هل دفعت الاعلامية العراقية ريهام عابد حياتها ثمنا لقلمها الجريء؟
تسلط حادثة وفاة الصحافية العراقية والكاتبة والناشطة في منظمات المجتمع المدني ريهام العابد في ظروف مريبة الضوء على معاناة الاعلاميين العراقيين في بلد يتقلب على صفيح ساخن ويغرق في مشاكل امنية وطائفية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
وفارقت الكاتبة والناشطة في منظمات المجتمع المدني ريهام العابد الحياة في ظروف غامضة.
واختلفت الاراء بين من اعتبر ان وفاتها كانت نتيجة حريق عابر شب في منزلها وبين من اصر على انها فارقت الحياة ثمنا لمواقفها وكتابتها الجريئة ومحاربتها للفساد ونصرتها للمظلوم.
وولدت ريهام في الانبار وحصلت على ديبلوم في الرياضيات وبعدها درست الحقوق، وبدأت مشوارها في المجال الادبي بكتابة القصص، كما نشرت مقالات صحفية في وسائل اعلام عربية.
واشتغلت ريهام في مجالات حقوق الانسان وإغاثة النازحين الى جانب عملها في الصحافة.
ثم تخصصت في كتابة المقالات السياسية والاخبار العاجلة.
ونالت ريهام جائزة أفضل كاتبة عراقية شابة في مهرجان صلالة الدولي بسلطنة عمان عام 2016 .
ويتعرض الصحافيون الذين يبحثون عن الحقيقة ويحاولون انارة الرأي العام او الذين يغطون الاحداث في مناطق النزاعات والحروب الى خطر داهم قد يعرضهم الى عاهات مستديمة او الموت او الاختطاف.
وتهتم بعض الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان والاعلام بوضعية الصحافيين في المناطق المحفوفة بالمخاطر.
وريهام واحدة من صحفيات ودعت الحياة في ظروف غامضة وقد تكون كلماتها الاخيرة هي التي تسببت في فقدانها الى الابد خصوصا في العراق الذي يعاني من الحرب والعنف والطائفة.
وتقول ام احمد( شيماء) احدى جارات الصحفية: كانت صدمة لنا سمعنا نبأ مقتل ريهام بنت الحاج عماد السلمان المعروفة بريهام العابد، ماتت مخنوقة داخل شقتها في منطقة سبع ابكار مع العلم انها حامل".
وريهام تجاوزت الثلاثين ربيعاً، لكنها في كانت في عنفوان العطاء.
واضافت "كانت الاوضاع في الليل تمر بصورة عادية وطبيعية، الا اننا صدمنا بخبر نشوب حريق في شقتها وببزوغ الفجر عرفنا ان ريهام ماتت، رحمها الله، لقد كانت قريبة للقلب محبوبة من الجميع، وتتميز بالجرأة ولا تقبل السكوت على الباطل وتدافع عن المظلوم وتريد الخير للناس، كما انها تحب مساعدة المحتاجين".
واردفت "لا انكر انها رغم بساطتها وعفويتها، كانت تنتصر لصوت الحق دون خوف".
حادثة عادية
وافاد الملازم آيمن احد المسؤولين في قاطع الاعظمية انه هناك حوادث يومية تقع بسبب سوء استخدام الطاقة الكهربائية، ويحدث تماس كهربائي تقريبا باستمرار في المناطق الشعبية والبسيطة ونتلقى الكثير من الشكاوى في هذا الصدد.
واضاف "الحوادث العرضية تقع باستمرار، وبعد الحدوث نتحرى من اجل معرفة المصاب وعدد افراده وتفاصيل الحادث، وهذا ينطبق مع الصحفية الراحلة، وندعو جميع اهالي الاحياء البسيطة والقديمة الى ملازمة الحذر عند استخدام الكهرباء والسعي لتأمين مقر سكناهم".
كاتبة من الطراز الرفيع
وقال محمد ياسين عضو مجلس محافظة الانبار "تلقينا خبر وفاة الصحفية والكاتبة ريهام العبد بنت الانبار، وان كانت ظروف غامضة تحيط بوفاتها الا اننا نعزي انفسنا واهل الفقيدة والاسرة الصحفية بفقدان كاتبة من الطراز الفريد".
واضاف "الراحلة كانت متفاعلة مع مشاكل موطن ولادتها الانبار منذ البداية وحريصة على محاربة الفساد ومعالجة مواطن الخلل من خلال ارشاد المسؤولين الى الحلول للمحافظة على وطنها".
واردف "اذكر انها كتبت عن اهيمة الانبار وان هناك ايادي خبيثة حاولت اسكات صوتها وقلمها، وقد ناشدت اهالي الانبار التلاحم والتعاون للمحافظة على منطقتهم الغنية بثروات طبيعية كالفوسفات والغاز الطبيعي" .
نقابة الصحفيين تنعى 'صوت الحق'
وقال عضو مجلس نقابة الصحفيين حسن التميمي: "نبأ وفاة ريهام العابد يمثل خسارة كبيرة للأسرة الصحفية وللمدنية باكملها كونها كانت تنتصر دائما للحقيقة وتسعى لمحاربة الظلم والقهر والتهميش، كما ساهمت في اغاثة المهجرين والنازحين بايصال اصوتهم الى الجهات المعنية".
واضاف "واجبنا التكاتف من اجل عدم تفويت الفرصة على من يريد ان يكمم الافواه وان يقتل الكلمة الحرة والصادقة والجريئة".
واستطرد "نحن مع زملائنا الصحفيين يد واحدة من اجل الوصول للعمل الصحفي الحر، وان كنا لانعلم ان كانت زميلتنا قد قتلت او توفيت بصورة طبيعية، فاننا نعد بمواصلة درب الكلمة الصادقة".
وناشد عضو مجلس نقابة الصحفيين السلطات الامنية بالتحقيق في القضية وكشف ملابسات الحادث.
قضية معقدة
وشدد المحامي ايسر عبد على صعوبة القضية المرتبطة بوفاة الصحفية العراقية.
واضاف "ان الصحافي مطالب من التثبت والتدقيق في المعلومات التي يقدمها، ويجب ان تستند تقاريره وخصوصا الملفات الحارقة المتعلقة بقضايا الفساد الى وقائع وارقام وأدلة دامغة لإنارة الراي العام ولتجنب التتبعات القضائية".
واضاف "ارجو من عائلة الفقيدة ان تساعدني على اثبات ان ابنتهم كانت بحوزتها ملفات هامة ومصيرية لاستند عليها في مرافعتي وابين ان حادث وفاتها مريبة، ونطالب بالتالي بحقوقها وبتسليط العقوبة المناسبة على الجناة ان كانت وفاتها غير طبيعية".
وقال الكاتب احمد عبدالجواد: "ريهام العابد كانت تعمل كمستشارة في مؤسسة الطفولة العالمية وانضمت مؤخرا لعضوية الأمانة العامة لتساهم في بناء جيل الغد على اسس سليمة".
وعرفت الصحافية الراحلة بمناصرتها لحقوق المرأة العراقية، واستماتها في الدفاع عنها.
واضاف "ان الراحلة شددت على دور المرأة العراقية عامة والأنبارية خاصة في النهوض بوطنها، كما سلطت الضوء على ما عانته في الفترة الماضية من ظلم وجور في ظل الاحتلال "الداعشي" الذي خلف معاناة عشرة آلاف امرأة ما بين أرملة وزوجة أسير وام لشهيد ومهجرة".
وهاجم عبدالجواد صمت وسائل الاعلام وتجاهلها خبر حادثة الوفاة الغامضة لصحفية وكاتبة وناشطة مدنية مهمة.
واضاف عبدالجواد "نحن فريق واحد مكون من مجموعة من الناشطين والصحفيين كنا نتبادل الاراء حول قضايا حساسة ومصيرية في العراق، وبعد يومين وصل خبر وفاة زميلتنا، وحاولنا البحث عن اسباب وفاتها لكن دون جدوى".
معا على درب الحقيقة
وتصمم الناشطة نهال الدليمي على مواصلة مسيرة زميلتها.
واضافت "قتلوا الانسان الفاعل من السهل عليهم أن يفعلوا كل شيء وأي شيء".
واضافت نهال "اتذكر ان الراحلة توجت بجائزة أفضل كاتبة عراقية شابة في مهرجان هام، لكن للأسف، لم تتمكن من استلام الجائزة بسبب مرض والدتها".
وكشفت عن انهماك الراحلة في اصدار كتاب بعنوان "معزوفة الوجع" قبل ان تباغتها المنية.
كما نوهت بمجهودات ريهام في قضايا حقوق الانسان وعملها السابق كمستشارة حقوق الانسان في مؤسسة حماية الطفولة العالمية والمؤسسة الالمانية لحقوق الانسان وكذلك منظمة اطباء بلا حدود ومنظمة الصحة العالمية.
كما اشتغلت ريهام باحثة ميدانية مع منظمة "هيومن رايتس ووش"، وقدمت الكثير من المساعدات الانسانية للنازحين.
واضافت الدليمي: "ان ريهام افتخرت بالمرأة العراقية لتحديها الارهاب بشجاعة نادرة، واعتبرت أنها قادرة على ان تكون في الصفوف الاولى في كل المجالات".
ولطالما اعتبرت الصحفية الراحلة أن مواجهة الارهاب والفكر الظلامي بمثابة امتحان حقيقي لوطنها، ومحاربة الدولة الاسلامية يكون بالفكر والثقافة اكثر من السلاح.
ودعت ريهام الى مواجهة موجة الغزو الفكري الذي تشهده المناطق المحررة من "داعش" من قبل اطراف عديدة بتعزيز ثقافة السلام والتعايش السلمي ونبذ الطائفية.
ونوه الصحفي امير اكرم بعمل زميلته الراحلة واستشهد بمقاطع الفيديوهات والمنشورات الموجودة على صفحتها الشخصية في فيسبوك الى جانب مواقفها الجريئة والشجاعة تجاه ملفات حارقة تتعلق بالفساد المالي والسياسي.
كما اشاد بمواقفها الداعمة للقوات الامنية في مواجهة التنظيمات الارهابية.
ورجح الصحفي امير أكرم فرضية استهدافها.
وتحسر الكاتب علي حيدر على وفاة زميلته التي طالما تميزت بكتاباتها الصريحة والمباشرة.
وشدد على ضرورة ان ينتصر القانون للصحفيين ويساهم في حماية مصادر معلوماته لحثه على محاربة الفساد وفضح الممارسات المشبوهة والخاطئة.
واعتبر ان الصحافي النزيه والامين يسعى في كل الحالات الى رفع راية وطنه عاليا وتحقيق امنه واستقراره ولا يطمع من جراء ذلك في نيل المناصب او جني الاموال.
وشدد على ضرورة التفاف كافة الاعلاميين وتلاحمهم من اجل الوقوف امام من يتعمد اغتيال الكلمة الحرة.
واعتبرت الاعلامية والناشطة خديجة مالك ان الصحافية الراحلة كانت شهيدة الوطن وتميزت بشجاعة قل وندر وجودها.
|