فتوى السيستاني بالجهاد الكفائي انقلبت ضده لصالح ولي الفقيه الايراني
تتابع المرجعية الشيعية في النجف بقلق بالغ تصريحات قادة الحشد الشعبي وبيانات مليشياتها المعلنة بالولاء لمرشد الثورة الايرانية آية الله علي خامنئي الذي بات يوصف في العراق بانه الولي الفقيه وقائد الامة الاسلامية ونائب الامام المهدي المنتظر، في حين تنتشر صوره باحجام كبيرة في العديد من الشوارع والميادين العامة في بغداد وعدد من المحافظات العراقية.
ومما فاقم مخاوف المرجعية النجفية التي يقودها آية الله علي السيستاني وتضم اية الله بشير النجفي واية الله اسحق فياض، من تعاظم دور اتباع ومقلدي خامنئي في اوساط الشيعة بالعراق، ان كثيرا من قيادات الحشد الشيعي حولوا مرجعيتهم الدينية من الثلاثة الكبار الى السيد الايراني رغم ان السيستاني هو صاحب المبادرة في اطلاق فتوى الجهاد الكفائي التي جاءت في اعقاب سقوط الموصل اكبر مدينة عراقية بعد العاصمة بغداد بايدي مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وقد تعرضت الفتوى الى انتقادات واسعة من اوساط شعبية سنية بعد ان شهدت مناطق في محافظة ديالى وشمال بابل وجنوب صلاح الدين وضواحي كركوك جرائم طائفية وانتهاكات صارخة من وحدات الحشد.
وتأتي خشية آية الله السيستاني ومساعديه نجفي وفياض من اتساع نفوذ خامنئي وتقليده من الشيعة العراقيين، لاعتبارات مذهبية واقتصادية في آن واحد، فمن الناحية الفقهية تلتزم المرجعية النجفية مفاهيم واعرافاً بعيدة عن نظام ولاية الفقيه المعمول به في ايران، وهو نظام يقوم على ان المرجع الايراني هو السلطة الاعلى دينيا وسلطويا، وقد طبق ذلك في عهد اية الله الخميني ومن بعده خامنئي، بينما ترى مرجعية السيستاني ان العراق يختلف عن ايران التي ذات اغلبية سكانية شيعية اثني عشرية، ففي العراق لا يشكل الشيعة الاماميون غير اقل من نصف السكان مقابل السنة العرب والاكراد والتركمان اضافة الى وجود اقليات اثنية ودينية اخرى.
ويقول زعيم مليشيا (بدر) هادي العامري ان دوره كزعيم سياسي وقائد عسكري عراقي لا يتعارض مع اخلاصه لاية الله خامنئي باعتبار ان الاخير قائد للامة الاسلامية، في حين يعترف علي الياسري القائد الميداني لسرايا الخراساني وهي ميليشيا شيعية أسسها الجنرال الايراني قاسم سليماني في ايلول الماضي بان مرجعه الديني الوحيد هو السيد الخامنئي ومن مكتبه يتلقى التوجيه والارشاد، وما ينطبق على العامري والياسري ينطبق على زعيم عصائب اهل الحق قيس الخزعلي وغيره من قادة كتائب حزب الله وسيد الشهداء وانصار الحسين والمختار، وهي فصائل ضمن الحشد الشيعي وجميعها مؤمنة بولاية الفقيه وتقلد مرجعية الخامنئي.
ووفق معلومات موثقة اطلعت عليها (العباسية نيوز) فان عدد الحوزات الشيعية المرتبطة بالمرجع الايراني خامنئي تجاوز الـ(120) حوزة تنتشر في محافظات النجف وكربلاء والناصرية والديوانية والسماوة والحلة والعمارة والكوت ومناطق الكاظمية والصدر والزعفرانية والشعلة ببغداد، يشرف عليها احد قادة حزب الدعوة السابقين مهدي آصفي وهو ايراني عاش ردحا في العراق ودرس العلوم الدينية في النجف قبل عودته الى ايران في مطلع السبيعينات من القرن الماضي.
وحسب تلك المعلومات فان آصفي تمكن منذ عام 2008 وهو تاريخ قدومه الى العراق واستقراره في النجف تحت عنوان (ممثل المرشد الاعلى السيد خامنئي في العراق) من نشر الحوزات المرتبطة بطهران وقم في انحاء مختلفة من وسط العراق وجنوبه وخصص لكل دارس في هذه الحوزات راتبا شهريا قدره 170 الف دينار عراقي، بينما يتلقى الدارسون في حوزات السيستاني وبشير نجفي واسحق فياض رواتب تتراوح بين (60 ـ 120) الف دينار حسب طبيعة المدينة التي فيها حوزاتهم وظروف العيش فيها، وهو ما دفع بكثير من وكلاء المرجعية النجفية وخصوصا في المناطق الفقيرة في محافظات الجنوب الى الانتقال والعمل في حوزات آصفي الايرانية حيث تقدم لهم امتيازات كثيرة كتسهيل سفرهم وعوائلهم الى ايران وتقديم العلاج الطبي مجانا اضافة الى المزايا المالية.
وينقل عن وكلاء للسيد محمد سعيد الحكيم وهو احد مراجع الشيعة في النجف ان عددا من الحوزات التابعة له وكانت تنتشر في عدد القرى والبلدات بمحافظتي الناصرية والعمارة اغلقت ابوابها وتحول الدارسون فيها الى الحوزات التي انشأها مهدي آصفي لحساب خامنئي بسبب قلة الرواتب التي يدفعها الحكيم لطلاب حوزاته البالغة 60 الف دينار لكل دارس شهريا بينما يدفع آصفي قرابة ثلاثة اضعاف هذا الراتب.
ورغم ان اوساط السيد السيستاني تسعى الى اعطاء انطباع بان تزايد حوزات خامنئي في العراق أمر لا يعنيها ولا تتخوف منه، الا ان المعلومات المتسربة من مكتبي السيدين عبدالمهدي الكربلائي واحمد الصافي وهما ابرز الناطقين باسم المرجعية النجفية تؤكد ان آصفي تجاوز التقاليد التي كانت سائدة في الحوزات الشيعية وتأخذ عليه البذخ ودفع الاموال وشراء الوكلاء وتحويل تقليدهم من مراجع النجف الى خامنئي.
وينقل عن انصار للتيار الصدري وحزب الفضيلة ان السيدين مقتدى الصدر ومحمد اليعقوبي امتنعا عن زج مؤيدين لهما في اطار الحشد الشعبي خشية التصادم مع مجموعات بدر والعصائب والخراساني وحزب الله التي تدين بالولاء للسيد الخامنئي وتعلن ذلك جهارا.
وثمة مخاوف تتزايد في الاوساط السياسية بما فيها رئيس الحكومة حيدر العبادي من هيمنة الجماعات والمليشيات الشيعية الموالية لخامنئي وانعكاسات ذلك على المشهد السياسي والطائفي المحتقن اصلا، خصوصا وان آراءً وتعليقات بدأت تظهر في الشارع العراقي بالتلميح تارة والانتقاص تارة اخرى تشير الى تبعية اغلبية الاحزاب والكتل الشيعية لايران وهي مسألة لها تداعيات سياسية واجتماعية خطيرة في العراق اليوم حيث تتراجع دعوات المصالحة الوطنية وتتزايد الانقسامات المجتمعية وظهور تحديات محلية تتمثل في تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الذي يلجأ الى العنف والتطرف لفرض نفسه ممثلا للسنة في مواجهة الشيعة وايران.
كتابات |