الفقر وستة آلاف دولار تحرم "زهراء" من عينيها وربما حياتها ايضا

الطفلة زهراء، ذات الاربعة عشر ربيعا دخلت طور المراهقة باحلام تختلف عن قريناتها، فبدلا من متابعة مسابقات الجمال والموضة، كانت زهراء تتابع اخبار الاطباء وعمليات العيون، بعد اصابة عينيها بورم تسبب في اغلاقهما تقريبا.

وتقول زهراء في حديث الى (المدى برس)، إن "الما أصاب عيني قبل خمسة سنوات، كان كل شيء طبيعيا قبل ذلك اليوم، نظرت في المرآة فشاهدت ورما بعيني اليسرى ولم يكن مصحوبا بالألم حينها، كما أن أبي لا يملك مالا ليأخذني الى الطبيب ليعرف ما أصابني، وبقيت على هذا الحال حتى بات الورم يزداد يوما بعد آخر، الى أن استطاع والدي اقتراض المال من أحد اصدقائه، وأخذني الى طبيب العيون، فنصح بمراجعة مستشفيات بغداد".

وتوضح الشابة أن "أطباء بغداد اكتفوا بإجراء عمليات لسحب نماذج من الورم، الذي أظهرت نتائجه بأنه حميد بحسب تقاريرهم، لكنهم خيروني بقلع عيني أو البقاء بهذا الحال، ففضلت أن أبقى كما انا على أن تقلع عيني الشمال التي أرى بها على الرغم من حجم الورم الذي بات يكبر مع كل يوم".

وتبيّن زهراء أن "حالتي النفسية بدأت تنهار عندما انتقل الورم الى عيني الاخرى، وأنا أرى من هن في سنّي يذهبن الى مدارسهن، لأحرم في ريعان الشباب من أحلام البنات، واكثر ما صار يثيرني سماع كلمة عطف من أحد يراني عندما كنت أراجع الاطباء مع أبي".

وتطالب زهراء "المسؤولين في الحكومة باعتبارهم آباء ان يتذكروا وجهي كلما نظروا وجوه بناتهم، ويتذكروا كيف أصبح حالي، وأنا على شفا خسارة أغلى نعم الله على البشر، ولا أعلم ان كنت سأعيش والى متى، مالم يتداركني المسؤولون واصحاب الضمير، بعد أن اكد لنا اطباء مستشفى الديوانية التعليمي اليوم، على هامش الحملة التي أطلقها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي لإنقاذي، أن هناك أملاً في ان أعود ثانية كما كنت، لكن عامل الوقت مهم جدا فليس هناك متسع منه أمامي".

وتؤكد الشابة على أن "حلمي صار الحفاظ على عين واحدة ارى بها طريقي، دون ان أشغل أهلي بهمي، فما لديهم من مشاكل الفقر والعوز والحرمان كافية، لينشغلوا بأمري".

دمعة الندم والخوف والألم  والحرمان كانت لأبو زهراء عنوان لبدء حديثه الى (المدى برس)، ويقول، إن "الفقر حال بيني وبين الحفاظ على صحة أبنتي، فليس لي وظيفة أو مرتب أعتمد عليه، ولم يكن لي بد من الخروج يوميا الى (مسطر) العمال، على أمل أن أجد من يختارني من بين المئات للعمل في بناء بيته أو محله، لأتقاضى بنهاية اليوم خمسة عشر ألف دينار، تذهب بين مصاريف الذهاب والاياب، وأدوية أمي المقعدة، وأخي (المنغولي)، ومصاريف البيت لأطعم زوجتي وعشرة أبناء قبل أن تصاب زهراء بالمرض".

ويوضح محسن أن "أصعب شيء على الرجل، وقوفه عاجزا عن توفير أبسط الأشياء لأبنائه، حاولت كثيرا وسعيت بجميع الاتجاهات لأكون كباقي الآباء، لأرسم الفرحة على وجوه أبنائي بتوفير سكن مناسب وغذاء متنوع وملابس جديدة، لكن الفقر والجهل والأمية حالت بيني وبين تحقيق ذلك لهم، أخرج كل يوم على أمل الحصول على العمل، لكني لا أتوفق في ذلك أغلب الأوقات، ما اضطرني الى حرمانهم من كل الاشياء".

ويتابع أبو زهراء أن "حالة زهراء ظهرت سنة 2009، حيث أخبرتني زوجتي بورم عينها الشمال، لم يكن عندي مال حينها لأعرضها على الاطباء، لكن زيادة حجم الورم دعاني الى الذهاب الى أحد الاصدقاء لاقتراض المال، وفعل الرجل فعرضتها على طبيب في النجف، فأحالني الى مستشفى الديوانية، التي شكلت لجنة وأحالتني الى مدينة الطب، وهناك صرت أتنقل بين الاطباء، حتى أجرى لها أحدهم عملية سحب عينة من الورم لمعرفة ماهيته وان كان حميدا او خبيثا، واعطانا علاجاً".

ويضيف محسن أن "ثلاثة أشهر مضت دون أن تتحسن صحة  ابنتي بل اخذ الورم يزداد في عين زهراء، فاقترضت المال من احد اقاربي وعدت بها الى أحد اطباء العيون المتخصصين في بغداد، فأجرى لها ست عمليات دون أن يتوقف الورم بل بالعكس اخذ يكبر وينتقل الى عينها الاخرى، كنت ارى ابنتي تتألم، ولا أستطيع أن افعل لها شيئا يشفيها، طرقت ابواب المسؤولين ولم يسمع مني أحدهم شيئا، حتى لجأت الى أهل الخير فلم يقصروا، وجمعوا لي مبلغ ثلاثة ملايين دينار، أخذتها بها الى ايران، فشخصوا المرض وطالبوني بمبلغ ستة آلاف دولار، لمعالجتها بالإشعاع، كان المبلغ كبيراً جدا على من هم مثلي، فعدت خالي الوفاض".

ويستدرك أبو زهراء أن "جميع الابواب سدت في وجهي وعجزت عن تأمين المبلغ، فاستسلمت ويئست من انقاذ ابنتي، واكتفيت بالنظر اليها تذبل كالوردة كل يوم أمام ناظري، وانشغلت بتامين مصاريف امها وجدتها وعمها واخوتها، لتظهر لي مشكلة جديدة وهم آخر يكمن في قرار المحكمة بإخلاء الغرفة التي نعيش فيها".

ويبيّن محسن أن "صاحب الارض الزراعية التي نسكن في غرفة مبنية عليها، أقام علينا دعوى قضائية بالتجاوز، واستحصل أمرا من المحكمة بإخلاء المكان، وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة وتدخل الوجهاء والاصدقاء والجيران، الا أن الرجل مصر على تنفيذ قرار المحكمة وتطبيقه، وأوجب علينا اخلاء الغرفة خلال الاسبوع الجاري، وان لم انفذ القرار سيقوم بإحضار مفرزة من الشرطة لطردنا وسجني، ولا أعلم أين سأجد سقفا يحتمي به بعيالي، بعد ان فتحت بوجهي جميع الجبهات ولا أعرف كيف أوجه أو بمن سأفكر وماذا سأفعل".

من جهته يصف، أخصائي طب وجراحة العيون، الدكتور حسنين السعيدي، في حديث الى (المدى برس)، حالة زهراء بانها من "الحالات المعقدة التي تختلف فيها الآراء الطبية، فالورم المنتشر في محجر العينين، سبب تلفا كاملا لعينها اليسرى، إضافة الى تغير مكان ووظيفة العين اليمنى، وأوضح التشخيص الطبي أنه ورم حميد منتشر، ويحتاج الى تداخل ثلاثي (علاجي ونسيجي وكيمياوي)".

ويفضل السعيدي "علاج زهراء في مستشفيات خارج العراق ليس لقصور الطب وأطباء الاختصاص، بل لعدم وجود أجهزة طبية حديثة قادرة على التشخيص الدقيق للحالة، وامكانية علاجها كما هو الحال بمستشفيات الدول التي تشهد تقدما وتطورا في مجال طب وعلاج الاورام"، ويشير الى  "عدم ورود حالة مشابهة لحالة زهراء، لكن نسبة الشفاء تبقى عالية ان تم التعامل معها بسرعة لتلافي المضاعفات والاضرار".

بدوره يؤكد رئيس لجنة الصحة في مجلس محافظة الديوانية، باسم الكرعاوي، في حديث الى (المدى برس)، على أن "اقرار قانون ايرادات مجلس المحافظة، وتخصيص نسبة 15% منها الى الحالات المرضية والانسانية، التي تحتاج الى العلاج خارج القطر، وسأعمل على اصدار قرار خاص لزهراء خلال اجتماع المجلس يوم غد الثلاثاء، يؤمن لها مبلغا يتراوح بين مليونين وثلاثة ملاين دينار لغرض علاجها".

ويضيف الكرعاوي أن "وفدا باكستانيا يضم أحد عشر طبيبا اختصاصيا بجراحة العيون سيصل في السابع والعشرين من الشهر الجاري، وسيتم عرض حالة الشابة زهراء، لفحصها ومعالجتها سواء في الديوانية أو خارج القطر، بحسب ما سيوصي به الفريق الطبي الباكستاني، الذي سيعمل لمدة أربعة عشر يوما في مستشفى الديوانية التعليمي ويجري جميع العمليات بالمجان لأبناء المحافظة".

بدوره يقول المشرف على حملة (معا من أجل عيون زهراء)، الناشط الصحافي، باسم السعيدي، في حديث الى (المدى برس)، إن "زهراء أصبحت قضية للرأي العام في الديوانية، لعدة أسباب منها فقر الحال الذي تعاني منه الاسرة، لغياب الموارد الاقتصادية في القرية والناحية والمحافظة بشكل عام، إضافة الى تجاهل أبوها واعترافه بعدم قدرته على علاجها وأصابته باليأس والاحباط من مساعدة أو اهتمام احد المسؤولين له، فضلا عن عدم استطاعته التحشيد وتسليط الضوء على مصيبته".

ويوضح السعيدي أن "حملة اطلقناها على مواقع التواصل الاجتماعي في الفيس بوك، أخذت أصداء محلية وعربية ودولية من عراقيين مغتربين، أسفر عنها تبني رئيس لجنة الصحة وعدد من الاطباء، تشكيل فريق طبي بجميع الاختصاصات للكشف على حالة زهراء وتشخيصها، لوضع اللمسات الاخيرة وإعداد تقارير طبية خاصة تمهيدا لعلاجها خارج العراق".

وكان مجلس محافظة الديوانية،(يبعد مركزها 180 كم جنوب بغداد)، أعلن في (التاسع من أيلول الجاري)، عن تصويته على القانون الذي نص على تخصيص ما نسبته 15% من الايرادات الى الفقراء وعلاج المرضى.

وتعد محافظة الديوانية، ثاني أفقر المحافظات العراقية، حيث تشكل نسبة الفقر فيها نحو 35%، لكنها ارتفعت الى 45%، بحسب آخر الاحصاءات.

المدى برس