالمنطقة ونهري دجلة والفرات فقط، بقدر ما كونه تحديا عاما في العالم، مع زيادة السكان وزيادة الطلب على المياه، نتيجة التنمية الاقتصادية وتغير المناخ وتأثيراته».
ومن بين الأمور الأخرى التي تشكل تحديات إضافية، «ارتفاع درجات الحرارة التي سجلت في الآونة الأخيرة في العراق والمنطقة درجاتٍ قياسية، لم يسبق تسجيلها، الأمر الذي يزيد من كميات التبخر ويقلل من كميات المياه».
وأضاف: «النسب السكانية واحتياجات السكان والمساحات المزروعة، إضافة إلى تقادم النظام الإروائي وشبكات توزيع المياه، كلها أمور تمثل تحديا كبيراً لنا، في ظل تناقص واضح بإيراداتنا من نهر الفرات بحدود 50٪، ومن نهر دجلة ـ قبل إنشاء سد إليسو، كانت الإيرادات من تركيا في تناقص، وبعد تشغيل السد أو إملائه، فنتوقع إن يكون نقص الإيرادات بحدود 50٪ أيضاً».
وأقرّ الجنابي بـ«النقص الملحوظ» في إيرادات العراق المائية من روافد نهر دجلة النابعة من إيران ( الزاب الأسفل، ونهر ديالى ونهر الكرخة، ونهر الكارون)».
ورأى إن حل مشكلة المياه في المنطقة، يحتاج إلى مقاربة إقليمية، تعتمد الحوض بأكمله من المنبع وحتى المصب. وأشار الجنابي إلى إنه «حاليا التقسيمات السياسية ومصالح الدول المتشاطئة متعارضة مائياً، الأمر الذي يقسم النهر الواحد إلى عدّة أنهر، مثلاً هناك نهر الفرات التركي، ونهر الفرات السوري، ونهر الفرات العراقي، فما يجب أن يتم اعتماده هو اعتبار إن نهر الفرات واحد من المنبع إلى المصب، لكن ذلك يحتاج إلى وضع آمن ومستقر، إضافة إلى درجة عالية من الثقة بين البلدان ومصالح اقتصادية مشتركة، وحالياً هذا الأمر غير موجود مع الأسف».
وحسب الوزير، فإن هذا الأمر «ينطبق على نهر دجلة وروافده»، لافتاً إلى أهمية الاعتماد على المصالح المشتركة، لا سيما ونحن نرتبط مع الدول المتشاطئة بمصالح مهمة وتلك الدول لديها مصالح كبيرة في العراق، والميزان التجاري يعمل لصالحهم (…) ليس من المصلحة ان يتم الاستحواذ على المياه بهذه الطريقة».
زيارة إلى تركيا
وعن موقف العراق في حال أقدمت تركيا على ملء وتشغيل سد «إليسو» قال: «هناك تحرك إيجابي في هذا الملف مؤخراً. بعد اكتمال إنشاء السد الذي استغرق فترة طويلة واكتمل في هذا العام، وتم إبلاغنا بأنه سيدخل حيز الإملاء في آذار/مايو المقبل، طلبنا تأجيل الإملاء إلى ما بعد حزيران/ يونيو، بكون إن الفترة ما بين هذين الشهرين، هي فترة حرجة بالنسبة لنا، وإن أغلب إيراداتنا المائية من الجانب التركي تحصل في هذه الفترة».
وأكد أن «الموقف التركي كان إيجابياً، وموضع تقدير بالنسبة للعراق، لكن نحن بحاجة إلى مناقشات إضافية للتأكد من كمية الخزن مقابل كمية الاطلاق، في أثناء فترة الخزن (…) أما ما بعد إملاء السد ودخوله في نظام التشغيل الطبيعي، فهذا يحتاج إلى جولة أخرى من المناقشات بين الطرفين، ونعتقد إن مستوى العلاقة والثقة والانفتاح بين البلدين (العراق وتركيا) يسمح بالتوصل إلى اتفاقات تضمن مصالح الطرفين».
وأضاف: «بعد الاتفاق مع الجانب التركي على تأجيل إملاء سد إليسو حتى حزيران/ يونيو المقبل، يجب أن نراجع الوضع، حتى نتفق على الإطلاقات»، موضّحاً أن «هناك اتفاقاً مبدئياً على إطلاق ما يمكن إطلاقه بعد البدء بالملء، لكن الأمر بحاجة إلى تأكيد بناءً على الوقائع المتاحة».
ورغم أن الجنابي لم يعلن عن موعد محدد لزيارة مرتقبة إلى تركيا، غير إنه أكد أن «الزيارة ستكون في نيسان/ أبريل المقبل»، لافتاً «أنا أطمح إلى لقاءات مكثفة مع الجهات المعنية في الجانب التركي».
السلطة الأخلاقية
كذلك، تحدث الجنابي عن عدم وجود أي خطة أو اتفاقية بين العراق وتركيا تقضي بتشغيل نهري دجلة والفرات بشكل مشترك، مبيناً إنه «عندما تزداد المصالح المشتركة، وتتعمق الثقة الاقتصادية والاقليمية بطريقة صحيحة لصالح الشعبين، فسوف لن نجد ما يمنع التوصل إلى اتفاق يسمح بتشغيل نهري دجلة والفرات بهذه الطريقة المشتركة.
لكن أقرّ أن «هذه مرحلة بعيدة، وللأسف إن منطقة الشرق الأوسط ومنطقتنا بالذات فها الكثير من العوامل التي لا تشجع على استقرار الأوضاع (…) هناك رغبات مشتركة في هذا الجانب، وأحاديث ونوايا عن عدم الإضرار والتعاون ـ نحترمها، لكن من الصعب تحويلها ـ في الظرف الحالي، إلى آليات عمل». وكشف عن «مواقف سياسية لجيران العراق إزاء بعض الاتفاقيات الدولية، مثل الاتفاقية الدولية لقانون استخدام مجاري الأنهار في الأغراض غير الملاحية. تركيا ترفض تماماً هذه الاتفاقية، كما إيران، غير إن العراق وسوريا هم أعضاء في هذه الاتفاقية»، مشيراً إلى إنه «وفقاً لذلك تم غلق باب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ويبقى باب العلاقات الثنائية المشتركة فقط مفتوحاً أمامنا».
ونفى الجنابي كذلك، وجود أي سلطة لدى المجتمع الدولي بشأن ملف المياه، باستثناء ما وصفها «السلطة الأخلاقية»، ومدى رغبة الدولة في الالتزام بالقانون الدولي، مؤكداً «لا تمتلك الأمم المتحدة جوشاً من شأنها إجبار العراق أو تركا أو إيران أو سوريا أو أي دولة أخرى، على قانون أو اتفاقية معينة (…) نحن لا نريد أيضا الذهاب بهذا الاتجاه، ولا نزال نراهن على تطور العلاقة الثنائية وقدرتنا على التعاطي مع هذه المشكلة مع جيراننا بصورة ثنائية أو ثلاثة أو رباعية».
أضرار بقيمة 600 مليون دولار
وأشار الجنابي،الذي يترأس المجلس الوزاري العربي للمياه، إلى دور المجلس بشأن التعاون في مجال المياه المشتركة مع الدول الإقليمية، قائلاً: «المجلس يعتبر الغطاء أو الخيمة الإقليمية للبلدان العربية، وهو فعّال ومفيد في تقريب وجهات النظر، ومناقشة الكثير من القضايا تحت سقف واحد، كما إنه يمثل الحد الأدنى المتاح من التعاون العربي، وتوحيد المواقف إزاء المشكلات الإقليمية والدولية».
وكشف عن بندٍ دائمٍ في المجلس الوزاري العربي للمياه، يتعلق «بحقوق العراق المائية مع الجوار»، فضلاً عن وجود «تأكيد مستمر للمجلس على صيانة واحترام حقوق العراق، وتضامن حقيقي فما يتعلق بالمناطق الإروائية المتضررة بفعل داعش، وتجريم لاستخدام هذه المنشآت الإروائية في الحرب». وتابع قائلاً: «التنظيم استعمل أسلوب تعطيش المناطق وإغراق مناطق أخرى، واستخدم المياه كسلاح في الحروب»، لافتاً في الوقت عيّنه إلى إن «نسبة الأضرار التي لحقت بالمؤسسات التي احتلها ودمرها تنظيم داعش، إضافة إلى الآليات والمعدات التابعة لوزارة الموارد المائية العراقية يقدر بنحو 600 مليون دولار».
التوصيات الـ24
وعن أبرز المعالجات التي وضعها العراق تحسباً لتوقعات شح المياه في موسم الصيف المقبل، أجاب الجنابي قائلاً: «تم تشكيل لجان مركزية وفرعية عدّة بشأن تلافي شح المياه في الموسم الصيفي المقبل، لكن هناك لجنة حكومية عليا تتمثل فيها الوزارات المعنية (الموارد المائية، والكهرباء، والصناعة، والبلديات، والزراعة، والصحة والبيئة، إضافة إلى الدفاع المدني، والقيادات الأمنية) لتأمين العدالة في توزيع المياه أثناء فترة الشحة، ومنع التجاوزات على الحصص المائية، واتخاذ إجراءات وقائية أو إغاثية خلال هذه المدة (حتى نهاية فصل الصيف)». ومضى إلى القول: «قدمت اللجنة (24 توصية) ـ وافق علها رئيس الوزراء حيدر العبادي ـ والآن هي في موضع التنفيذ، والوزارة منهمكة تماماً في تنفيذ ما يتعلق بها في هذا الجانب، وتأهيل محطات حفر وتنقية مجاري المياه، إضافة إلى تعزيز قدرات الضخ في المناطق التي تعاني من الشحة، فضلا عن تعزيز الخزين المائي من خزان الثرثار».
القدس العربي |