أسواق الديوانية تعاني "الشلل" وسط مخاوف من القادم وحكومتها تحمل بغداد المسؤولية
على غرار نظيراتها في العراق تشهد محافظة الديوانية ركوداً كبيراً في الحركة التجارية على جميع المستويات بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي اثرت بشكل سلبي على التجار والعمال والمواطنين، ففي الوقت الذي تعاني فيه اسواقها من "الشلل" على الرغم من قرب حلول شهر رمضان وما يمثله من اهمية للعائلة العراقية، تزداد المخاوف من القادم وتتابع الازمات.
الحلول بحسب مختصين تتمثل بالمحافظة على "الهوية الزراعية" التي تحملها الديوانية لتوفير السيولة النقدية في الأسواق المحلية، وفي حين تلقي إدارة المحافظة اللائمة في ما تعنيه من ازمة على الحكومة المركزية، أكدت توقيع عدد من مذكرات التفاهم مع شركات أجنبية لإنشاء مشاريع توفر للمحافظة من 300 إلى 500 مليار دينار سنويا".
بضائع مكدسة وديون متراكمة
أبو حسن (45 عاما)، فقد الشعور بمن حوله، ولم يكن لضجيج الناس عليه من أثر، فهو يبحث مع نفسه عن مخرج ينقذه من ديونه التي تراكمت عليه للتجار، مقابل بضائعهم المكدسة في محله المخصص لبيع الأحذية النسائية في سوق تجار الديوانية، الذي يعد واحدا من أهم وأقوى المراكز التسويقية في المحافظة.
ويقول أبو حسن، في حديث إلى (المدى برس)، إن "نسبة إقبال المواطنين على الشراء انخفضت إلى أكثر من 80 % خلال الأشهر الماضية"، عازيا الاسباب إلى "سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة، والأزمة المالية التي يعاني منها العراق.
غالبية التجار وأصحاب المحال في جميع المجالات إن لم يكن جميعهم، تعرضوا إلى "خسائر فادحة"، بسبب تراكم بضائعهم في المحال والمخازن وعدم تصريفها بحسب أبو حسن، فيما يؤكد أن ديونه للتجار تجاوزت الأربعين مليون دينار، بسبب توقف حركة البيع، شأنه في ذلك شأن أغلب أصحاب المحال التجارية.
ويؤكد ابو حسن، أن "كساد السوق صاحبه ارتفاع في قيمة الضرائب إلى أكثر من أربعة أضعاف عما كانت عليه في السابق، ما كبدهم ديونا مضاعفة، واثر بشكل كبير على معيشة أسرهم"، مبديا تخوفه من "قادم مجهول مع تخبط الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في البلد".
أزمة رمضان
أسواق مدينة الديوانية، وعلى غير عادتها في مثل هذه الأيام التي تتصدر فيها مائدة شهر رمضان أولويات العوائل، تشهد توقفا "شبه تام" في حركة التسوق بحسب تجار.
فأسواق المدينة شهدت انخفاضا واضحا وغير مسبوق في طلب المواطنين على المواد الغذائية قياسا بالأعوام السابقة، ما سبب خسائر لأصحاب المحال والمعامل، انعكست على العاملين فيها أيضا كما يكشف صاحب معمل العطاء للمنتجات الغذائية مصدق التميمي.
ويقول التميمي في حديث إلى (المدى برس)، إن "الطلب على المنتجات الغذائية لمعمله لمائدة شهر رمضان خلال الأعوام السابقة، كانت تتطلب توظيف أكثر من سبعين عاملا، إلا أنه الآن لا يوظف سوى عشرين فقط، بسبب قلة الطلب وعزوف المواطنين عن الشراء".
ويرى التميمي، أن "المصاريف والرسوم والضرائب التي فرضتها الحكومة، أضافت الكثير من الهموم والمشاكل ولم يعد من الممكن الاستمرار في ظل تتابع الأزمات والتوتر والضبابية التي تحيط بالبلاد".
أسواق العقارات
تجارة العقارات في الديوانية أصيبت بـ"الشلل التام"، ولم تتمكن حتى المواقع التجارية من الحفاظ على ثبات أسعارها، خاصة بعد تراجع سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار، فحتى تراجع أسعارها لم ينقذها لحاجة أصحابها إلى السيولة النقدية، حيث لم يعد عرض العقارات مقابل نصف القيمة التي كانت تحققها في الأعوام الماضية مجديا، كما يؤكد صاحب مكتب عقارات محمد الظالمي.
ويقول الظالمي في حديث إلى (المدى برس)، إن "احدى العمارات التجارية كانت قد عرضت للبيع قبل أكثر من عام بمبلغ مليار و600 مليون دينار ولم يوافق صاحبها على بيعها مقابل مليار و500 مليون، إلا أنه عاد اليوم وعرضها مقابل 700 مليون دينار فقط، في حين أن منزلا تجاريا عرض قبل سنتين للبيع بسعر مليار و200 مليون دينار فيما يعرض اليوم مقابل 500 مليون دينار فقط".
ويؤكد الظالمي أن "انخفاض الاسعار لم يكن كافيا لجذب مشترين أو حتى مهتمين بالعقارات".
معارض السيارات
على الرغم من لجوء غالبية تجار السيارات وأصحاب المعارض إلى آلية البيع بالتقسيط وانخفاض أسعار السيارات بشكل كبير عن الفترات الماضية، إلا أنها تعاني أيضا من توقف حركة البيع والشراء.
فالسوق بـ"شبه ميتة"، بالكاد تشهد بيع واحدة من عشرات السيارات المتوقفة في المعارض كما يشير سعدون هادي أحد أصحاب معارض بيع السيارات في الديوانية".
ويعزوا هادي في حديث إلى (المدى برس) الاسباب إلى "غياب السيولة المالية من الأسواق، وتخوف المواطنين من القادم المجهول في ظل السياسة المتخبطة التي تنتهجها الحكومات المحلية والمركزية".
ويؤكد هادي، أن "أصحاب معارض السيارات أصبحوا غير قادرين على تأمين مبالغ بدل الإيجار، فضلا عن الضرائب السنوية التي تضاعفت دون وجه حق"، عادا أن "التجار يدفعون ثمن السياسات الفاشلة للبلد".
هوية المحافظة الزراعية أحد الحلول
ويبدو أن الرؤى الاقتصادية والبحث عن خبراء الاقتصاد والاستفادة من خبراتهم بإشراكهم في صناعة القرار الاقتصادي قد تكون "المخرج الوحيد" من الأزمة المحلية والوطنية التي تعاني منها المحافظة والبلد بشكل عام.
ويقول الخبير الاقتصادي، محمد عباس الجبوري، أن "الهوية الزراعية التي تحملها الديوانية مع وجود مساحات كبيرة مزروعة ومستصلحة ومنتجة، يمكن أن تكون أحد الحلول الكفيلة بتوفير السيولة النقدية في الأسواق المحلية".
ودعا الجبوري في حديث إلى (المدى برس)، وزارة التجارة إلى "تسديد ما بذمتها إلى المزارعين والفلاحين والمسوقين لمحاصيلهم إلى مخازنها منذ نحو عامين، وانتهاج طريقة جديدة في تعاملاتها معهم، لحثهم على الزراعة والبقاء في أراضيهم بدلا من الهجرة الجماعية التي باتت تتعرض لها غالبية المناطق الزراعية بسبب البحث عن المال".
ويشير الخبير الاقتصادي، إلى أن "تفعيل الأموال المخصصة للمبادرة الزراعية وزيادة حجم القروض وتخفيض الضمانات وتسهيل الإجراءات المتبعة في منح القرض، أمر آخر يمكن من خلاله تحريك السوق المحلية في ثاني أفقر المحافظات، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات خريجي الاقتصاد والإدارة وتوظيفهم في المؤسسات المالية والمصارف، وتفعيل العمل بنظم مصرفية حديثة للخروج من الأزمة".
الحكومة المحلية "محرجة" وتلقي باللائمة على بغداد
القرارات المركزية والتعليمات الوزارية وعدم صرف الموازنات الاتحادية إلى المحافظات، ألقى بظلاله على الديوانية، وأثقل مواطنيها بالفقر الأمر الذي بات محرجا للحكومة المحلية كما يعتقد محافظ الديوانية، سامي الحسناوي.
ويقول الحسناوي، في حديث إلى (المدى برس)، إن "القرارات المركزية والتعليمات الوزارية وعدم صرف مستحقات المزارعين للمواسم السابقة وعدم دفع مستحقات المحافظة أحرج الحكومة المحلية بشقيها التشريعي والتنفيذي"، عادا أن "تلك الأموال كانت كفيلة بتحريك السوق في المحافظة وإخراجها من أزمتها الاقتصادية وكساد الأسواق".
ويرى المحافظ، أن "عدم وجو موارد نفطية ومشاريع استثمارية وسياحة دينية، جعل الديوانية مدينة مغلقة تنتظر ما يرد إليها ضمن موازنة تنمية الأقاليم المتوقفة عن المحافظة منذ عام 2013".
مؤتمر عمان
الاستثمارات الأجنبية ومذكرات التفاهم التي أعلن عن العشرات منها خلال السنوات الماضية، لم يتحقق منها لغاية اليوم "إلا صور اللقاءات وتبادل الشهادات والهدايا" في وقت تشهد الديوانية أزمة مالية خانقة جعلت مواطنيها "ساخطين" على المسؤولين المحليين.
ويقول رئيس مجلس محافظة الديوانية، جبير سلمان الجبوري، في حديث الى (المدى برس)، إن "مؤتمر عمان الذي اختتم يوم الجمعة الماضي (27 ايار 2016)، أثمر عن توقيع مذكرة تفاهم، لإنشاء معمل لتدوير النفايات بسعة ألف طن، يأتي بأرباح سنوية لا تقل عن 25 مليون دولار سنويا لحساب مديرية بلدية الديوانية، وسينفذ بطريقة القرض الاستثماري المتأخر لأربع أو خمس سنوات تدفع من أموال تنمية الأقاليم، وأخرى مع شركة (الغيد التجارية الحكومية الأمريكية)، وثالثة مع شركة (شانغهاي الحكومية الصينية)، التي حصلت على دعم البنك الدولي، لتنفيذ عدة مشاريع".
ويؤكد الجبوري أن "تلك المذكرات وقعت بعد بعد أن تم الأسبوع الماضي ما يتعلق بالمحافظة من موافقات لتنفيذ محطة كهرباء حرارية بسعة (1150 ميغا واط) في ناحية الشنافية، (72 كم غرب جنوبي الديوانية)، ومشروع مصفى الديوانية الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 150 ألف برميل يوميا، وتنفيذ مشروع المدينة الصناعية على طريق المرور السريع بين الديوانية وبغداد، بمساحة 2500 دونم، إضافة إلى استثمار مصنعي النسيج والمطاط بعد استحصال موافقات الأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة الصناعة".
ويضيف الجبوري، أن "شركة (شانغهاي) الحكومية الصينية، أعربت عن رغبتها في تقديم الاستشارات الاقتصادية والتنموية لمحافظة الديوانية حصرا مقابل دينار عراقي واحد سنويا"، كاشفا عن "توقيع مذكرة تفاهم مع شركة بولندية لـ"تطوير المرأة الريفية" بكلفة 200 مليون دولار.
ويوضح رئيس مجلس محافظة، أن "البرنامج تطوير المرأة الريفية يتلخص بمنح ألفي أسرة ريفية قروضا لتنفيذ مشاريع زراعية، تكون إيراداتها لزيادة حجم رأس مال المشروع لشمول اسر أخرى"، مرجحا أن "يستفيد من المشروع 12 ألف أسرة فلاحية خلال السنوات العشر القادمة.
ويرى الجبوري، أن "مجموع ما ستجنيه المحافظة من هذه المشاريع سيتجاوز الـ 300 مليار دينار سنويا، وإذا ما ارتفعت أسعار بيع النفط فأنها قد تصل إلى 500 مليار دينار سنويا بدأ من مصفى النفط الذي سيدر على المحافظة نحو 250 مليار دينار سنويا".
وكانت دائرة إحصاء محافظة الديوانية، أعلنت في (31 آذار 2016)، عن ارتفاع نسبة الفقر إلى 44% في عموم المحافظة، عازية ذلك الى الحروب وفقدان المعيل وتردي الواقع الزراعي والاقتصادي فيها.
المدى برس |