دعوات متوسلة (لا ترحلوا) وأخرى مشجعة (لا تستسلموا) أطلقها ناشطو السوشيال ميديا في العراق لإثناء مسيحيي بلادهم على المغادرة في مواجهة تعليقات استفزازية وأخرى مدافعة عن قرار رحيلهم. “اعتبارا من اليوم أصبح وطنهم فرنسا”، كلمات يرددها عراقيون على السوشيال ميديا مودعين مسيحيين من بلدهم هاجروا هذا الأسبوع إلى فرنسا أين تنتظرهم حياة جديدة. وكأن الأمر كان مقضيّا، فـ”المسرحيّة” أسدل عليها الستار، 120000 مسيحيّ اقتلعوا من أرضهم التاريخيّة لأن الإسلام السياسي لا يُريدهم فيها. وعلى يوتيوب شاهد الجميع مشاهد تهجير مسيحيي الموصل من قبل الدولة الإسلامية (داعش)، وشاهدوا مشاهد حرق الكنائس ذات الـ1800 عام، شاهد الجميع الدماء وسمعوا أصوات القتل والكراهية وأحسوا بتفشي الطائفية المقيتة. في هاشتاغات كثيرة على المواقع الاجتماعية، ساد حزن ممزوج بالتوسل أحيانا: لا ترحلوا، لا تجعلوا الوحش ينتصر، أنتم مصدر الجمال لأن “العراق لن يكون العراق دون مسيحييه”. يشرح أحدهم “كيف لي أن أتخيل بلدي دون كنائس ودون مسيحيين، الكنائس بنيت قبل المساجد، هي قلب العراق”. وقال آخر مستسلما “الوحش أكل قلب العراق”. عارض آخر “أبدا، لن يحصل نحن الأصل وهم الدخلاء ستكون أرضنا مقبرة للغزاة الظالمين”. ويقدر عدد مسيحيي العراق بـ1.5 مليون نسمة قبل حرب الخليج، تقلص عددهم اليوم إلى أقل من 400 ألف. يقول آخر “أشتاق إلى سماع التراتيل القبطية خصوصا الممزوجة بالابتهالات الصوفية، حتى وإن كنت لا أفهم كلماتها، فالمسلم الصادق الذي يملأه الخشوع في صلاته، منطقي جدا أن يشعر بذات الخشوع في صلاة الآخرين وتضرعهم وإن كانوا على دين آخر، فالرب هو الرب، والإيمان هو الإيمان، والخشوع هو الخشوع، والقلوب هي القلوب والأرواح الطاهرة المطمئنة هي ذاتها الأرواح الطاهرة المطمئنة”. عمد آخرون إلى شد هممهم “كيف تستسلمون؟” يقول ناشط “ينبغي أن يواجه المسيحيون الحياة كما هي، ويتحملون المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم”. قدم بعضهم مقترحات متمنين من “أبناء شعب العراق” في كلّ مكان العمل على تحقيقها. من هذه المقترحات “لتتحرك مجموعة حيَّة متفاعلة داخل مكونهم لإعداد المستقبل، فالحياة للأقوياء وليست للضعفاء أو للانتهازيين! عليهم اتخاذ خطوات حازمة للضغط على أصحاب القرار في الداخل والخارج لتأمين حياة حرّة وآمنة لهم في العراق”. لم تسلم التعليقات من السخرية. فكتب أحدهم “أمنا الحنون فرنسا انتبهت اليوم لما يجري في العراق.. نِعْم الحضارة والرقي #قمة_العنصرية_والسفالة”. أشاد آخر “فرنسا تعرض الجنسية الفرنسية على المسيحيين العراقيين الذين تم طردهم من قِبل الدواعش فيقوم المسيحيون برفض الجنسية الفرنسية كي لا تضيع هويتهم ولا يضيع انتماؤهم لوطنهم العراق.. أكدوا أن العراق بلادهم ولن يحمل حقائبها غيرهم؟”، متسائلا “كم يستحق هؤلاء من تحية وتقدير وإجلال؟”. على الجانب الآخر، كتب آخرون تعليقات مستفزة “انظروا إلى هؤلاء الذين يصنفون أنفسهم مواطنين أصيلين في العراق.. الأصيل لا يترك أرضه بسهولة أما المتهافتون على طلبات الهجرة لأوروبا وأميركا وكندا وأستراليا وغيرها واكتساب جنسيات غربية والمتلهفون ليقتاتوا من فتات الموائد الغربية فهم كثيرون”. يزيد آخر في الاستفزاز “هذا هو حال الدنيا فقد أثبتوا ألا وطنية ولا انتماء لهم!!”. كلام لم يقنع كثيرين ورد أحدهم “ما يعيشه المسيحيون المسالمون والملتزمون بوطنيّتهم، نهاية مرّة واجتثاث حقيقي، وصمة عار على جبينِ كل العراقيين، وليعلموا أن خطر الإرهاب يهدد الجميع!”. ويتساءل مغرد “أي دين هذا الذي يجبر الناس على ترك أوطانهم؟ المسيحيون في العراق يهاجرون إلى فرنسا.. نحن نصنع إسرائيل ثانية!”. يقول معلق “أبشع ما في الأحداث أن الكراهية تفشت تقربا إلى الله!”. وتداول بعضهم مقطع فيديو لطفلة في عمر 13 سنة تصرخ: أريد أن أعود إلى بلدتي قره قوش، لقد سئمت الحياة هنا، أريد أن أعود. أفضل أن أموت فيها ومن أجلها ولا أن أذّل هنا أنا وأهلي”. وعلق بعضهم “صرخة مدويّة أمام ضمير العالم!”.وقال مغرد “الشعب يتعذب والسياسيون يتصارعون على المناصب!”. وشرح آخرون "منذ انفجار صراع الماردين السني والشيعي أصبح المسيحيون مستضعفين في الأرض لا حول لهم ولا قوة، تغتال رماح الجهل تاريخهم، وتبني أمجادا زائفة على أنقاض وجودهم في العراق. فما حدث ليس أول السيل، بل إن سيول الحقد تمكنت من تقليص أعدادهم بالعراق منذ الغزو الأميركي عام 2003". ويقول مغرد “منذ 2003 تفككت أواصر الدولة، وهاجر معظم مسيحيي العراق إلى دول الجوار وإلى أوروبا والولايات المتحدة هدم تاريخهم المؤسس لوجود العراق ذاته”. وقال معلق “حين تندلع الحروب الطائفية تصبح الأقليات أكبر الخاسرين، يتاجر الجميع بهم، ويقامر الجميع بمستقبلهم، والجميع مشترك في جريمة إرهابهم”. وقال معلقون “ذهب العديد منهم يبحث عن مستقبل في بلد آمن في الغرب لأن بلده، في اعتقاده لا مستقبل له فيه! إنهم يهاجرون تاركين خلفهم كلَّ شيء، لكن الهجرة في اعتقادي ليست حلاّ!”.