ما مدى صحة تقرير “نيويورك تايمز″ الذي يتحدث عن خطة سعودية لتسليح ميليشيات في المخيمات الفلسطينية في لبنان لضرب النفوذ الإيراني؟ وكيف كان رد عباس على هذا المخطط؟ وما هي فرص نجاحه في ظل التحالف القوي بين “حماس″ و”حزب الله”؟
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز″ الامريكية عن وجود خطة سعودية طويلة الأمد لمواجهة “حزب الله” اللبناني، وقالت في تقرير مطول نشرته في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي، ان السعودية تسعى لتسليح ميليشيات في المخيمات الفلسطينية لمواجهة “حزب الله” بهدف ضرب النفوذ الإيراني في لبنان.
السلطات السعودية نفت بشدة هذا النبأ، ولكن الانباء القادمة من بيروت تتحدث عن أنشطة متزايدة يقوم بها بعض المحسوبين على جماعات “أصولية” لبنانية طائفية داخل المخيمات الفلسطينية للتحريض ضد “حزب الله”، وتتحدث عن الخطر الإيراني الزاحف الى المنطقة.
اعداد الفلسطينيين في لبنان، وحسب إحصاءات رسمية جرى نشرها مؤخرا، يصل الى 174 الفا، وهذا الرقم اقل بكثير من الأرقام المبالغ فيها، وكانت سائدة قبل هذا الإحصاء، وجميعهم من الطائفة السنية، ولكن نسبة كبيرة منهم لا تنحاز طائفيا، وتميل اكثر الى الاعتدال، وتبني مواقف حيادية، خاصة تلك التي تنتمي الى الجبهة الشعبية، وحركة “فتح”، والمنظمات والفصائل الأخرى القومية الأيديولوجية.
تملك حركة المقاومة الإسلامية “حماس″ نفوذا قويا متزايدا داخل المخيمات الفلسطينية، ولعل انفتاح قيادتها الحالية على ايران و”حزب الله”، وإعادة العلاقة معهما الى الحالة التحالفية التي كانت عليها قبل احداث سورية، قد يجعل الحركة تقف سدا في وجه أي محاولة لتأسيس ميليشيات فلسطينية طائفية الطابع للانخراط في أي حرب ضد “حزب الله”.
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي فاتح الرئيس الفلسطيني محمود عباس اثناء زيارته للرياض الشهر الماضي بوجود رغبة سعودية في حشد الفلسطينيين في الخندق المقابل لحزب الله، مثلما أعرب، وحسب مصادر فلسطينية وثيقة، عن رغبة المملكة في تمويل أي توجه في هذا الاطار، وتتمنى على الرئيس عباس، وحركة “فتح” مساعدتها في هذا التوجه، ويأتي هذا التوجه امتدادا لطلب سعودي من السيد سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان، للاستقالة من منصبه لتوتير الأجواء في لبنان، وتضيق الخناق على “حزب الله”، حليف ايران القوي.
الرئيس عباس لم يعط جوابا شافيا على المطلب السعودي، ووعد بمناقشة المسألة مع القيادة الفلسطينية بعد عودته الى “رام الله”، وكان الرد “تهربا”، ومحاولة لكسب الوقت، وعدم احراج مضيفيه السعوديين.
اوضاع المخيمات الفلسطينية المعيشية متدهورة جدا، وباتت مثل “غيتوهات” معزولة عن محيطها اللبناني، وتعيش حالة من البؤس الشديد مما دفع بالكثير من أبنائها للهجرة الى أوروبا وكندا وامريكا، فالفلسطيني ممنوع من مزاولة اكثر من ستين مهنة في لبنان، ومساعدات منظمة التحرير التي كانت تساعد أبناء المخيمات على الصمود تراجعت بشكل كبير، وانخفضت مخصصات اسر الشهداء الى اقل من ثلاثين دولارا شهريا.
من غير المستبعد ان يحاول حلفاء السعودية في أوساط الأحزاب اللبنانية ذات الطابع السني الطائفي، استغلال ظروف المخيمات المعيشية الصعبة هذه، وتوظيفها في خدمة الانقسامات الطائفية، خاصة ان هناك بعض الدعاة في أوساط المخيمات تأثرت بالأزمة السورية وافرازاتها الطائفية، وناصبوا ايران و”حزب الله” العداء، ولكن تأثير هؤلاء ما زال محدودا، حسب مصادر فلسطينية خبيرة في شؤون المخيمات الفلسطينية تحدثت اليها “راي اليوم”.
اقتراب الازمة السورية من نهايتها، واستيعاب الفصائل والقيادات الفلسطينية لدروسها، وتجنب تكرار الأخطاء التي ترتكبها بعضها، بالانحياز الى فصائل المعارضة السورية المدعومة أمريكيا وخليجيا من منطلقات طائفية احيانا، ربما تجعل فرص نجاح المخطط السعودي، اذا تأكد، محدودة للغاية، ان لم يكن معدومة، خاصة بعد حدوث انقسام في تيار “المستقبل” بزعامة السيد سعد الحريري، وعودة الأخير عن استقالته، ونأيه بنفسه عن المشروع السعودي في لبنان في تفجير الأوضاع، واشعال فتيل حرب مع “حزب الله”، وبعدما ثبت ان الجناح الآخر في تيار “المستقبل” الذي يتزعمه السيد اشرف ريفي، والمقرب جدا من الرياض، لا يحظى بتأييد قوي في أوساط الطائفة السنية اللبنانية التي تتميز بوسطيتها واعتدالها، وتجنبها أي مشروع يريد زعزعة استقرار لبنان، وما زالت ترجح كفة السيد الحريري القيادية.
الفلسطينيون ضيوف على لبنان وشعبه، وكانوا دائما في خندق المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويجب ان يظلوا كذلك، وان يتجنبوا السقوط في مصيدة الفتنة الطائفية، خاصة ان من ينصب هذه المصيدة يقف في خندق أمريكا ويرى في إسرائيل حليفا وليس عدوا.
خيار الفلسطينيين الاستراتيجي يجب ان يكون في الوقوف في خندق المقاومة للاحتلال، مع التأكيد دائما بأن المخيمات الفلسطينية ليست مطروحة، وولاءاتها، للبيع في سوق النخاسة الطائفي، مهما تدهورت الظروف المعيشية لأبنائها، فهذه المخيمات التي سطرت أروع الصفحات في التضحية والفداء، وقدمت آلاف الشهداء، لا يمكن ان يكون مكانها الا خندق المقاومة للاحتلال الإسرائيلي مهما كانت عقيدته او مذهبه.
“راي اليوم” |