بقلم: باسم محمد حبيب
هل تشهد الحرب ضد "داعش" نشوء نظام دولي جديد كما حصل في اعقاب حرب الخليج الثانية وسقوط الاتحاد السوفيتي؟، قد لا يكون هذا السؤال مهما الآن بقدر أهمية الحرب التي توشك على البدء، لكن من الضروري بمكان فهم الواقع العالمي الجديد، وما يحمله من متغيرات كبيرة قد لا تتوقف عند القضاء على تنظيم "داعش"، بل قد تستمر في إطار نظام عالمي اكثر تراصا من النظام العالمي السابق.
هناك العديد من العلامات التي تدل على إمكانية تشكيل مثل هذا النظام العالمي، منها أن نشوء تحالف دولي خاص بمحاربة "داعش"، هو أمر يكاد يحصل دائما في مثل هذه الحالات، وقد حصل مثل ذلك في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو في ظل الحرب الباردة وما بعدها، فلم يتشكل نظام عالمي من دون تحالفات دولية تتشكل معه.
العلامة الثانية لنشوء هذا النظام تتمثل في وجود عدو يحاول اقطاب النظام العالمي مواجهته، فقد أدى الخطر الالماني إلى نشوء نظام عالمي تزعمته كل من بريطانيا وفرنسا، وأدى الصراع بين المنظومتين الشيوعية والرأسمالية إلى نشوء نظام القطبين الدوليين، ثم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي نشأ نظام القطب الواحد، أما الواقع الجديد فليس بالمستبعد ان يتمخض عنه نظام عالمي متعدد الأقطاب على الرغم من وجود قطب رئيس.
أما العلامة الثالثة فتتمثل في ما سببه الارهاب من ارباك كبير أثر عميقا في البنى الفكرية للمجتمع الإنساني، فضلا عما أثاره من ردود أفعال ثقافية وقانونية غير متوقعة، كانت وإلى وقت قريب تعد من المحرمات العالمية، ناهيك عن المواقف السياسية التي أخذت طابعا مختلفا عن السابق، الأمر الذي أدى إلى زعزعة الكثير من المعايير التي تحكم السياسة الدولية.
وعلى الرغم من أن النظام العالمي المنتظر سوف يضم غالبية الدول العظمى في العالم، إلا أن هناك دولا أخرى كروسيا والصين، قد لا تكون منسجمة مع بنية مثل هذا النظام أو متفقة مع أسسه، لأسباب كثيرة أهمها: ما يمكن ان يسببه هذا النظام من ضرر على نفوذها ومصالحها في العالم، ولنا في التحفظات الروسية الأخيرة خير دليل على ذلك، وبالتالي فان مثل هذا النظام إذا ما تشكل، فانه لن يكون راسخ البنيان إلا إذا ضم إليه هذه الأقطاب الآن أو في المستقبل.
إن نشوء نظام عالمي جديد هو امر يفرضه التحدي الذي يواجه العالم وهو تحدي الارهاب، وهذا الارهاب ليس خطرا وحسب بل هو بشع أيضا لأنه يمارس العنف بطرق وحشية، ويضرب كل القيم والمبادئ الإنسانية، فهو عدو ليس للتقدم البشري وحسب، بل ولكل ما هو حضاري وإنساني أيضا، الأمر الذي يتطلب موقفا عالميا يتسم بالقوة والدوام، وهو ما لم يتم إلا في إطار نظام عالمي تتفق عليه دول العالم، فهل سنشهد نشوء نظام عالمي جديد أم أننا فقط سنشهد إتخاذ إجراء محدد الأبعاد والنتائج؟.
يجب ان تتم مواجهة الارهاب وفق ستراتيجية طويلة الأمد، ذات بعدين عسكري وحضاري، لأن القضاء على الارهاب لا يمكن ان يتم بواسطة العمل العسكري فقط، بل في إطار عمل متعدد الأبعاد، يتوجه إلى المنابع والجذور المسببة لظاهرة الارهاب، وهو عمل كبير وجليل يتطلب جهودا جبارة من المجتمع الدولي، فهذه الحرب هي حرب المجتمع الدولي قبل ان تكون حرب العراق.
شبكة الأعلام العراقي
تعليقات الزوار سيتم حدف التعليقات التي تحتوي على كلمات غير لائقة Will delete comments that contain inappropriate words