موقع أميركي: حرائق الآبار وقلِّة الرعاية الصحية تهددان حياة النازحين في القيارة
عبر الخيام الممتدة على مساحة 1.2 ميلاً على أرضية معسكر قاعدة القيارة الجوية للنازحين التي نُصبت على عجل تجد كل واحد تقريبا من ساكني المخيم مصاباً بالسعال وضيق التنفس او يشكو من تلوث الجو بالدخان .
يقول عبدالله 30 عاما نازحا من ناحية تل عبطة وهو يشير الى علبة يحملها بيده مع أبرة طبية أُعطيت له كعلاج من مستشفى قريب في القيارة جنوب الموصل "مضى عليَّ شهراً تقريبا وانا يراودني السعال من دون توقف . الكل هنا مرضى، حتى الاطفال الصغار الذين ما يزالون رضعاً يستنشقون الدخان وكذلك النساء الحوامل".
وعلى مسافة ليست بعيدة يكمن هناك المسبب الرئيسي لهذه المعاناة، حيث سحابة رمادية متكونة بشكل غير طبيعي تلوح في الأفق . ففي شهر تموز من العام الماضي عمد مسلحو تنظيم داعش على زرع عبوات ناسفة في آبار حقل القيارة النفطي وصوبوا عليها من بنادقهم القناصة عن بُعد تسببوا بانفجارات هائلة واضرام النيران في 25 بئرا نفطيا نجم عنها تغطية سماء المنطقة بدخان أسود استمر لأشهر.
ورغم ان النيران كان الهدف منها بالأصل عرقلة ضربات التحالف الجوية الا انها تحولت فيما بعد الى عائق ارضي تكتيكي لتقويض القوات المسلحة العراقية التي كانت تتقدم نحو القيارة في بداية الهجوم المخطط لاستعادة مدينة الموصل في شهر تشرين الاول الماضي .
ومنذ ذلك الحين نزح اكثر من 300 الف شخص وانتقلت المعركة لمناطق ذات كثافة سكانية عالية في الجانب الغربي من المدينة .
خلال شهر آذار الماضي، اي بعد ثمانية اشهر من الهجوم، كان هناك بئران من مجموع 25 بئرا ما يزالان يحترقان . عمال الاطفاء من شركة نفط الشمال استمروا بمعالجة النيران المتبقية بالمياه بحيث اصبح يُطلق على هذه الحملة بـ "الجبهة الثانية " في العراق في الحرب ضد داعش . ويحجب السحاب الاسود المتراكم في السماء ضوء الشمس ويجعل عملية الاطفاء اكثر صعوبة . بعض الحرائق كان من المستحيل الوصول اليها الى ان تم إزالة اكثر من 200 عبوة ناسفة كان التنظيم قد زرعها حول الآبار المشتعلة قبل انسحابه .
الخليط غير الاعتيادي من المواد السمية في حرائق آبار النفط يعني بان العمال وابناء القيارة البالغ عددهم 15 الف شخص بالاضافة الى 50 الف شخص آخرين من سكان معسكر الأمم المتحدة القريب للنازحين قد اصبحوا معتادين على القطران الاسود الموجود في كل مكان . وكل يوم يستنشقون الغازات السمية المعلقة بكثافة في الهواء بعد فترة طويلة من اخماد النيران .
في اوائل شهر آذار وخلال محاولة لإخماد احد الحرائق حدث فجأة انفجار ناجم عن تسرب الغاز تسبب بانبعاث موجة جديدة من الدخان الاسود في السماء وأُصيب العشرات بجروح مع مقتل احد عمال اطفاء الحرائق الذين كانوا يحاولون اخماد النيران على مدى اشهر .
وقال الطبيب وائل، وهو أحد أطباء مستشفى أُنشئت حديثا في القيارة، لمؤسسة ريفيوجيز ديبلي Refugees Deeply الاميركية المعنية بشؤون النازحين والمهجرين في العالم إنه "بعد الانفجار الذي حدث مؤخرا شهدنا العديد من حالات قصور في التنفس وحتى الاختناق".
واضاف الطبيب وائل قائلا إنه "عبر الاشهر الثمان الماضية التقيت بمرضى ادعوا بانهم لم يدخنوا سكارة واحدة في حياتهم ورأيت ان رئتيهم قد كساها القطران". ويعالج الطبيب وائل كل من سكان منطقة القيارة وكذلك المقيمين في معسكرات النازحين القريبة من اعراض امراض متعلقة بالدخان، ويقول ان السكان النازحين يعانون من ظروف عيش قاسية جدا في المعسكر .
ويستدرك بقوله "في المقام الاول من الاهمية هو ان هؤلاء الاشخاص الذين هربوا من اهوال تنظيم داعش ان يعيشوا بسلام، ولكنهم الان مرضى بسبب الدخان، فضلا عن الظروف التي يعيشوها في المعسكرات . لقد بقوا على امتداد اشهر وهم يرتدون نفس الملابس ويتغطون بنفس البطانيات . وقسم منهم يقضي حاجته في نفس المكان الذي يحصل منه على ماء الشرب".
بالاضافة الى معيشتهم في ظروف تعيسة ضمن معسكر قد تم بناؤه على عجل فان ساكنيه يعانون من قلة وشحة الرعاية الصحية. وبسبب الاجراءات الصارمة في التدقيق بمعلومات ارتباط البعض بتنظيم داعش وخصوصا بالنسبة للرجال بعمر الخدمة العسكرية فان الكثير منهم لا يسمح له بمغادرة المعسكر الا لمرة واحدة كل شهر.
وبينما يوجد هناك اطباء ومنشآت طبية في المعسكر تديرها منظمات دولية مثل منظمة اطباء بلا حدود فان اغلبها مخصصة لأغراض الاسعافات الاولية وليست مجهزة بما يساعد في علاج اعراض خاصة معينة مثل التي يعاني منها اغلب سكان القيارة . في حين يتعذر على سكان آخرين في المعسكر الذهاب الى المستشفى بسبب ارتفاع كلفة العلاج فيها او الافتقار الى وسيلة نقل للذهاب اليها.
ويقول الطبيب وائل "نحن نحاول جهد امكاننا معالجة اكبر قدر ممكن من الناس، ولكنني اعرف بان هناك كثيرا من الناس لا يمكننا الوصول اليهم".
وتشير المؤسسة الاميركية الى انه في الوقت الذي يثير فيه موقع معسكر النازحين في القيارة مشاكل صحية فانه ليس من السهل العثور على مكان مناسب لمثل موجة النازحين الضخمة هذه في العراق. لقت بنت وكالة غوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة 11 مخيماً حول الموصل مع معسكرين اخرين تحت الانشاء. ولكي يكون المكان آمناً فانه من المفترض ان تكون الارض التي يُبنى عليها المعسكر بعيدة بما فيه الكفاية عن جبهات القتال، وكذلك ايضا قريبة بما فيها الكفاية بالنسبة للنازحين الهاربين مشياً على الأقدام ليتمكنوا من الوصول الى اقرب مأوى للجوء اليه.
ويفترض ايضا ان تفحص المنطقة وتخلى من الالغام والعبوات الناسفة التي غالبا ما يتركها تنظيم داعش وراءه عند الانسحاب وان تكون المساحة واسعة لتستوعب عشرات الآلاف من النازحين.
بعد ساعات الارتياح الاولية التي تلت مرحلة هروبهم من تنظيم داعش فان الكثير من سكان معسكر القيارة بدأوا بالتفكير بطول الفترة التي سيقضوها في تحمل ظروف المعسكر القاسية.
وتقول هايدا زوجة النازح عبد الله "لقد عايشنا ابشع الظروف تحت سلطة تنظيم داعش، اما الان فنحن حتى لا نستطيع التنفس".
عن: موقع UPI الاخباري الاميركي |