يبدو ان الولايات المتحدة قد صممت للعراقيين نظاما سياسيا يقوم على أساس الازمة المفتوحة. وهو ما يعني بالضرورة انعدام فرصتهم في التحرر من آثار وأعباء وتبعات واستحقاقات مرحلة الاحتلال. وهو احتلال كان في وقت مبكر من عمره قد انتقل إلى الوصاية بالوكالة، حيث تقوم ايران برعاية المصالح غير الجوهرية للولايات المتحدة في العراق وتهديد تلك المصالح في الوقت نفسه.
ولا التباس أو تناقض بين الامرين.
ففي قياس الربح والخسارة فإن الولايات المتحدة هي الرابحة استراتيجيا، بعد أن حسم موضوع النفط العراقي لصالح شركاتها وبعد أن سُدت الدروب أمام كل مسعى يقوم به العراقيون من أجل انشاء دولة مدنية، تكون المواطنة أساسها.
وهو ما تحرص ايران على حراسته، في مقابل أن يكون العراق حديقة خلفية لها، بعد أن تعرضت سوريا للانهيار والتشظي بسبب الحرب القائمة فيها منذ أكثر منذ ثلاث سنوات. وهكذا فان كل لحظة يخسرها العراقيون من مزاجهم الوطني تكون بمثابة ربح ايراني مضاف.
لقد سلمت الولايات المتحدة الاميركية العراق إلى ايران من خلال صفقة، كان النظام السياسي الذي أنشأته سلطة الاحتلال الاميركي في العراق فقرتها ألاولى.
فذلك النظام القائم على مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية والذي لم يختبره العراقيون في تاريخهم السياسي المعاصر كان ولا يزال وسيظل عقدة لن يستطيعوا التعامل معها بشفافية أو حل الغازها بيسر.
ذلك لان نظام المحاصصة المذكور لم ينتجه الواقع العراقي، بل فُرض على المجتمع العراقي من قبل سلطة الاحتلال التي احضرت بمعيتها ممثلي الطوائف والاعراق ليكونوا سادة في بلد لم يعرف من قبل تقاليد سياسية راسخة إلا من خلال حكم الحزب الواحد والفرد المُلهم والعائلة المقدسة.
ولأن نظام المحاصصة هو نظام غريب على حياة العراقيين فقد كان العمل به يتعثر بالولاءات الشخصية والحزبية الضيقة التي لم تسمح للطوائف والاعراق في التعبير عن حيوية تمثيلها الحقيقة.
لقد حُصر ذلك التمثيل بمجموعة منتقاة من العصابات التي صارت تتقاتل في ما بينها على الغنائم، التي هي في حقيقتها ثروات شعب تُرك لوهم انقسامه الطائفي في دورة عنف مستمر، لم تكن بعيدة عن دائرة الخصومة بين سياسيين طارئين، يجتمعون ليلا من أجل اعلان خلافاتهم صباحا.
وهو ما شهده العراق طوال ثمان سنوات من حكم نوري المالكي حيث تم انفاق ما يقارب الترليون دولار من أجل أن تعلو الحواجز الطائفية والعرقية ويكون العراق نهبا لرعب الحرب الاهلية الممكنة في أية لحظة.
كان سياسو العراق قد بذلو قصارى جهدهم من أجل تثبيت نظام المحاصصة. وهم يدركون أن ذلك النظام انما يشكل الضمانة لوجودهم في السلطة. وهو وجود ينطوي على مزيد من الغنائم التي يحصلون عليها في مقابل تهشيم وحدة المجتمع العراقي وتمزيق نسيجه وصناعة تاريخ ملفق، كانت ايران تحلم في كتابته.
خسر العراقيون حربهم في الحفاظ على عراق الماضي عام 2003 وهم اليوم يخسرون عراق المستقبل بعد أن سلموا مصائرهم لسياسين جعل منهم المحتل قادة بالصدفة لبلاد كان قرار محو هويتها الوطنية والقومية والإنسانية قيد التنفيذ.
سيكون على العراقيين ان يدفعوا ثمن استسلامهم لنظام سياسي فرضه المحتل الأميركي وهم يدركون أنهم سيكونون عاجزين عن استيعاب تجليات ذلك النظام الذي جرهم إلى حقبة ما قبل الدولة الحديثة.
بهذا المعنى هل سيظهر العراقيون في التاريخ باعتبارهم ضحايا؟
في حقيقة ما قاموا به يمكننا القول أنهم كانوا شهود زور في مرحلة كانوا فيها في أمس الحاجة إلى تعزيز مبدأ المقاومة، مقاومة المحتل. وهو المبدأ الذي أقرته الاعراف والتقاليد والقوانين الدولية والإنسانية.