واشنطن تبدأ من الصفر مهمة عاجلة لإعادة بناء الجيش العراقي لمواجهة داعش

عندما كانت القوات الأميركية تتهيأ لمغادرة العراق نهاية 2011، قال الجنرال فرانك هيلميك رئيس بعثة التدريب العسكري حينه عن القوات الأمنية العراقية "حدسي يقول لي إنهم سيكونون قادرين على القيام بالواجب.. إنهم الآن قادرون عليه، لكن لا نعرف مدى صحة ذلك على المدى البعيد".

خلال الصيف الحالي تم التحقق من شكوك هيلميك بعد أن شاهد العالم بذهول كيف أن عدة مئات من مسلحي الدولة الإسلامية أجبروا فرقا من الجنود العراقيين على التراجع. اليوم تبدو جهود ثماني سنوات من التدريب والتجهيزات (بقيمة 25 مليار دولار) لا قيمة لها، حيث تقوضت كلها بسبب الفساد والانقسامات الطائفية. 
اليوم تبدأ الولايات المتحدة من الصفر بمهمة جديدة لإصلاح عاجل للجيش العراقي على أمل أن يتمكن من دحر مجموعة داعش المتشددة. ويقول الكثير من السياسيين والخبراء إن الولايات المتحدة لا تمتلك الكثير من الخيارات سوى محاولة إنقاذ الجيش العراقي، إلا أن بعض الضباط الأميركان الحاليين والسابقين يشككون بنجاح المجهود الجديد بعد أن فشل المجهود السابق. 
ويقول ضابط رفيع سبق أن شارك في تدريب الجيش العراقي إن إصلاح المشاكل العميقة داخل قيادة الجيش العراقي سيستغرق سنوات، وإنه لن يتمكن من مقاتلة داعش على المدى القريب "لم نغادر سوى نهاية 2011، أي لم تمض حتى ثلاث سنوات. فإذا لم يستطع ذلك المجهود جعلهم قادرين على الصمود والقتال فلماذا نفكر بإرسال مجموعة من المستشارين الآن؟".
ميليشيا طائفية
الكثير ممن شاركوا في مهمة التدريب السابقة يلقون باللوم على رئيس الوزراء السابق نوري المالكي -الذي تولى السلطة بدعم أميركي – في تحويل الجيش إلى ميليشيا. سياسات المالكي، التي وضعت الكثير من القادة في مناصبهم على خلفية ولائهم وليس لخبرتهم العسكرية، استعدت السنّة وساعدت في تمهيد الطريق لمجموعة داعش التي استولت على مدن مأهولة بسكان من السنّة الساخطين من دون مقاومة تذكر. 
ويقول الجنرال المتقاعد بول إيتن، الذي أشرف على تدريب القوات العراقية خلال الأيام الأولى لحرب العراق، إن المدربين الأميركيين حاولوا – بعد الاجتياح الأميركي عام 2003 – تأسيس جيش يمثل التركيبة الدينية والعرقية لبلد تتعمق فيه العداءات بين السنّة والشيعة وبين الكرد والعرب. ويقول إيتن وغيره ممن شاركوا في برنامج التدريب إن المالكي – المتعصب الشيعي – بدأ بتخريب العملية حالما غادرت القوات الأميركية البلاد نهاية 2011، "بدأت تلك العملية بالانهيار مع المالكي، وتحوّل الجيش إلى قوة عسكرية يهيمن عليها الشيعة وصار الشعب والجنود أنفسهم ينظرون إليه على انه جيش غير شرعي". 
ومن أجل مواجهة المخاوف الطائفية، تخطط الولايات المتحدة لتأسيس وحدات الحرس الوطني المؤلفة من رجال العشائر السنّية للعمل في مناطقهم. إنها فكرة تردد صدى برنامج مماثل تم استخدامه لإنقاذ العراق من حرب أهلية اجتاحت البلاد بين 2006 و2008. تلك الفكرة – التي تعرف بحركة الصحوة – شملت دفع رجال العشائر السنية للانقلاب على المتمردين.
وبعكس الحرس الوطني المقترح، فإن وحدات الصحوة لم تكن مدمجة في الجيش العراقي لعدم ثقة المالكي بها. ويقول الجنرال المتقاعد بيتر منصور آمر أحد الألوية خلال حرب العراق "يمكن ان يكون الجيش العراقي قوة وطنية – رغم ان بعض الوحدات يهيمن عليها السنة وأخرى يهيمن عليها الشيعة – فجميعهم يقاتلون من أجل العراق. أعتقد من المهم جدا التأكد من ترسيخ أخلاقيات المهنة في الجيش العراقي وتخليصه من أية هوية ميليشياوية أو غيرها". 
وأضاف منصور ان الولايات المتحدة، في بداية حرب العراق، لم تكن تعيّن دائما الضباط الجيدين للتدريب ولم تغرس ما يكفي من الجدارة في صفوف الرتب العسكرية العراقية، وعليه من الواجب عدم تكرار تلك الأخطاء هذه المرة، يقول "نحتاج إلى توفير أفضل جنودنا وقادتنا ليكونوا مستشارين وليس فقط من المتاحين حاليا. كانت المعضلة الحقيقية هي كيفية إقناع الحكومة العراقية بالترويج لأكثر القادة كفاءة وليس أكثرهم ولاءً سياسياً، وهذا ما أخطأنا فيه نحن والحكومة العراقية". 
لكن مع تقدّم مجموعة داعش وعدم قدرة الجيش العراقي على صدّها، فان الخبراء يقولون إن الوقت ينفد ولا يمكن لزيادة المساعدة العسكرية الأجنبية ان تُحدث أي فرق. وتقول كاثلين هيكس مديرة برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الستراتيجية والدولية "هناك منفذ يمكن للحكومة الجديدة من خلاله ان تتخذ بعض الخطوات إذا ما أخذت الرسائل المركزية على محمل الجد وأن تقوم ببعض الإصلاحات الحقيقية. إذا ما أغلق هذا المنفذ فأعتقد ان تلك ستكون مخاطرة كبيرة بالنسبة لنا لأننا لا نتمكن من تدريب وتجهيز قوة طائفية لا تحظى بدعم سكان البلد كافة". 
كل ما تم تدميره يمكن إصلاحه
البعض لديهم شكوك عميقة بمحاولة إعادة برنامج لم تدم فائدته، وتصاعدت مخاوفهم بعد ان ذكرت التقارير ان أفراد المليشيات الشيعية المصطفة مع الحكومة تستهدف القرى السنية في معاقل داعش حتى أنها تقطع رؤوس البعض كتقليد لتكتيكات داعش. 
ويقول الجنرال المتقاعد دوكلاس مغريغور إن أي مهمة تدريب وتجهيز لن تحقق شيئا ما دامت البلدان المسلمة السنية المتحالفة مع الولايات المتحدة مستمرة في تمويل داعش سراً. يقول مغريغور "هناك مراكز تجنيد وتمويل تدعم داعش من داخل تركيا والسعودية وقطر، ومادامت هذه المراكز موجودة، حتى لو قتلنا 10 أو 20 ألفاً من مسلحي داعش داخل العراق وسوريا، فستتم إعادة تشكيلهم وعودتهم".

éعن: مركز الدراسات 
الستراتيجية والدولية

ترجمة المدى