وزير خارجيّة البَحرين تَجاوز كل الخُطوط الحُمر باعتباره “القُدس″ وتَهويدها قَضيّةً جانِبيّةً
الغَزل الرسميّ البَحرينيّ مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لم يَتوقّف، ويَرتفِع مُستواه شَهرًا بعد شَهر، ولكن أن يَصل الأمر إلى دَرجةِ وَصف وزير الخارجيّة البَحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قضيّة القُدس المُحتلّة بأنّها قضيّة جانِبيّة، فهذا اختراقٌ لكُل الخُطوط الحَمراء، وتَجاوز لكُل الثّوابت العَربيّة والإسلاميّة مَعًا.
الشيخ خالد غَرّد يَوم أمس على “التويتر” مُستَبِقًا التّصويت الأُمميّ المِفصليّ في الجَمعيّة العامّة للأُمم المتحدة على قرار يًرفض اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقُدس عاصِمةً لإسرائيل، بقَولِه “من غَير المُفيد اختيار مَعركة مع الولايات المتحدة حول قَضايا جانِبيّة (يَقصد قَضيّة القُدس)، بًينما نُكافِح معًا الخَطر الواضِح من إيران.
يُخطِئ الشيخ خالد بن أحمد إذا اعتقد أن مُكافحة ما أسماه بالخَطر الإيرانيّ يَتمثّل في اعتبارِ قضيّة القُدس المُحتلّة قضيّةً “جانِبيّةً”، وهي القضيّة التي أثارت غَضبْ ما يَقرُب من المِليار ونِصف المِليار مُسلم، بل ما يَحدُث هو العَكس تمامًا، أي أن مِثل هذهِ التّصريحات والمَواقف تُعزّز هذا الخَطر إذا كان مَوجودًا، وتُقدّم له الذّخيرة اللازمة التي يَتحرّق شَوقًا للحُصولِ عَليها، وفي مِثل هذا التّوقيت.
الشعب البحرينيّ بكل مَذاهبه وأعراقِه، أو الغالبيّة السّاحقة مٍنه على الأقل، لا يُمكن أن يَتّفق مع الشيخ خالد بن أحمد وحُكومَتِه في مِثل هذهِ المَواقف، لأن هذا الشّعب الذي صَوّت باستفتاءٍ نَزيهٍ أجرته إدارة الاستعمار البريطانيّ قَبلَ خُروجِها من البَحرين صَوّت لصالِح عُروبة البَحرين وبقائِها دَولةً مُستقلّةً وضِد الانضمام إلى إيران، هذا الشّعب لن يُساوِم على عُروبَة القُدس ومَكانَتِها الإسلاميّة المُقدّسة في وُجدان المِليارات من الشّرفاء في أنحاء العالم، وليس العالمين العَربيّ والإسلاميّ وَحدَهُما.
دولة الاحتلال الإسرائيلي لا يُمكن أن تَحمي نِظام البحرين، مِثلما يَعتقد البعض، وإلا لحَمتْ السيد مسعود برازاني وانفصالِه في كُردستان العِراق، وكذلك حُلفاؤها في جَنوب لبنان، ولذلك فإنّ أيَّ رِهانٍ عليها وصَداقتها رِهانٌ خاسِر.
ما يَحمي البَحرين هو تَمسّكها بعُروبَتها وثوابِتها العَربيّة والإسلاميّة، والحِوار الجدّي مع أبناء شَعبِها، وتَرسيخ تَجرُبَتِها الديمقراطيّة، وثقافة التّعايش والتّسامح، أمّا مُحاولة الخُروج عن السّربين العَربيّ والإسلاميّ، والتّقارب مع الإسرائيليين والأمريكان على حِسابِهما، فربّما يُشكّل التّهديد الحَقيقيّ للبَحرين لأنّه يَخدِم أعداءها، ولا يَخدم مَصالِح نِظامِها وشَعبِها مَعًا.
معالي الوزير لقد تَكرّرت الأخطاء وباتت أكثر استفزازيّةً من أيِّ وَقتٍ مَضى، وأيًّا كانت المُبرّرات.. فالبَحرين قد تَكسب إسرائيل واللّوبي النّاطق باسمها في أمريكا، ولكنّها ستَخسر هَيبتها وعُروبتها وإسلاميّتها، وتَعزل نَفسها، خاصّةً في وقتٍ تَتَغيّر فيه المُعادلات السياسيّة والعَسكريّة في المِنطقة، ولغير صالح أمريكا وإسرائيل، بعد خُروج سورية من أزمتها، وتَعافي العِراق، وصُمود الشّعب اليَمني.
معالي وزير الخارجيّة البَحريني نَقولها وبِكُل صَراحةٍ، ودون أيِّ مُوارَبَةٍ، لقد طَفَحَ الكَيل.
عبد الباري عطوان
سكاي برس |