الباجات الحكومية تُقسم العراقيين الى مواطنين درجة أولى .. وثانية!
يمرقاسم تركي عامل البناء يومياً بنقاط تفتيش عدة في شوارع بغداد أثناء ذهابه وعودته من العمل ويرى بعينه كيف يمرُّ أصحاب الباجات الثقيلة من المكان في حين ينتظر هو وباقي ركاب الباص الذي يستقله في طابور التفتيش. وتنتشر في العراق عشرات الأنواع من الباجات التي يتم منحها إلى موظفي الدولة من أعلى منصب إلى أصغرها كما إن هناك الباجات الخاصة بالعسكريين وأصحاب الوظائف الأمنية، وأضيفت إليها مؤخراً الباجات الخاصة بالفصائل الشيعية و'الحشد الشعبي' الذي يقاتل 'داعش'. 'العراق دولة الباجات.. فإذا كنت تملك أحدها ستسير حياتك بسهولة وتتمكن من فعل أي شيئ بما في ذلك خرق القوانين، وإذا لم تكن بمتناول يدك فسترى نجوم الظهر وتعاني صعوبات كبيرة فليس هناك مساواة بين العراقيين' يقول قاسم تركي وهو عامل بناء في بغداد. تركي يؤكد لـ 'نقاش' إن 'مقولة القانون فوق الجميع ليست مطّبقة في العراق لأن أصحاب الباجات من المسؤولين والموظفين والعسكريين لا يستطيع أحد محاسبتهم في الشوارع، وينالون احتراماً كبيراً في دوائر الدولة والمعاملات الحكومية، أما إذا كنت مواطن عادي لا تمتلك باج حكومي فستواجه مشكلات كثيرة'. ويستخدم الكثيرون الباجات الخاصة بهم في أشياء بعيدة عن الاستخدام القانوني لها، وعلى سبيل المثال فأنهم يُظهرون باجاتهم في نقاط التفتيش المنتشرة في البلاد من أجل تجاوز التفتيش، كما يستخدمونها أثناء المراجعات الحكومية ليحصلوا على رعاية واهتمام أفضل من المواطنين العاديين. وعندما يقوم ضابط برتبة عسكرية كبيرة بإظهار الباج الخاص به لعناصر الأمن في نقاط التفتيش وهم في الغالب من رتب عسكرية صغيرة، لا يستطيع عناصر النقطة الأمنية تفتيش سيارة الضابط الكبير ويسمحون له بالمرور دون تفتيش، بينما يخضع المواطنون العاديون الذين يبرزون الباج الشخصي لهم للتفتيش. العريف في الشرطة الاتحادية علاء الساعدي والذي يعمل في إحدى نقاط التفتيش في بغداد يقول إن 'الأوامر العسكرية التي تصدر إلينا تنص على تفتيش جميع السيارات دون استثناء ومهما كان منصب صاحب السيارة وهناك أوامر إلى الضباط الكبار بعدم استخدام الباج الخاص بعملهم العسكري في أشياء بعيدة عن استخدامها القانوني. ويضيف 'الكثيرون من الضباط والموظفين الحكوميين الكبار يظهرون باجاتهم لنا في نقاط التفتيش ولهذا لا نقوم بتفتيش سياراتهم خوفاً من مناصبهم'. ويتعرض بعض عناصر نقاط التفتيش إلى العقوبة من قبل ضباط كبار عندما يصرون على تفتيش سياراتهم رغم إبرازهم الباج أثناء مرورها إذ يستغلون نفوذ مناصبهم العسكرية أو الحكومية العليا لتوجيه عقوبة إلى عناصر الجيش من أصحاب الرتب الصغيرة الموجودين في تلك النقاط. ولا يكتفي أصحاب الباجات من المناصب الأمنية والعسكرية الكبيرة باستخدام الباجات الشخصية في نقاط التفتيش وإنما في الدوائر الحكومية لانجاز معاملاتهم الشخصية في جميع الدوائر الحكومية ليحصلوا على معاملة خاصة ويتجنبون الوقوف في الطوابير الطويلة أسوة بالمواطن العادي. 'أنهم يُشعروننا بأننا مواطنين من الدرجة الثانية ويستغلون باجات عملهم في تمشية أمور حياتهم ويحصلون على امتيازات كثيرة، بينما نحن المواطنين العاديين نعاني الكثير من المشكلات ويتم تطبيق جميع القوانين علينا يقول قصي هادي الذي يعمل سائق أجرة في بغداد. ويضيف 'قبل أيام ذهبت إلى دائرة المرور لنقل ملكية سيارة جديدة اشتريتها وكانت هناك طوابير طويلة لإتمام المعاملات بينما يأتي أصحاب الباجات من الموظفين والعسكريين بشكل مباشر دون الانتظار في الطوابير ويحصلون على تسهيلات وينجزون معاملاتهم بسرعة وهذه الأمور غير قانونية'. وتعد الباجات الخاصة بالمنطقة الخضراء من أهم وأبرز الباجات في العراق، وهي المنطقة المحصّنة أمنياً في بغداد أسسها الجيش الأميركي بعد دخوله العراق عام 2003 وتضم مقرات السفارة الأميركية وعدد من السفارات الأخرى وأيضاً مقرات الحكومة والبرلمان ومنازل المسؤولين والوزراء. وتنقسم باجات المنطقة الخضراء إلى أنواع عدة تختلف حسب أهميتها ولونها وأهمها باج باللون الأسود وكان لونه ازرق عندما كان الجيش الأميركي في العراق، ويُمنح للقادة الكبار في الجيش من رتبة قائد فرقة صعوداً وإلى الوزراء أيضاً، حامل هذا الباج يستطيع إدخال العديد من السيارات الأخرى التي ترافقه دون تفتيش، ويتم منح هذا الباج أيضاً لأولاد المسؤولين الكبار. وهناك باج باللون الماروني كان لونه أخضر في زمن تواجد الجيش الأميركي، ويتم منحه إلى وكلاء الوزراء والموظفين بدرجة مدير عام والمستشارين في الحكومة والبرلمان والوزارات، وقادة الجيش برتبة لواء أو عميد، ويحق له إدخال ثلاث سيارات مع راكبيها إلى المنطقة الخضراء. وهناك باج باللون الرصاصي كان لونه 'برتقالي' في زمن تواجد الجيش الأميركي ويتم منح هذا الباج إلى سكان المنطقة الخضراء من المواطنين العاديين، ويُمنح أيضاً للموظفين العاديين الذين يعملون في المؤسسات داخل المنطقة الخضراء، ويحق له إدخال سيارة واحدة فقط وهي السيارة التي يقودها. عباس الخفاجي أحد سكان منطقة 'الكرادة' المجاورة للمنطقة الخضراء يقول لـ 'نقاش' إن 'منع السكان من دخول منطقة كبيرة بهذا الحجم مثل المنطقة الخضراء أمر غير قانوني، وفي السابق كانت المنطقة مفتوحة وفيها جسر يربط جانبي الكرخ والرصافة أما اليوم فهي مغلقة بوجه الجميع باستثناء المسؤولين الكبار'. وزارة الداخلية تؤكد عدم قانونية استخدام الباجات الحكومية لأغراض شخصية، ويقول عميد في الشرطة طلب عدم الإشارة إلى اسمه لـ 'نقاش' إن بعض التحقيقات بشأن التفجيرات تكشف عن تورط أشخاص يحملون باجات حكومية ويقومون بنقل المتفجرات بسياراتهم لأنهم لا يخضعون للتفيش. ويقول العميد أيضاً إن وزارة مديرية مكافحة الجريمة اكتشفت قبل أسابيع مطبعة خاصة تقوم بصنع باجات مزورة ويتم بيعها إلى جهات مسلحة وأشخاص عاديين لاستخدامها في الشوارع والدوائر الحكومية، ويضيف إن وزارة الداخلية سبق وأصدرت أوامر بمساواة الجميع في التعاملات ولكن الظاهرة مستمرة للأسف. في المدة الأخيرة ظهرت باجات جديدة ولها أهمية كبيرة ويحصل حاملها على تسهيلات وعدم تفتيش وهي الباجات الخاصة بالفصائل الشيعية و'الحشد الشعبي' الذي يقاتل تنظيم 'داعش'. ويستخدم عناصر 'الحشد الشعبي' هذه الباجات في أغراض غير قانونية، كما إن نقاط التفتيش والموظفين في مؤسسات الدولة يخافون من حاملها ويقومون بتسهيل مهمته دون تأخير أو تعطيل. قاسم تركي عامل البناء الذي يضطر يومياً للمرور عبر العديد من نقاط التفتيش وصولاً إلى عمله والعودة إلى المنزل يفكر في عمل باج مزّور من الباجات المهمة لتمشية أموره، ويقول 'الحياة في العراق صعبة دون باجات'، ولكنه يخشى من اكتشاف فعلته ويتم معاقبته بالسجن.
كتابات
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words