هنا العراق.. هل تذكرونني؟
" السلام عليكم، أنا العراق، هل تتذكروني؟ في مثل هذه الأيام، قبل ثماني سنوات، مزقت سمائي طائرات حربية، قصفت أبنائي، هدمت حضارتي واسمي، حولتني من منارة التاريخ الى تذكار من طين ودماء. حولتني الى ترنيمة قديمة، حنين لا يريد أحد أن يتمادى معه، نوستالجيا حزينة باهتة من زمن ماض.. رغم أن الزمن عمره ثماني سنوات فقط، وليس بذلك الماضي، انه عمر ضئيل، عمر طفل ينتظر الجميع أن يكبر، عمر شجرة ينتظر زارعها أن تعلو أغصانها، عمر شعر يزداد الشيب فيه، وجسر يكتمل في مدينة، ومبنى يندثر في أخرى..
انه عمر ضئيل، فلماذا تتصرفون معي وكأن مأساتي باتت من عهد الأقدمين، لماذا انطفأت ذاكرتكم، أم أنتم لا تكترثون؟ هل كنتم بحاجة الى ويكيليكس لكي يكشف أن عدد قتلاي هو خمس أضعاف الرقم المعلن من قوات "التحالف"؟ كيف غفلتم عن 285 الف قتيل، تسلت قوات الغزو بنسف جثثهم بدءا من .2003 لماذا دمي رخيص الى هذا الحد؟ لماذا أنساني هامشي الى هذا الحد، لماذا جردتموه من أبسط حق في مماته، بعدما عجزتم عن الدفاع عن حياته، حق الهوية والاعتراف بأنه قتل ظلما وعدوانا، وحق الذكرى والتذكر والتذكار؟ 15 ألفا من قتلاي مجهولو الهوية حتى الآن، الجثة بلا وجه يتعرف عليها، الروح تهيم معذبة مشوهة مجهولة، الا تتحركون؟
واستكنتم، الى سياسي في واشنطن يعترف ألا أسلحة دمار شامل كانت تحت ارضي، ولا قنابل جرثومية وكيماوية باقية منذ 1991، ولا أقدام لعناصر القاعدة وطأت ترابي وتمشت على ضفاف أنهاري.. انهم يعترفون، يمطون الشفاه، يقطبون الجبين، يهزون الرأس وكأنهم يتأسفون. هل هذا يكفي؟ واستكنتم، فدمي رخيص وذكراي ممنوعة. أنا لست ضحية هتلر، أنا لست قرية مستوطنين في فلسطين، أنا لست مواطنا أميركيا ولا عضوا في الاتحاد الأوروبي، أنا العراق، المقتول، المنهوب، المشوه، المكلوم، الأرمل، اليتيم.. ولا أحد يكترث، ولا أحد يحاسب!
توني بلير، من لندن، أتى مع سيده التكساسي، لكي يشرد نسائي وأطفالي. هل قرأتم مذكراته؟ يقول أنه لا ينام الليل من كوابيس الحرب على العراق. عليّ. انه يتألم ويعيش مع غصة. هل تدركون عمن يتحدث؟ أو تظنون أنه حزين على من قتل من أهلي؟ انه نادم على من قتل من جنوده في الحرب. اولئك الذين ماتوا وهم ينسفون رؤوس العراقيين، كمن يتسلى في لعبة فيديو؟ اتعرفون ألعاب الفيديو؟ تشترونها لأطفالكم السعداء؟ وأطفالي، اين أطفالي، قتلتهم لعبة الفيديو، ولم تكترثوا. ثم صفقتم لبلير وبوش واستقبلتموهم كما الفاتحين ولم تبصقوا في وجوههم.
مرت ذكرى ثامنة على وفاتي ولم تتذكروني، في غمرة الثورات وأعراس الحرية، نسيتم أحزاني. حتى أصواتكم لم ترتفع لكي تذكر بالمأساة، في واشنطن فعلوا، مجموعة من معارضي الحرب صرخوا، مئة شخص تذكروني، فتم اعتقالهم وقيدت اياديهم بالأصفاد، تماما كما يحدث في مدينة عربية من "العالم الثالث".
أنا العراق، أنا كابوس العالم المتحضر، وجريمته المنسية. أنا ذاكرة العرب المنسية. أنا، المنسي!".
إبراهيم توتونجي
المقالات لا تمثل بالضرورة رأي الموقع وتمثل آراء أصحابه
|