في شباط عام 2002 زار الرئيس الأميركي جورج بوش الصين، واجتمع بالرئيس هو جيانغ، الذي تولى السلطة خلفاً للرئيس جيانغ زيمين في ذلك العام، رغبة منه في توطيد علاقاته بالحكومة الصينية. وقد بدا الرئيس الصيني شاباً بالنسبة لسلفه الذي يكبره بخمسة عشر عاماً. ومثل غيره من الجيل الجديد من القادة الصينيين كان الرئيس هـو قد أمضى جل خدمته مهندساً. فمال عليه بوش أثناء حفل الغداء وسأله : ما الأمر الذي يمكن أن يبقيك مسهداً في المساء سيادة الرئيس؟ وقبل أن يجيب، ذكر له الرئيس بوش أن أكثر ما يشغل باله قبل أن يستغرق في النوم هو أن لا تتعرض أميركا لهجوم إرهابي جديد، مثل ذلك الذي تعرضت له في 11 أيلول 2001. وجاء رد الرئيس الصيني سريعاً : إن التحدي الأكبر بالنسبة لي هو كيف أستطيع أن أجد خمساً وعشرين مليون فرصة عمل سنوياً للأجيال الجديدة من الصينيين. كانت هذه الإجابة صادقة ومباشرة. فهو لم يكترث للصراعات الإقليمية، التي يدور أغلبها حول برنامج كوريا الشمالية النووي، وتهديدها لجارتها الجنوبية ودول أخرى في المنطقة من بينها اليابان .. وربما الصين! إن سر تقدم الصين السريع، وتحولها من دولة نامية إلى واحدة من أكثر الدول تقدماً خلال وقت قصير، يكمن دون ريب في رد الرئيس هـو جيانغ هذا. فهو لم يضع في أولوياته مناصرة هذا الطرف أو ذاك، ولم ينشغل باستعداء دولة على أخرى. ولم يكن من أولوياته أن يهدد جيرانه الصغار، أو يخترق حدودهم الدولية. بل كان يفكر كل يوم كيف يوفر فرص عمل جديدة. وهذه الفرص تعني بالطبع، مزيداً من المصانع والحقول والمشاريع الخدمية والعمرانية. ولكن هذا النمو الهائل في الاقتصاد، والانشغال عن صراعات أيديولوجية كانت محور اهتمامها خلال ثلاثة عقود على الأقل، لم يحرما الصين من دور مرموق في السياسة الدولية. غير أن هذا الدور كان على الدوام إيجابياً. فكلما كان الوضع الاقتصادي للدولة مستقراً، كلما كانت علاقاتها مع الآخرين طيبة وسليمة. كان تعليق الرئيس الأميركي أن الصين تطلب الاستقرار بأي ثمن، أما الأميركيون فيريدون الحرية لشعوب العالم، بمن فيهم الصينيين أنفسهم. اختلاف جوهري بين السياستين دون شك، يؤشر للفارق بين الثقافتين الأميركية والصينية. فالأميركيون يعتقدون أنهم آباء الجنس البشري، وأن عليهم مراقبة سلوكه، وتقييم حركاته. وأن هذا الأمر هو الذي يضعهم في الصدارة. أما الصينيون فيرون أن مصلحة بلادهم المترامية الأطراف، المكتظة بالسكان، هي الأولى بالاهتمام. وأن اقتصادهم المتطور هو الذي يمنحهم الزعامة. لم تتغير هذه الفكرة تقريباً منذ أيام الرئيس ماو تسي تونغ. باستثناء إيمانه المطلق بالحرب الضروس، التي تجعل بقية من الصينيين، ترث الشرق والغرب على حد سواء. لقد كان الصينيون واضحين جداً، ولم يكن بالإمكان استفزازهم من قبل الغير. حتى مشكلة التبت التي استنجد فيها الدلاي لاما بالولايات المتحدة، لم تجد أذناً صاغية من قبل الصين. ولكنها لم تنجح في توتر العلاقات بين الطرفين. ربما نتعظ من التجربة الصينية في يوم من الأيام، وندرك أننا نخطئ عندما ننشغل بالسياسات والمصالح الفئوية، ومحاولة تحطيم بعضنا البعض، عن بناء اقتصاد يتيح الحصول على حياة كريمة لأبنائنا، واحترام لائق في المجتمع الدولي لبلادنا. ليس المهم أن يتصالح السياسيون في المؤتمرات والمحافل الدولية. بل المهم أن يتصالح العمال والفلاحون والمهندسون والمديرون داخل شركاتنا ومصانعنا وحقولنا واستثماراتنا، لأن هذا الفعل هو السبيل الوحيد للتقدم، وهو الوسيلة المثلى للانتقال إلى صف الكبار.